الجزائر والعسكر

الجزائر والعسكر

المغرب اليوم -

الجزائر والعسكر

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله

ليس سرّا أن مؤسسة الجيش في الجزائر ما زالت تحتكر السلطة. جاءت المؤسسة العسكرية بعبدالعزيز بوتفليقة رئيسا في العام 1999، وأزاحته في العام 2019 للحؤول دون توليه ولاية رئاسية خامسة. حصل ذلك في ظلّ حراك شعبي مستمر منذ ما يزيد على أربعين أسبوعا.

لا يمتلك هذا الحراك مطالب محددة بمقدار ما أنّه يسعى إلى تغيير طبيعة النظام الجزائري، وهو نظام أسّسه هواري بومدين في العام 1965 عندما انقلب على الرئيس أحمد بن بله، أوّل رئيس جزائري بعد الاستقلال. لم يكن بن بله عبقريا، بل كان أقرب شيء إلى سياسي ساذج يتخذ قرارات ارتجالية. في المقابل، كان بومدين ذا خلفية عسكرية وكان مأخوذا بالأنظمة الاشتراكية وبوهم لعب دور على الصعيدين العربي والأفريقي وفي العالم الثالث عموما. منذ 1965 وإلى اليوم ما زالت الجزائر أسيرة العسكر.

ليست الانتخابات المقرر أن تجري في الثاني عشر من كانون الأوّل-ديسمبر الجاري سوى امتحان للمؤسسة العسكرية التي استجابت للمطالب الشعبية، ولكن من دون أن تستجيب لها. تخلّصت من بوتفليقة والمجموعة الفاسدة المحيطة به التي كانت تحكم الجزائر من العام 2013 لدى إصابة الرئيس الجزائري بجلطة دماغية جعلت منه رجلا مُقعدا عاجزا عن التحدث إلى شعبه.

هناك دائما خيارات محدّدة للمؤسسة العسكرية الجزائرية التي تريد بوضوح رئيسا جديدا ينتمي إلى طبقة سياسية معروفة. مثل هذا الرئيس، الذي يعرف حدود سلطته، سيكون أفضل واجهة مدنية لها. هذا هو الدور المطلوب من رئيس الجمهورية الجديد، وهو دور رَفَض بوتفليقة تأديته بسبب شعوره بامتلاك شرعية تاريخية مستمّدة من كونه الشخص الأقرب لهواري بومدين. إلى ذلك، كان لدى بوتفليقة حساب يريد تصفيته مع الجيش الذي حرمه من الرئاسة في بداية العام 1979 بعيد وفاة بومدين. اختار الجيش وقتذاك العقيد الشاذلي بن جديد، أقدم الضباط الذين يحملون رتبة عقيد، لتولي الرئاسة مستبعدا بوتفليقة ومحمد الصالح يحياوي الذي كان يمثل الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني).

منذ اختيار الشاذلي بن جديد رئيسا لم يتغيّر شيء في الجزائر. لا يزال الجيش السلطة الحقيقية في البلد ولا يزال مصرّا على أن يكون صاحب الكلمة الأولى والأخيرة عندما يتعلّق الأمر بمستقبل البلد. هذا ما لم يفهمه بوتفليقة عندما فشل في أن يكون رئيسا في 1979 وبعدما أصبح رئيسا في 1999. ففي 1979، كان هناك قاصدي مرباح مدير جهاز الأمن العسكري الذي اصطدم بوزير الخارجية عبدالعزيز بوتفليقة في مرحلة كان لا يزال فيها هواري بومدين رئيسا يمارس صلاحياته المطلقة. أصرّ مرباح في تلك المرحلة، حسب رواية خالد نزار وزير الدفاع السابق الذي يقيم حاليا في المنفى، على تعيين ضابط من جهازه في السفارات الجزائرية المهمّة. رفض بوتفليقة ذلك لعلمه أن ضابطا من الأمن العسكري في أي سفارة سيكون أهمّ من السفير. ولدى الاحتكام إلى بومدين، أعطى الرئيس الجزائري، وقتذاك، الحقّ لبوتفليقة داعما موقفه. أثار ذلك حقدا لدى مرباح ما لبث أن فجّره لدى البحث عن خليفة لبومدين.

في كلّ المراحل التي مرّت فيها الجزائر منذ الاستقلال في العام 1962، اعتبرت المؤسسة العسكرية نفسها وصيّة على البلد. لا شكّ أن للمؤسسة العسكرية إيجابيات كثيرة، بما في ذلك منع الجزائر من التفكّك في أثناء ما يسمّى “سنوات الجمر” بين 1988 و1998. كانت تلك السنوات سنوات حرب أهلية بدأت بانتفاضة شعبية على حكم الشاذلي بن جديد في خريف 1988، ما لبثت أن تحوّلت إلى عصيان تقوده عصابات تنتمي إلى مجموعات دينية متطرّفة رفعت رايات الإسلام، في حين أنّها لا تعرف شيئا عن حقيقة الدين الحنيف وتعاليمه. على العكس من ذلك كانت هذه الجماعات التي ولدت من رحم الإخوان المسلمين مجرد مجموعات إرهابية أرادت وضع يدها على مؤسسات الدولة. وقفت المؤسسة العسكرية حاجزا في وجه الإرهاب وحمت الجمهورية الجزائرية التي عادت الأوضاع فيها إلى شبه طبيعية بعد انتخاب بوتفليقة رئيسا في العام 1999.

ما يندرج في سلبيات المؤسسة العسكرية الجزائرية أنّها لم تتحمّل يوما، قبل انتخاب بوتفليقة رئيسا، رئيسا قويّا يمتلك شرعية تاريخية مثل محمّد بوضياف الذي اغتيل في ظروف غامضة في العام 1992 بعد خلافته الشاذلي بن جديد الذي وجد نفسه مجبرا على الاستقالة نتيجة اكتساح مرشحي الإسلاميين الانتخابات البلدية.

ما يندرج في سلبيات المؤسسة العسكرية أيضا تغطيتها لنظام فاسد وعجزها عن التغيير في إرث هواري بومدين الذي فشل في كلّ ما يسمّى”الثورات” التي نادى بها، بدءا بالتعريب وصولا إلى “الثورة الزراعية”، مرورا بـ”الثورة الصناعية” التي كانت أقرب إلى نكتة من أيّ شيء آخر. استطاعت الجزائر بناء مصانع كبيرة تنتج الصلب، لكنها لم تفكر في الأسواق التي ستستوعب إنتاج تلك المصانع التي وجدت نفسها عديمة الفائدة يأكلها الصدأ في نهاية المطاف.

لا حاجة إلى تعداد كلّ المساوئ التي غطتها المؤسسة العسكرية، بما في ذلك المشاركة في الفساد ومنع أي تطوير للنظام الاقتصادي الذي حرم البلد من ثرواته وجعله أسير أسعار النفط والغاز وأسير عقدة وهم الدور الإقليمي. جعل هذا الدور الجزائر تدعم جبهة تسمّى “بوليساريو” لا فائدة تذكر منها سوى أنّها تسعى إلى خلق مشاكل للمغرب والتغطية على الدور الجزائري في إثارة قضية مصطنعة اسمها الصحراء المغربية التي هي جزء لا يتجزّأ من المغرب.

مع اقتراب السنة 2019 من نهايتها، ليس أمام المؤسسة العسكرية الجزائرية سوى أن تتغيّر. لا يكفي التخلص من الجنرال محمد مدين (توفيق) الذي تحكّم طويلا بالأجهزة الأمنية وتقديمه إلى المحاكمة كي تقول هذه المؤسسة إنّها استجابت للمطالب الشعبية.

سينتخب الجزائريون رئيسا جديدا غدا الخميس. هل ذلك يكفي ليدخل البلد عهدا جديدا مختلفا؟ لا شكّ أن المؤسسة العسكرية ما زالت ضمانة للاستقرار، لكنّ هناك ما هو أبعد من ذلك بكثير في حال كان الضباط الجزائريون يريدون رؤية ما هو أبعد من أنوفهم. هناك بلد في حاجة إلى إصلاحات في العمق، إصلاحات تأخذ في الاعتبار طموحات الشباب الجزائري من جهة، والحاجة إلى التخلّص من عقد كثيرة من جهة أخرى. في مقدّم تلك العقد وهم الدور الإقليمي وأن في الإمكان العيش إلى ما لا نهاية من مدخول النفط والغاز. هل في استطاعة المؤسسة العسكرية مواجهة هذا النوع من التحديات القديمة-الجديدة في الوقت ذاته، والتي عمرها من عمر الاستقلال؟

 

قد يهمك ايضا
"عهد حزب الله" شبه انتهى
أهمّية عدن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجزائر والعسكر الجزائر والعسكر



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya