عودة المغرب إلى أفريقيا… التي لم يغادرها يوما

عودة المغرب إلى أفريقيا… التي لم يغادرها يوما

المغرب اليوم -

عودة المغرب إلى أفريقيا… التي لم يغادرها يوما

بقلم : خيرالله خيرالله

عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي جاءت في الوقت المناسب. ما حصل في الواقع كان عودة لأفريقيا إلى المغرب وذلك ليس من زاوية التعالي على الآخر، بل من باب المصلحة المشتركة التي تربط بين المملكة والقارة السمراء.

من عاد إلى من؟ هل عاد المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، أم عاد الاتحاد الأفريقي إلى المغرب؟ في الواقع “لم يغادر المغرب أفريقيا” يوما، كما قال الملك محمّد السادس في رسالته إلى القمة الأفريقية المنعقدة في كيغالي عاصمة رواندا. كان المغرب في كلّ وقت في قلب أفريقيا على الرغم من أنه في شمالها.

تؤكد ذلك مطالبة أكثرية الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، 28 من أصل 54، بإبعاد ما يسمّى “الجمهورية الصحراوية” من الاتحاد. استندت الرسالة التي قدّمها رئيس الغابون، علي بونغو، إلى رئاسة القمّة إلى موجبات قانونية لا غبار عليها بغية تمكين الاتحاد الأفريقي من العودة عن خطأ ارتكبته منظمة الوحدة الأفريقية قبل اثنين وثلاثين عاما. كان خطأ في حقّ أفريقيا أوّلا.

كان هناك وضع يصعب على الشعب المغربي تقبّله بأي شكل من الأشكال نظرا إلى أنّه يمس الوحدة الترابية للمملكة. لذلك حرص العاهل المغربي على الإيضاح للقمّة الأفريقية أنّه “كانت ظروف خاصة” فرضت الانسحاب من منظمة الوحدة الأفريقية، التي كانت قائمة قبل الإعلان عن قيام الاتحاد الأفريقي.

حصل ذلك في العام 1984. قال ملك المغرب أنّه كان “من المؤلم أن يتقبل الشعب المغربي الاعتراف بدولة وهمية”. هذه الدولة الوهمية، التي كان الهدف منها المسّ بالوحدة الترابية للمغرب وتبرير الطموحات الإقليمية للجزائر الراغبة في أن يكون لها منفذ على المحيط الأطلسي، صارت مشروعا ميتا في السنة 2016.

الدليل على ذلك أن الاعتراف بـ“الجمهورية الصحراوية” في إطار منظمة الوحدة الأفريقية، ثمّ الاتحاد الأفريقي، بات ورطة أفريقية أكثر من أي شيء آخر. ما العمل بكيان، أقل ما يمكن أن يوصف به أنّه “وهمي” بعد الفشل في جعله عضوا في أي منظمة إقليمية أو دولية، بدءا بجامعة الدول العربية انتهاء بالأمم المتحدة؟ حتى الجزائر، التي استعادت بعض وعيها مؤقتا، قبلت قيام “الاتحاد المغاربي” في العام 1989 من دون ذلك “الكيان الوهمي”. اقتصرت عضوية الاتحاد على دول معترف بها هي المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس وليبيا.

كان يبدو واضحا منذ البداية أن “الجمهورية الصحراوية” لم تكن سوى ورقة مساومة وابتزاز في لعبة استطاع المغرب تجاوزها في نهاية المطاف. استطاع ذلك بفضل ثبات مواقفه وصحّتها من جهة، والقدرة على التمسك بهذه الثوابت من جهة أخرى.

يعود المغرب إلى الاتحاد الأفريقي من الباب الواسع. المملكة واحة الاستقرار الوحيدة في شمال أفريقيا. الجزائر مريضة بدليل أنّها غير قادرة على الخروج من مأزق الرئيس المريض.

أما تونس فهي في مرحلة مخاض، فيما ليس معروفا ما الذي سيحل بليبيا، بينما الدولة الأخيرة في الاتحاد المغاربي وهي موريتانيا حائرة من أمرها وبذاتها. الأهمّ من ذلك كلّه أن لدى المغرب ما يقدّمه لأفريقيا في ضوء التجربة التي يمرّ فيها والتي جعلته قدوة لأي دولة أفريقية أخرى.

لذلك، يستطيع محمّد السادس القول، بكلّ راحة ضمير، إنّ “الوقت حان للابتعاد عن التلاعب بالنزعات الانفصالية وتمويلها، كما أن الوقت حان للتوقف عن دعم خلافات عفى عليها الزمن وذلك بالتوجه إلى تدعيم خيار واحد هو خيار التنمية البشرية المستدامة ومحاربة الفقر وسوء التغذية والنهوض بصحّة شعوبنا وتعليم أطفالنا والرفع من مستوى عيش الجميع”.

في كلّ ما له علاقة بأفريقيا من قريب أو بعيد، يتطلع المغرب إلى المستقبل بدل البقاء أسير الماضي. فوجوده خارج الاتحاد الأفريقي لم يمنعه من أن يكون داخل أفريقيا، بل في عمقها. أقام علاقات في غاية الأهمّية مع عدد لا بأس به من الدول الأفريقية. ساعدها في تطوير نفسها في مختلف المجالات وذلك في إطار الإمكانات المتوافرة لديه.

لم تقتصر المساعدات المغربية على التنمية وإقامة مدارس ومستشفيات، بل تعدت ذلك إلى كلّ ما له علاقة بنشر التسامح والاعتدال وتعريف الأفارقة بالدين الإسلامي الصحيح بعيدا عن العنف والتطرف. لم يتردد المغرب في إنشاء معهد لتكوين رجال الدين وتثقيفهم من أجل أن يكون أئمة المساجد في أفريقيا دعاة سلام ومحبة بعيدا عن كلّ ما له علاقة بالإرهاب.

في النهاية، لا يصحّ إلا الصحيح. والصحيح هو ما يقوم به المغرب من أجل أفريقيا وتمكينها من التطور، بدل الغرق في التخلف والإرهاب والشعارات والمزايدات التي لا طائل منها، بما في ذلك الدعوات ذات الطابع الانفصالي التي تهدد دول القارة.

جاءت عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في وقت كانت هناك ندوات عن أفريقيا في إطار “موسم أصيلة الثقافي”. أصيلة هي البلدة الواقعة على المحيط الأطلسي غير بعيد عن طنجة. لم يكن “موسم أصيلة” غريبا عن أفريقيا يوما. هناك اهتمام بها منذ السنة الأولى من عمر الموسم قبل ثمانية وثلاثين عاما. كان ليوبولد سنغور (رحمه الله) حاضرا في السنوات الأولى من “موسم أصيلة”، هو وغيره من رموز الحكمة وثقافة الحوار في القارة.

من بين الندوات التي استضافها “موسم أصيلة” هذه السنة، ندوة تحت عنوان “الوحدة الترابية والأمن الوطني: أي مآل لأفريقيا؟”. وقد افتتح الندوة السيد محمد بن عيسى الأمين العام لـ”مؤسسة منتدى أصيلة” وزير الخارجية المغربي سابقا. يعكس اهتمام “موسم أصيلة” بأفريقيا قدرة مغربية على استشفاف المستقبل. يقول بن عيسى لدى سؤاله عن سبب الاهتمام المغربي المبكر بأفريقيا “ما زلت أقول إن أمننا الأمني الوطني وأمننا الثقافي والاقتصادي هو جنوبنا. افتخر وأعتز بأن جلالة الملك محمد السادس قاد مسيرة التفاعل التنموي بين المملكة وعدد من الدول الأفريقية. نحن، في موسم أصيلة، طرحنا موضوع السيادة والوحدة الترابية لنسأل ماذا سيكون مآل أفريقيا؟ هناك في الذاكرة، منذ استقلال العدد الأكبر من الدول الأفريقية المحاولات الانفصالية. أريتريا انفصلت، كذلك جنوب السودان. كانت هناك محاولة انفصالية في نيجيريا (بيافرا). هناك الآن نزاع بين النيجر وكاميرون وهناك نزاع آخر بين تنزانيا ومالاوي محوره بحيرة مالاوي. إذا لم تتنبه أفريقيا إلى تحديات المرحلة وإذا لم تتآزر، فإنها مهددة بالبلقنة الثانية. كانت البلقنة الأولى تلك التي نفّذها الاستعمار بعد مؤتمر فرساي في العام 1918، فور انتهاء الحرب العالمية الأولى. نعيش الآن البلقنة الثانية”.

جاءت عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في الوقت المناسب. ما حصل في الواقع كان عودة لأفريقيا إلى المغرب وذلك ليس من زاوية التعالي على الآخر، بل من باب المصلحة المشتركة التي تربط بين المملكة والقارة السمراء. هناك، بكل بساطة، نموذج ناجح إلى حد كبير تستطيع الدول الأفريقية الاستفادة منه. المغرب ليس دولة نفطية. لكن النمو فيه سمح بتحقيق تقدّم على كل المستويات. في أساس هذا النمو والتطور الثروة الإنسانية قبل أيّ شيء آخر.

أكثر من ذلك، لا يخشى المغرب المضيّ قدما في الإصلاحات المطلوبة التي محورها المواطن المغربي. وهذا ما جعله يطرح الحل الواقعي الوحيد لقضية الصحراء المغربية، أي حل الحكم الذاتي الموسع في إطار لامركزية تشمل كلّ الأقاليم التي تتألف منها المملكة المغربية، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية.

في عالم لا أخبار فيه سوى الأخبار السيئة، وكان آخرها المأساة التي شهدتها مدينة نيس الفرنسية، ليس أمام المغرب سوى تأدية الدور المطلوب منه في دعم الاستقرار في محيطه وعلى ضفّتيْ المتوسط والمساهمة في الحرب على الإرهاب. هذه الحرب مرتبطة بالتطرف الديني الذي تشجعه ممارسات لدول معيّنة تدفع نحو ولادة النزعات الانفصالية وتشجّع عليها. ستبقى الحرب على الإرهاب في عناوين الصحف والإذاعات والمحطات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي طويلا، بل طويلا جدّا..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة المغرب إلى أفريقيا… التي لم يغادرها يوما عودة المغرب إلى أفريقيا… التي لم يغادرها يوما



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya