الشرق الأوسط في 2014 بين داعش وإيبولا

الشرق الأوسط في 2014 بين "داعش" وإيبولا

المغرب اليوم -

الشرق الأوسط في 2014 بين داعش وإيبولا

خير الله خير الله

كانت سنة 2014 سنة مصيرية في تكوين الشرق الأوسط الجديد من منطلق طائفي ومذهبي. هل إيبولا خطر على العالم؟ هل هي أخطر من إدارة أوباما التي يبدو أنها غير مستعجلة على أي حل.

لابدّ من العودة إلى البدء. والبدء كان الزلزال العراقي الذي ضرب المنطقة في ضوء الاحتلال الأميركي لهذا البلد قبل ما يزيد على أحد عشر عاما.

في السنة 2014 التي تشارف على نهايتها، ما زال الزلزال مستمرا وما زالت هناك تأثيرات لتردداته. انهار العراق وانهارت سوريا، فيما صار لبنان مهدّدا. انهار ما كان يسمّيه الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران التوازن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي الذي يصر الإيراني على أنّه خليج فارسي.

ما كان لهذا الزلزال ليدوم كل هذا الوقت لولا الرغبة الأميركية في ترك الأوضاع تتردى في الشرق الأوسط.

هناك في واشنطن إدارة لا تعرف ماذا تريد. أو ربّما تعرف ماذا تريد أكثر من اللزوم، ما دامت تفضّل الانشغال بمرض إيبولا، بين حين وآخر، بدل التركيز على تنظيم “داعش” الذي ولد من رحم السياسة الأميركية التي اختارت، إلى إشعار آخر، اعتماد سياسة الانتظار والوقوف موقف المتفرّج على ما تشهده المنطقة.

عطّل مرض إيبولا، حتى الآن، الحياة في ثلاث دول أفريقية هي غينيا وليبيريا وسيراليون. وعطلت “داعش” الحياة في ثلاث دول عربية هي العراق وسوريا ولبنان، إلى حدّ ما. بين حين وآخر، نجد الإدارة الأميركية تركّز على كيفية معالجة هذه الظاهرة. فجأة، تخرج الإدارة بتصريحات، عبر مسؤوليها، عن خطورة إيبولا على البشرية وتدعو إلى انعقاد مجلس الأمن. فجأة أيضا، لا يعود كلام عن إيبولا. بقدرة قادر يعود الاهتمام إلى “داعش”، أي إلى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أو إلى “الدولة الإسلامية” التي لا حدود لها.

لم تستفق الإدارة في واشنطن على “داعش” إلّا بعد سيطرتها على جزء كبير من الأراضي السورية والعراقية مزيلة الحدود الدولية بين البلدين. احتلت مدينتي الموصل وتكريت وهدّدت أربيل. لعب تهديد أربيل الكردية دورا حاسما في حشد التأييد الدولي للحرب على “داعش” التي يشارك فيها تحالف يضم ما يزيد على أربعين دولة.

ما يجمع بين “داعش” وإيبولا، هو الغموض في مصدر الداء، أقلّه ظاهرا. ليس هناك في واشنطن من يريد العودة إلى الأسباب الموضوعية التي أدت إلى تمدّد “داعش” وعثور التنظيم على حاضنة له في العراق. هناك رغبة في معالجة الآثار الجانبية للمشكلة بدل الذهاب إلى الجذور.

أكثر من ذلك، هناك رغبة أميركية في استغلال “داعش” من أجل التقرّب من إيران. هدف باراك أوباما يبدو محصورا بعقد صفقة مع إيران. بالنسبة إليه، يختزل الملف النووي الإيراني كلّ مشاكل الشرق الأوسط. وهذا ما يفسّر، إلى حدّ كبير، المواقف المتناقضة التي تصدر عن كبار المسؤولين الأميركيين في شأن ما أُعلن عن ضربات وجّهتها إيران من الجو لمواقع لـ”داعش” في العراق. هناك، بين الأميركيين، من يرى فائدة في هذه الغارات الإيرانية، وهناك من يصرّ على أن إيران ليست طرفا في الحرب على الإرهاب ولا يمكن القبول بها عضوا في التحالف الدولي الذي يواجه “داعش”.

ليس معروفا ما فائدة هذه الضربات الجوية، علما أنّ إيران لا تمتلك سلاحا جوّيا فعّالا. هناك طائرات أميركية من طراز “إف4” موجودة لدى إيران منذ أيّام الشاه. انتهت صلاحية هذه الطائرات منذ فترة طويلة. لكنّ الواضح أنّ إيران تريد استخدامها في العراق، وليس في مكان آخر غير العراق، لتأكيد أنّها شريك في إدارة هذا البلد وأنّها تعتبره تحت وصايتها، بل مستعمرة من مستعمراتها، على غرار سوريا ولبنان واليمن.

جديد 2014 هو ولادة “داعش” التي جاءت من رحم “القاعدة”. الجديد أيضا هو ظهور “داعش” على أنها لاعب إقليمي. أمّا القديم، فهو يتمثّل في ردود فعل إدارة أوباما التي تسعى إلى تجاهل “داعش” أحيانا، وإلى التركيز عليها في أحيان أخرى، كما لو أنّ الأمر مجرّد لعبة تصلح لتمرير الوقت.

لا رغبة أميركية حقيقية في التعاطي مع موضوع “داعش” بشكل جدّي. لو كانت هناك مثل هذه الرغبة، لكانت الإدارة الأميركية أيقنت باكرا أن النظام السوري و“داعش” وجهان لعملة واحدة. لا يمكن معالجة موضوع “داعش” دون معالجة موضوع النظام السوري. بكلام أوضح ولدت “داعش” في العراق قبل عام 2003 تحت أسماء أخرى. لكنّ النظام السوري استوعب التنظيم لأسباب مرتبطة برغبته في محاربة الأميركيين في العراق. فعل كلّ ما يستطيع من أجل تقوية “داعش” وذلك قبل أن يكون هناك من سمع بهذا الاسم. تطورت الأمور مع مرور الوقت.
صارت لدى النظام السوري، المرتبط بإيران، حاجة أكبر إلى “داعش” مع اندلاع الثورة في سوريا. صار النظام السوري في أمسّ حاجة إلى أن يقدّم نفسه بصفة كونه يواجه مجموعات إرهابية وليس الشعب السوري الراغب في استعادة بعض من كرامته.

إلى الآن، لم تتّخذ إدارة باراك أوباما موقفا واضحا من النظام السوري، على الرغم من كلّ ما يقوله باراك أوباما عن ضرورة التخلّص من بشّار الأسد. كذلك، لم تتّخذ الإدارة الأميركية في الواقع موقفا أساسيا وفي العمق من “داعش”.

ليس ما يدلّ على أن الإدارة الأميركية تستوعب أنّه لا يمكن محاربة “داعش” دون التخلّص من النظام السوري. في غياب القدرة على اتخاذ موقف من النظام السوري، ليس أمام إدارة أوباما سوى الهروب إلى إيبولا، وخطر إيبولا. مثل هذه اللعبة في غاية السهولة لسببين. الأوّل أن إيبولا لا تهدّد العالم الغربي كما يصوّر الأميركيون. هناك بعض الحالات المعزولة فقط. السبب الآخر أنّ خطر إيبولا محصور في دول أفريقية.

أين المشكلة إذا أدّى هذا المرض، أو الوباء، إلى موت عشرة آلاف أو عشرين ألف أفريقي؟

لا يمكن محاربة “داعش” دون طرح سؤال أساسي مرتبط بالظروف التي سمحت بتمدّد التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، وصولا إلى لبنان. الجواب عن هذا السؤال في غاية البساطة. ما دام “حزب الله”، وهو كناية عن ميليشيا مذهبية في لبنان، مرتبطة عضويا بإيران، سمح لنفسه بإلغاء الحدود بين لبنان وسوريا، لماذا لا يلغي السنّة السوريون والعراقيون الحدود بين البلدين الجارين؟

تبدو إدارة أوباما على استعداد للتعاطي مع كل شيء باستثناء القضايا الأساسية في الشرق الأوسط. لو كان هناك أي استعداد أميركي للتعاطي الجدّي مع موضوع “داعش”، لكان هناك إدراك لواقع يتمثل في أنه لم يكن في الإمكان قيام تنظيم من هذا النوع في سوريا والعراق في غياب من يحتضنه.

من احتضن “داعش” هم أهل السنّة في مناطق سورية وعراقية معيّنة. وهذا عائد إلى أن حكومة نوري المالكي التي كانت تحظى برضا أميركي وإيراني فعلت كلّ ما تستطيع لجعل السنّة يشعرون، في بلدهم، بأنّهم مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة.

حسنا، تخلّص الأميركيون من حكومة المالكي وجاؤوا بحيدر العبادي مكانه. هل سيكون في استطاعة الحكومة الجديدة أن تكون مختلفة في شيء عن الحكومة السابقة؟

ظهرت “داعش”. لكنّ لم يوجد، للأسف، من يريد محاربة هذا التنظيم الإرهابي بجدّية باستثناء الأردن الذي تابع “أبو مصعب الزرقاوي” داخل العراق. لم يوجد في واشنطن من يريد طرح الأسئلة الحقيقية. هل الأسئلة الحقيقية مؤجلة إلى السنة 2015، أي إلى السنة المقبلة؟

الأسئلة الحقيقية هي الآتية: هل من رغبة في تغيير إدارة أوباما موقفها من النظام السوري، بمعنى أن أي حرب على “داعش” لا يمكن أن تنجح بوجود هذا النظام؟ هل في الإمكان جعل الحكومة العراقية حكومة لجميع العراقيين وليس للشيعة فقط. أي حكومة للسنّة والأكراد والمسيحيين والتركمان والأيزيديين أيضا؟ يبقى سؤال أخير. هل في استطاعة الإدارة الأميركية إدراك أنّ الحرب على “داعش” تحتاج إلى مقاربة شاملة تأخذ في الاعتبار أنّ الشرق الأوسط ليس الملف النووي الإيراني، وأن الانشغال بهذا الملفّ لا يحلّ أية مشكلة من مشاكل المنطقة باستثناء تلك المرتبطة بالهواجس الإسرائيلية؟

يبقى ما هو أهمّ من ذلك كلّه أنّ العالم في حاجة بالفعل إلى اكتشاف علاج لمرض إيبولا. لكنّ العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، في غنى عن استخدام إيبولا للتغطية على الهفوات الأميركية، خصوصا تلك المرتبطة بالتقصير في فهم ظاهرة في خطورة ما يمثّله “داعش” على كل صعيد. فهذا التنظيم بات يرمز، أوّلا وأخيرا، إلى العجز الأميركي عن فهم ما يدور في الشرق الأوسط من جهة، والاستسلام للمشروع التوسّعي الإيراني من جهة أخرى.

تبدو الإدارة الأميركية، إلى إشعار آخر، في وضع المستسلم لإيران التي ليس ما يشير إلى أنّها متضايقة إطلاقا من الحرب الأميركية على “داعش” السنّية، ما دامت هذه الحرب تخدم “الدواعش” الشيعية التي تتمدّد في كلّ المنطقة، من لبنان إلى اليمن، مرورا بسوريا والعراق.

كانت السنة 2014 سنة مصيرية في تكوين الشرق الأوسط الجديد من منطلق طائفي ومذهبي للأسف الشديد. هل إيبولا خطر حقيقي على العالم؟ هل هي أخطر من إدارة أوباما التي يبدو أنّها غير مستعجلة على أي حلّ من أي نوع كان، في أي مجال كان.

"العرب"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط في 2014 بين داعش وإيبولا الشرق الأوسط في 2014 بين داعش وإيبولا



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya