اليمن وتعقيداته… وعقل عبدربه

اليمن وتعقيداته… وعقل عبدربه

المغرب اليوم -

اليمن وتعقيداته… وعقل عبدربه

بقلم - خيرالله خيرالله

رئيس انتقالي مطرود من صنعاء ولا يتجرأ على المكوث في عدن ويتحدث عن "المس بالسيادة في سقطرى". ما هذا المنطق الذي لا علاقة له بالمنطق؟ من يتمعن في تاريخ عبدربه منصور وكل تصرفاته، يستطيع بالطبع فهم أنه عاجز عن فهم ما يدور في اليمن وحول اليمن.فشل في ملء كرسي رئيس اليمن

يفترض بالرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي استيعاب أنّ موضوع اليمن ليس موضوع تناحر داخلي يجرّه إليه الإخوان المسلمون، والذين يقفون خلفهم، على غرار التناحر الذي كان قائما في اليمن الجنوبي بين أجنحة الحزب الاشتراكي في مرحلة ما قبل الوحدة اليمنية في 1990. ليس الموضوع موضوع حسابات ضيّقة وصغيرة لا هدف منها سوى التغطية على عجز الرئيس الانتقالي عن أن يكون مع الأعضاء الأساسيين في حكومته على جبهات القتال يواجهون الحوثيين ويعملون من أجل العودة إلى صنعاء بدل البحث عن أعذار يغطون بها تقصيرا على كل المستويات.

موضوع اليمن أكبر من ذلك بكثير. إنه موضوع معقّد مرتبط بمستقبل شبه الجزيرة العربية كلّها، كما أنّه مرتبط بحماية أمنها وأمن المنطقة المحيطة بها وأمن كلّ دولة من دولها، على رأسها المملكة العربية السعودية. من هذا المنطلق، ليس الكلام الذي تتناول به حكومته برئاسة أحمد بن دغر الوجود العسكري الإماراتي في جزيرة سقطرى ذات الموقع الاستراتيجي سوى زوبعة في فنجان.

هناك محاولة مبتذلة لافتعال قضيّة من لا شيء، خصوصا أن جزيرة سقطرى تمثل في الوقت الراهن حلقة في شبكة أمان لليمن وللتحالف العربي الذي يقود الحملة الهادفة إلى محاصرة الوجود الإيراني في اليمن تمهيدا للتخلص منه. تمتد شبكة الأمان هذه، وهي منظومة متكاملة، من موانئ دول القرن الأفريقي… إلى ميناء المخا، في الجانب اليمني من باب المندب، ومطار عدن ومينائها وصولا إلى المكلا وجزيرة سقطرى.

يتعلّق الموضوع، في الواقع، بمنظومة أمان ذات بعد إقليمي تشمل دولا مثل اريتريا والصومال وجيبوتي. يصعب على عقل تبسيطي وبسيط في الوقت ذاته، لا يبحث سوى عن مكاسب شخصية، فهم تعقيدات منظومة الأمن والأمان في المنطقة وأبعاد ما يدور فيها. ولكن من أجل فهم لماذا يتصرّف الرئيس الانتقالي لليمن بهذه الطريقة، لا بدّ من العودة إلى تاريخه الشخصي الممتد منذ كان حارسا شخصيا لمسؤول المخابرات البريطانية في أبين، قبل استقلال اليمن الجنوبي في خريف العام 1967.

خلاصة الأمر أنّ أكثر ما ينطبق على عبدربّه منصور هادي هو المثل الفرنسي القائل: ثمّة خدمات كبيرة إلى درجة، لا يمكن الردّ عليها سوى بنكران الجميل. هذا ما فعله الرئيس الانتقالي، الذي كان عليه تسليم السلطة في 2014، مع كلّ من قدّم له خدمة وجعل منه شيئا. فعل ذلك مع علي ناصر محمّد، الرئيس اليمني الجنوبي السابق، ومع علي عبدالله صالح الذي أوصله إلى موقع نائب رئيس الجمهورية.

ويفعل ذلك الآن مع دولة الإمارات العربية المتحدة التي قدمت الشهداء من أجل اليمن وخاضت معارك استعادة عدن والمكلا وميناء المخا وحرّرت ما يكفي من الأراضي من أجل تمكين “الشرعية” اليمنية من أن تستعيد كلّ اليمن في يوم من الأيّام.

ينتمي عبدربّه منصور هادي إلى بيئة التناحر في اليمن الجنوبي. أدّى التناحر في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته، إلى انهيار النظام الذي كان قائما، وهو انهيار أدّى إلى تغييب أي خيار لدى قادة الحزب الاشتراكي، الحاكم وقتذاك، باستثناء خيار الهرب إلى الوحدة. توّج التناحر بسقوط الدولة وتحلّلها، علما أنّه كان في الإمكان المحافظة عليها لو امتلكت الدولة في جنوب اليمن رجالات يعرفون شيئا آخر غير التآمر على بعضهم بعضا.. والطعن في الظهر.

كان عبدربّه منصور ضابطا في الجيش اليمني الجنوبي بعد الاستقلال في العام 1967. وكان في أيّام الاستعمار البريطاني حارسا شخصيا لمسؤول المخابرات البريطانية، كما ورد آنفا، في محافظة أبين التي هو منها. كافأ مسؤول المخابرات البريطاني حارسه على حسن أداء مهمّته وأرسله في دورة إلى بريطانيا لتعلّم اللغة الإنكليزية وليس إلى كلّية ساندهيرست.

صار عبدربّه يعرف بعض اللغة الإنكليزية. وهذا تطوّر مهمّ بحد ذاته. وبعد الاستقلال ترقّى في الجيش وصار نائبا لرئيس الأركان للتموين في عهد علي ناصر محمّد، وهو أيضا من أبين. شارك عبدربّه إلى جانب الموالين لعلي ناصر في الأحداث الدموية التي اندلعت في الثالث عشر من كانون الثاني – يناير 1986، وفرّ بعد ذلك إلى صنعاء بعد هزيمة علي ناصر الذي بات أنصاره يعرفون بـ“الزمرة”. قصّة الرجل بعد ذلك معروفة.

كان علي عبدالله صالح في حاجة، بعد انتصاره في حرب الانفصال صيف العام 1994، إلى جنوبيين أعضاء سابقين في الحزب الاشتراكي كي يظهر أنّ لديه موالين له في ذلك الحزب الذي قاد حرب الانفصال وأراد العودة إلى مرحلة ما قبل الوحدة. وجد في عبدربّه منصور ضالته، على الرغم من أنّ لا وزن له، لا داخل الجنوب ولا في أبين نفسها. لمّا سألت علي عبدالله صالح في إحدى المرّات كيف يمكن أن تختار شخصا من نوع عبدربّه منصور نائبا لرئيس الجمهورية كان جوابه بالحرف الواحد: يبدو أنّك لا تعرفني. هل تريدني أن أعيّن في هذا الموقع شخصا ذكّيا كي يتآمر عليّ؟

خبّأ عبدربّه منصور كلّ حقده على علي عبدالله صالح إلى ما بعد خروج الرجل من السلطة. هذا لا يعني أن علي عبدالله صالح تصرّف دائما بطريقة لائقة مع نائبه، خصوصا عندما كانت تجتاحه نوبات من الغضب تعود إلى زيادة في مزاجيته التي راحت تتصاعد منذ انتصاره في حرب الانفصال عام 1994.

منذ أصبح رئيسا انتقاليا، أضاع عبدربّه منصور كلّ الفرص التي توافرت أمامه. صار همّه محصورا في تصفية حساباته مع سلفه بدل العمل دعلى بناء أجهزة ومؤسسات تهيئ لعملية انتقال للسلطة عن طريق ستور جديد يأخذ في الاعتبار أنّ وضع اليمن تغيّر وأنّ لا بدّ من صيغة جديدة تحميه من مزيد من التفتت في ظلّ صعود الحوثيين، المدعومين من إيران.

إذا كان هناك خيط يربط بين كلّ تصرفات الرئيس الانتقالي منذ ما يزيد على ست سنوات، فإنّ هذا الخط يتمثّل في تنفيذ ما يطلبه منه الإخوان المسلمون الذين يمتلكون أجندة خاصة بهم وضعتها لهم قوى معيّنة تعرقل كلّ تقدّم على أي جبهة من الجبهات. لعلّ أفضل ما يدلّ على ذلك أمران. الأوّل الوضع السائد على جبهة تعز حيث يعمل الإخوان على استمرار الجمود إلى ما لا نهاية والآخر الدور الذي لعبه الرئيس الانتقالي في تمكين الحوثيين من وضع اليد على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. هناك رئيس انتقالي مطرود من صنعاء ولا يتجرّأ على المكوث في عدن ويتحدّث عن “المس بالسيادة في سقطرى”. ما هذا المنطق الذي لا علاقة له بالمنطق؟

من يتمعّن في تاريخ عبدربّه منصور وكلّ تصرفاته، يستطيع بالطبع فهم أنّه عاجز عن فهم ما يدور في اليمن وحول اليمن. لا تسمح له قدراته العقلية بذلك، فضلا عن أن الرجل أسير الجحود. لا يستطيع استيعاب أنّ مطار عدن ليس مجرّد مطار يستطيع أن يستغلّه مع أفراد عائلته وأنصاره لأغراض تجارية على غرار ما كان يحصل في الماضي.. وأنّه ليس مسموحا له المس بشبكة الأمان في المنطقة. ولكن ما الذي يمكن توقّعه من شخص لا يزال أسير عقدة علي عبدالله صالح ولا يعرف أن بذلة الرئيس الراحل واسعة جدا عليه وأن اليمن الذي عرفناه لم يعد قائما…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليمن وتعقيداته… وعقل عبدربه اليمن وتعقيداته… وعقل عبدربه



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 01:49 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

تألق عمرو دياب في حفلة الكريسماس داخل أحد الفنادق النيلية

GMT 23:53 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اللاعب جلال الداودي يلتحق بصدارة هدافي الدوري المغربي

GMT 07:42 2013 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

5 غُرف مستوحاة من عالم "ديزني" تُرضي كل الأذواق

GMT 03:45 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

جيجي حديد تظهر جمالها الجذاب في عرض للماسكرا

GMT 11:15 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مهمة وعمليّة لتوزيع صور الأسرة على الحائط بشكل مثالي

GMT 00:37 2016 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

"كورشوفيل" أفضل منتج للتزلَج على مستوى العالم

GMT 17:34 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

توزيع سجائر مجهولة المصدر بطريقة مريبة في الدار البيضاء

GMT 11:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج الدلو

GMT 21:58 2020 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

ماء يخرج من جرح لاعب بعد تعرضه لإصابة نادرة

GMT 07:20 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

شجار عنيف داخل بنك لبناني في مدينة طرابلس

GMT 09:43 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تطورات قضية "فرح الأندلسي" صافعة جمركي باب سبتة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya