الحرب العراقية  الإيرانية المستمرّة

الحرب العراقية - الإيرانية المستمرّة

المغرب اليوم -

الحرب العراقية  الإيرانية المستمرّة

خيرالله خيرالله
بغداد - المغرب اليوم

كشف العراق إيران. ما يحصل في العراق من قمع وقتل للمتظاهرين بدم بارد على يد ميليشيات مذهبية تحرّكها طهران يؤكّد أمرين؛ أوّلهما أن مصير النظام الإيراني يتقرّر في العراق. أمّا الأمر الآخر فيتمثّل بأنّ الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت من 1980 إلى 1988 مستمرّة. إنّها حرب تدور داخل العراق هذه المرّة بهدف واضح. المطلوب إخضاع العراقيين، بمن في ذلك الشيعة العرب وإقناعهم، بالتي هي أحسن، بأنّ الاستعمار الإيراني قدر لا مفرّ منه من جهة، وأن “الحرس الثوري” على استعداد لاستخدام الوسائل التي استخدمها مع المواطنين الإيرانيين لإخماد الثورة الشعبية العراقية.

مضت أيّام والسكون يخيّم على إيران بعد أحداث مأساوية قتل فيها المئات. هذا لا يعني بأيّ شكل أن النار خمدت. على العكس من ذلك، لا تزال النار في إيران تحت الرماد. لكنّ النظام يعرف، في الوقت ذاته، أنّ العراق في غاية الأهمّية بالنسبة إلى مستقبله، وأن الانتصار الذي تحقّق على العراق في العام 2003، بفضل القوات الأميركية، هو الانتصار الحاسم وهو الخاتمة الحقيقية لحرب 1980 – 1988 التي انتهت بشبه انتصار عراقي بعدما قاتل العراقيون الشيعة من أجل العراق خلافا لكلّ الحسابات الإيرانية، بما في ذلك حسابات آية الله الخميني مؤسّس “الجمهورية الإسلامية” في إيران.

لم تكن الثورة الشعبية التي يشهدها العراق منذ الأول من تشرين الأول – أكتوبر الماضي سوى ثورة عراقية على النفوذ الإيراني في العراق. تشبه الثورة العراقية، إلى حدّ كبير، ثورة الشعب اللبناني الذي قام بتظاهرة الرابع عشر من مارس – آذار من العام 2005. جسّدت تلك التظاهرة ثورة للبنانيين على الوصاية السورية بعد شهر واحد بالتمام والكمال على اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في بيروت. نجح اللبنانيون بالفعل في إجبار النظام السوري على سحب جيشه من لبنان في السادس والعشرين من نيسان – أبريل في تلك السنة. لكنّهم لم يدركوا في حينه أن النظام السوري لم يكن سوى غطاء لمخطّط إيراني كان يستهدف لبنان ولا يزال يستهدفه.

تبيّن مع مرور الوقت، استنادا إلى الادعاء العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أن إيران تقف وراء تفجير موكب رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005. هناك بكلّ بساطة لعبة لا تعرف إيران غيرها. إنها لعبة التخلص من كلّ من تعتقد أنّه يمثل عائقا في وجه مشروعها التوسّعي، وهو مشروع قائم على الهرب المستمر إلى خارج حدود إيران. يترافق ذلك، في طبيعة الحال، مع رفع شعارات المزايدة على العرب في القدس وفلسطين تحت شعاريْ “المقاومة” و”الممانعة”.

اعتقدت إيران أن الاحتلال الأميركي للعراق الذي تمّ بالتنسيق معها شكّل نقطة تحوّل لا عودة عنها. ها هي تفاجأ كلّ يوم بأن العراقيين لم يرضخوا. على العكس من ذلك، إنّهم مصرّون على أن العراق هو العراق وإيران هي إيران.. هذا ما لم يستطع النظام الإيراني فهمه يوما، بما في ذلك الخميني نفسه الذي اعتقد في العام 1979 أنّ مجرّد قيام “الجمهورية الإسلامية” في إيران وإعلان نظام الوليّ الفقيه يجعلان من العراق ثمرة ناضجة يسهل قطفها إيرانيا. الأكيد أنّ ما ساعده في ذلك وجود نظام عراقي على رأسه صدام حسين لا يتمتع بكمّية كبيرة من الذكاء والفهم في كلّ ما له صلة بالقضايا الاستراتيجية المعقّدة أو التوازنات الإقليمية والدولية.

ساعد النظام العراقي وقتذاك الخميني من حيث لا يدري. فإعلان الحرب على إيران وإلغاء اتفاق الجزائر من جهة واحدة ساعد “الجمهورية الإسلامية” إلى حد كبير. ساعدها إعلان العراق الحرب، ردّا على استفزازات هي في الأصل إيرانية. عملت إيران كلّ ما تستطيع من أجل جرّ العراق إلى الحرب. حقّق الخميني هدفين. الأول استنهاض الروح الوطنية الإيرانية، والآخر إرسال الجيش الذي لم يكن له ثقة كبيرة فيه إلى الجبهات.

ما لم يدر في خلد إيران – الخميني أن الجيش العراقي سيصمد وأنّ الشيعة سيقاتلون بكلّ بسالة، خصوصا لدى اقتراب القوات الإيرانية من البصرة وتحقيقها اختراقات على جبهات عدة. ظهر في تلك المرحلة أن هناك روحا وطنيّة عراقية أيضا.

مرّة أخرى تتفاجأ إيران بالعراقيين وذلك على الرغم من أنّها أمضت ستة عشر عاما في محاولة إخضاعهم ومحو الهويّة الوطنية العراقية بطريقة ممنهجة. حصل ذلك عبر فرض رئيس الوزراء الذي تريده على العراقيين. كذلك، عملت إيران على تحويل “الحشد الشعبي” الذي ليس سوى مجموعة من الميليشيات المذهبية الموالية لها بديلا من الجيش العراقي.

يمثّل رفض شعب العراق الخضوع لإيران ذروة الفشل بالنسبة إلى طهران ونظام “الجمهورية الإسلامية”. ظهر بوضوح أنّ هذه الجمهورية عاجزة عن تقديم نموذج يحتذى به للعراقيين. مرّة أخرى، ليس لدى إيران ما تقدّمه إلى الآخرين خارج حدودها. ليس لديها ما تقدّمه للإيرانيين أصلا، لماذا يكون لديها ما تقدّمه للعراقيين أو للسوريين أو للبنانيين أو لليمنيين باستثناء مزيد من البؤس؟

فشلت إيران في كلّ ما قامت به منذ العام 1979. هناك نظام في أزمة مستمرّة يهرب منها باستمرار إلى خارج حدوده. كلّ ما في الأمر أن العراقيين يرفضون العيش في ظلّ الاستعمار الإيراني. اكتشفوا أنّ ثمّة حدودا للدهاء. لجأت إيران إلى الدهاء منذ قررت الانتقام يوما من العراق بعدما اضطر الخميني إلى وقف حرب السنوات الثماني في 1988، وإنْ على مضض.

سمح الاجتياح الأميركي للعراق بمباشرة إيران سياسة ذات طابع انتقامي. عاد قادة الميليشيات التابعون لها إلى بغداد على ظهر الدبابة الأميركية. سعوا إلى تأسيس نظام جديد. سهلت إدارة جورج بوش الابن المهمّة الإيرانية إلى أبعد حدود، خصوصا عندما تشكّل المجلس الانتقالي الذي همّش السنّة العرب كلّيا وبعد اتخاذ بول بريمر (المفوض السامي الأميركي مطلق الصلاحية في العراق) قراره القاضي بحل الجيش العراقي.

تكمن مشكلة إيران في أن الانتقام لا يمكن أن يكون سياسة. كشف العراق إيران التي لا تستطيع التعايش مع جار مستقرّ هو الجار العراقي. كان لا بدّ من العمل على تغيير طبيعة العراق والقضاء نهائيا على النسيج الاجتماعي العراقي. هذا ما فشلت فيه إيران التي تحصد حاليا ما زرعته. هناك روح وطنية عراقية لا تزال حيّة ترزق. هذا ما لم تستوعبه إيران يوما. هناك فوق ذلك كلّه حنين عراقي إلى ماض كانت فيه بغداد والبصرة والموصل من بين أهمّ المدن في المنطقة كلّها… وكان العراق مزدهرا بكلّ ما لكلمة ازدهار من معنى.

قد يهمك ايضا
"عهد حزب الله" شبه انتهى
أهمّية عدن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرب العراقية  الإيرانية المستمرّة الحرب العراقية  الإيرانية المستمرّة



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya