الإنتصار على حمص والخيار البديل

الإنتصار على حمص ...والخيار البديل

المغرب اليوم -

الإنتصار على حمص والخيار البديل

بقلم : خيرالله خيرالله

كان شعار النظام السوري في الماضي يقول بالإنتصار على لبنان بديلا من الإنتصار على إسرائيل. تطوّر النظام مع الوقت، خصوصا مع إصرار بشّار الأسد على ولاية ثالثة. صار الآن يعتبر الإنتصار على حمص وعلى كلّ مدينة وقرية سورية هدفا بحدّ ذاته، والبديل من الإنتصار على لبنان الذي لم يتحقّقْ ولن يتحقّقَ يوما.
مثل هذا النوع من الإنتصارات على طريقة الإنتصار على حمص ليس سوى تأكيد آخر لوصول النظام إلى الطريق المسدود الذي طالما عمل من أجل تأجيل الوصول إليه. كيف يمكن لنظام، لم يعد لديه من ينتصر عليه غير شعبه، الإعتقاد أنّه لا يزال من النوع القابل للحياة وأنّه قادر على حكم كلّ سوريا في المستقبل؟
إستهلك هذا النظام كلّ أوراقه. لم تعد لديه سوى ورقة الإنتصار على الشعب السوري كي يثبت أنّه لا يزال موجودا. كلّ تاريخ النظام هو هروب مستمرّ إلى أمام، خصوصا إلى خارج البلد تفاديا لمواجهة الحقيقة التي صارت واقعا ماثلا أمامه منذ إندلاع الثورة الشعبية قبل ثلاث سنوات وثلاثة أشهر.
صمدت حمص سنتين ونصف سنة بالتمام والكمال بفضل رجالها ولا شيء آخر غير رجالها. دخلها النظام أخيرا بعدما دمّر الجزء الأكبر منها. حسنا، اليوم حمص. أي مدينة سيدمّر غدا؟ ما أفق مثل هذا النوع من الإنتصارات الوهمية التي تدلّ على أن النظام لن يرحل قبل تنفيذ المهمّة المطلوبة منه أصلا؟ تتمثّل هذه المهمّة في تفتيت سوريا من منطلق طائفي ومذهبي بعد محاولة تفتيت لبنان والقضاء عليه وعلى مقوماته، خصوصا العيش المشترك فيه.
ما ترمز إليه حمص يتجاوز مدينة مهمّة ذات موقع إستراتيجي قريبة من طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني. تربط حمص بين كلّ المدن السورية. تربط خصوصا بين الداخل السوري من جهة والساحل الذي فيه القسم الأكبر من العلويين، مع الجبال المطلة عليه، من جهة أخرى.
بسبب الموقع الإستراتيجي المهمّ لحمص، كان التركيز دائما عليها. الواقع أن عملية السيطرة على حمص لم تبدأ البارحة. كانت هناك محاولات مستمرّة منذ سنوات طويلة لإخضاع المدينة التي هي في الأصل سنّية ـ مسيحية مع جيب علوي صغير يشمل بضعة أحياء فيها. شملت هذه المحاولاتزيادة عدد العلويين في المدينة، إضافة إلى إستحواذ أهل النظام على مساحات شاسعة من الأراضي عند مدخل دمشق المؤدي إلى حمص. هل صدفة ما نشهده الآن وما شهدناه في السنوات الثلاث الماضية من تهجير منظّم لأهل حمص شمالا ومن ربط بين حصار النظام لحمص وما تتعرض له قريتان شيعيتان هما نبل والزهراء في منطقة ذات أكثرية سنّية؟
من يتحمّل مسؤولية الظلم الذي لحق بأهل القريتين غير النظام الذي يمارس منذ فترة طويلة عملية تطهير عرقي مبرمجة في مناطق محدّدة بينها حمص؟
كان تطويق حمص دائما جزءا لا يتجزّأ من إستراتيجية النظام التي تصبّ في الإعداد للخيار البديل.  هذا الخيار يعني وجود جيب علوي يمكن الدفاععنه في حال إندلاع ثورة شعبية أدّت إلى خروج آل الأسد من دمشق لسبب أو لآخر...أو حتّى لو إستطاعوا البقاء فيها، لكنّهم فقدوا السيطرة على كلّ سوريا.
يشكّل الإنقضاض على حمص ذروة الفشل لنظام طالما حاول تفادي التعاطي بشكل جدّي مع الداخل السوري. لعب هذا النظام دائما ورقة القمع في الداخل. حاول في كلّ يوم تغطية هذا القمع عن طريق رفع شعارات فضفاضة من نوع "المقاومة" و"الممانعة". كانت ورقة إثارة القلاقل في لبنان واحتلاله والعمل على تدميره أهمّ الأوراق التي لعبها النظام السوري منذ ما قبل إستحواذ حافظ الأسد على السلطة كلّها وإحتكاره لها.
في حمص إنتهت لعبة حلف الأقلّيات التي سعى النظام إلى ممارستها، بالخفاء، إنطلاقا من لبنان. قامت تلك اللعبة، التي باتت مكشوفة، على عناصر ثلاثة.
يتمثّل العنصر الأوّل في التحالف مع إيران، التي تمتلك "حزب الله" في لبنان من جهة، وفي حصر التمثيل الشيعي في البلد بالحزب الإيراني وحركة "أمل" المدجّنة سوريا وإيرانيا من جهة أخرى.
أما العنصر الثاني فكان ضرب القيادات السنّية، بدليل ما حلّ بالرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وقبله بكلّ زعيم سنّي حاول أن يرفع رأسه وصارت له حيثية وطنية تتجاوز طائفته. كان القتل أو التهجير مصير كلّ زعيم سنّي لبناني له شأنه تحوّل بالفعل إلى زعيم وطني قادر على الجمع بين اللبنانيين...
أما العنصر الثالث فكان يقوم على إضعاف المسيحيين كي يصبحوا تابعين للعلوي السوري. أستُخدم السلاح الفلسطيني في البداية من أجل تحقيق هذا الهدف. وقد ترافقت عملية إثارة الصدامات بين المسيحيين والفلسطينيين مع محاولات لإيجاد إنقسامات في ما بين أبناء الطائفة المسيحية نفسها. كان المطلوب دائما أن يكون المسيحيون في مواجهة مع المسلمين وحتى مع الدروز منهم، كي يدّعي النظام السوري أنه يتولى حمايتهم، على غرار حمايته للأقلّيات في الداخل السوري. كان المطلوب دائما، في حال غياب صدامات مفتعلة بين المسلمين والمسيحيين، إيجاد حروب بين المسيحيين أنفسهم.
تبدو سيطرة النظام على القسم الأكبر من حمص تحوّلا أساسيا  على الصعيد السوري. هذه السيطرة تمّت بفضل الدعم الإيراني والروسي. هذا الأمر لم يعد سرّا. هذه السيطرة تعني أوّل ما تعني أن البحث بدأ جدّيا في كيفية إقامة جيب علوي تمهيدا لإعلان الدولة العلوية أو ما يشبه ذلك. إنّها تعني أيضا أن خيارات النظام باتت محدودة، خصوصا بعدما قرّر بشّار الأسد البقاء في السلطة وحدّد موعدا للإنتخابات الرئاسية في الثالث من حزيران ـ يونيو المقبل وأختار من سينافسه، شكلا، في الإنتخابات المعروفة نتيجتها سلفاً.
الأهمّ من ذلك كلّه، أن روسيا وإيران إختارتا أيضا إقامة دولة علويّة في سوريا ونشر الفوضى في كلّ المناطق الأخرى، خصوصا في الشمال السوري. من قال أنّ إدارة أوباما ومعها إسرائيل ضدّ هذا الخيار الذي لا يزال يواجه مشكلة الوجود السنّي الكثيف على طول الساحل السوري؟ لا يمكن الإستخفاف بهذه المشكلة بأيّ شكل، على الرغم من المحاولات التي بذلها النظام في السنوات الأربعين الأخيرة من أجل تغيير التركيبة السكانية في المدن الساحلية الكبيرة، في مقدّمها اللاذقية وطرطوس وبانياس...

 

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإنتصار على حمص والخيار البديل الإنتصار على حمص والخيار البديل



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya