من النكبة إلى النكبات

من "النكبة"... إلى النكبات

المغرب اليوم -

من النكبة إلى النكبات

بقلم - خيرالله خيرالله

لا تزال إسرائيل تمارس إرهاب الدولة الذي مارسته منذ ما قبل قيامها، ولا يزال الفلسطينيون عاجزين عن التعاطي مع الواقع، خصوصا مع موازين القوى التي تتحكم بقضيتهم.العجز عن فهم موازين القوى.. أساس "النكبة"

اختارت إسرائيل قتل عشرات الفلسطينيين، في الوقت الذي كان وفدا أميركيا رفيع المستوى يشارك في افتتاح السفارة الجديدة للولايات المتحدة في القدس. لم يتحدد موعد لافتتاح السفارة الجديدة التي تشكّل ترجمة على الأرض لاعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل صدفة.

كان تاريخ نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس وافتتاحها مقصودا. حصل ذلك قبل يوم واحد من الذكرى السبعين لـ“النكبة”. ثمة من يريد تذكير الفلسطينيين بأنّ نكبتهم مستمرة، وأن شيئا لم يتغيّر في القرن الواحد والعشرين. لا تزال إسرائيل تمارس إرهاب الدولة الذي مارسته منذ ما قبل قيامها، ولا يزال الفلسطينيون عاجزين عن التعاطي مع الواقع، خصوصا مع موازين القوى التي تتحكّم بقضيتهم. كان هذا العجز عن فهم موازين القوى في أساس “النكبة”.

من ولد يوم “النكبة” صار عمره الآن سبعين عاما. على الرغم من ذلك، أي على الرغم من مرور كلّ هذه السنوات على اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وقيام دولة إسرائيل، لم تمتْ الهويّة الفلسطينية بعد. هناك فلسطينيون ما زالوا على استعداد للموت من أجل تأكيد أن قضيّة شعبهم حيّة ترزق على الرغم من أن “النكبة” ولدت نكبات أخرى من المحيط إلى الخليج بسبب سوء التعاطي مع نتائج “النكبة” الأولى.

جاء افتتاح السفارة الأميركية في القدس في ظلّ تجاهل عربي شبه تام للحدث. هناك من يريد إحراج العرب عموما والمزايدة عليهم. دفع هذا الطرف الذي يريد إحراج العرب والذي يعمل انطلاقا من غزة عشرات الفلسطينيين إلى الموت المجاني لا أكثر. ليس معروفا من أجل ماذا قتل كل هؤلاء الفلسطينيين الذين تجمعوا عند الحدود الدولية بين إسرائيل وقطاع غزّة، وراحوا ينادون بـ“حق العودة”. نعم، لا تزال قضية فلسطين حيّة ترزق. هناك هوية فلسطينية لا يمكن محوها. لكن الموت المجاني لشبان فلسطينيين لا يقدم ولا يؤخر، خصوصا أن هناك من يستغله لأغراض خاصة به لا علاقة لها من قريب أو بعيد بفلسطين والقضية التي كانت إلى وقت قريب القضيّة الأمّ في المنطقة.

أن يتصرّف العرب بالطريقة التي تصرّفوا بها يدل على وعي لخطورة المرحلة التي تمرّ فيها المنطقة كلها. لم تعد القدس وحدها مهددة، بل إن وضع القدس، على الرغم من الاحتلال المستمرّ منذ 1967، يظل أفضل بكثير من أوضاع عدد كبير من المدن العربية في منطقة تتباهى فيها إيران باحتلال أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

في الواقع ليست هناك أربع عواصم عربية مهدّدة فحسب، بل هناك أيضا مدن عربية جرى تغيير لطبيعتها أو محوها. من بين هذه المدن بغداد والبصرة والموصل. أزيلت الموصل تقريبا من الوجود. مدينة عراقية أصيلة وقديمة قِدم الموصل صارت شيئا من الماضي. ما ينطبق على الموصل، ينطبق أيضا على حلب وحمص وحماة. لم يعد في هذه المدن من يدافع عنها. في المقابل، لا يزال أهل القدس يرفعون الصوت عاليا من أجل تأكيد هويتها العربية وأنّها ما زالت ترفض الرضوخ لإرادة الاحتلال الذي صار مدعوما أميركيا.

لا حاجة إلى تكرار أن في أساس “النكبة” ذلك الإصرار العربي على تجاهل موازين القوى وعلى تجاهل المنطق. ليس معروفا إلى الآن لماذا لم يقبل العرب قرار التقسيم في العام 1947، ولماذا شنوا حربا في 1948؟ ولماذا كرروا تلك التجربة في 1967؟

ارتكب العرب كل الأخطاء الممكن ارتكابها من أجل أن تتحول “النكبة” إلى نكبات
ارتكب العرب كل الأخطاء الممكن ارتكابها من أجل أن تتحول "النكبة" إلى نكبات
لا أجوبة واضحة بعد تفسر سبب ارتكاب كلّ هذه الأخطاء، بما في ذلك دفع لبنان إلى توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969. كيف يمكن لعاقل أن يعتقد أن في الإمكان تحرير فلسطين انطلاقا من لبنان أو من الأردن. هل من تفسير آخر غير أن منطق اللامنطق هو السائد إلى يومنا هذا؟

ارتكب العرب كل الأخطاء الممكن ارتكابها من أجل أن تتحول “النكبة” إلى نكبات. لا يوجد حاليا شخص يمتلك ما يكفي من الشجاعة للقول إن التضحية بعشرات الشبان على طول الحدود بين غزة وإسرائيل لن يعيد فلسطينيا واحدا إلى فلسطين. تماما مثلما أن حرب لبنان، وقبلها حرب الأردن، لم تعيدا أي فلسطيني إلى فلسطين.

بين 1948 و2018، أي منذ يوم النكبة إلى يوم افتتاح السفارة الأميركية في القدس، هناك ثلاثة أحداث يمكن التوقف عندها. الحدث الأول هو استعادة مصر كلّ أراضيها المحتلّة في العام 1967 بفضل رجل اسمه أنور السادات قرر أن يذهب إلى القدس ويخطب في الكنيست ويقول “جئت إليكم حاملا سلام الشجعان، وليس سلام المغلوب على أمرهم”.

وهناك ثانيا ياسر عرفات الذي وقّع اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض. قطع خطوة في رحلة الألف ميل من أجل إقامة دولة فلسطينية “قابلة للحياة”، وذلك على الرغم من كل نواقص اتفاق أوسلو. لم يقرأ “أبوعمار” نصّ الاتفاق الذي سمح له بالعودة إلى أرض فلسطين. لم يعرف يوما ما هي إسرائيل وما هي السياسة الإسرائيلية وما هو المجتمع الإسرائيلي. لم يستوعب معنى أهمّية التحرك بسرعة لعقد اتفاق ما يمكن البناء عليه، بدل ترك كلّ قوى الشرّ، على رأسها إيران ونظام حافظ الأسد، تعمل من أجل إفشاله. سيظل ياسر عرفات على الرغم من كلّ أخطائه في الأردن ولبنان ومرحلة ما بعد أوسلو رمزا للهوية الوطنية الفلسطينية التي لا تزال تقاوم الاحتلال، من دون تجاهل الواقع المتمثل في أن الخيار المطروح في مرحلة ما وهو خيار الدولتين لم يعد قائما. هذا ما كانت تسمح به موازين القوى، لو عرف الفلسطينيون معنى عامل الوقت وكيف استغلال الفرص المتاحة التي قد لا تتكرر يوما.

وهناك ثالثا الملك حسين، رحمه الله، الذي عرف أن ذهاب الفلسطينيين إلى توقيع اتفاق أوسلو يحرّره من أي التزام تجاه الضفّة الغربية التي سبق له أن أعلن “فك الارتباط” بها في صيف العام 1988. وقّعت الحكومة الأردنية، بعد سنة وشهر من توقيع الفلسطينيين اتفاق أوسلو، معاهدة سلام مع إسرائيل في وادي عربة. أنقذ الملك الحسين الأردن والأردنيين. حصل ذلك في وقت لم يرد حافظ الأسد يوما استعادة الجولان، بل كانت عينه في كلّ وقت على كيفية تخريب لبنان وتدميره واستخدامه ورقة في ابتزاز العرب والعالم. وهذا ما تفعله إيران الآن.

في عالم لا يرحم، هناك في 2018 بحث عن مكان للعرب على خريطة الشرق الأوسط. لم تستطع فلسطين، التي وجدت لنفسها مكانا على الخريطة السياسية للمنطقة والعالم، أن تجد مكانا على الخريطة الجغرافية. لم يعد المطروح البحث عن مكان على الخريطة لفلسطين، بل هل لا يزال في الإمكان الكلام عن بلد اسمه العراق أو سوريا، أو هل في استطاعة لبنان المحافظة على نفسه في ضوء الهجمة الإيرانية التي كان أفضل تعبير عنها طريقة تصرّف “حزب الله” في الانتخابات الأخيرة…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من النكبة إلى النكبات من النكبة إلى النكبات



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 20:21 2016 السبت ,16 تموز / يوليو

حقائق تقرير تشيلكوت ودلالاته..!!

GMT 02:52 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تجهيزات الفنادق لاستقبال موسم العطلات وعيد الميلاد المجيد

GMT 06:40 2018 الخميس ,03 أيار / مايو

طرق إختيار الزيت المناسب لنوع الشعر

GMT 02:44 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

أسباب اختيار المرأة الخليجية ماسك الذهب

GMT 05:48 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

جان كلود جونكر يرغب في بقاء بريطانيا داخل "اليورو"

GMT 10:56 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ننشر 10 تساؤلات بشأن تعويم الدرهم

GMT 13:09 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

العلمي يقرر اعفاء مدير مركز الاستقبال الرياضي بوركون

GMT 14:58 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منتخب الكاميرون يصل إلى الدار البيضاء للمشاركة في "الشان"

GMT 22:43 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

الحرب الليبية تطيح بقطار الزواج والعنوسة باتت أزمة متفاقمة

GMT 04:20 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

رامافوسا يترأس حزب المؤتمر الوطني الجنوب أفريقي

GMT 17:45 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الوداد يربك حسابات المغرب التطواني ويبعثر أوراق فرتوت

GMT 08:40 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الطقس و الحالة الجوية في جبل العياشي

GMT 06:20 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عون يُخلي مسؤولية لبنان في صراعات دول عربية
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya