ترامب يأخذ أميركا إلى رحلة في المجهول

ترامب يأخذ أميركا إلى رحلة في المجهول

المغرب اليوم -

ترامب يأخذ أميركا إلى رحلة في المجهول

بقلم : خيرالله خيرالله

ماذا يبقى من دونالد ترامب المرشّح، بعدما أصبح الرئيس دونالد ترامب؟ لن يبقى الكثير من الوعود التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية، خصوصا أنّه سيترتب عليه مواجهة الواقع. الواقع هو الإرث الثقيل لباراك أوباما الذي حوّل الولايات المتحدة إلى متفرّج على الأحداث التي يشهدها العالم، بعدما اعتبر أن الإنجاز الحقيقي الوحيد الذي حقّقه في مجال السياسة الخارجية يتمثّل في الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني.
الأمر الوحيد الأكيد أن ما حصل كان ثورة للبيض المقيمين خارج المدن الكبيرة الذين ثاروا على عهد أوباما. تحرّك هؤلاء وأثبتوا مرّة أخرى أنّهم يمثلون أميركا العميقة وأنّهم ما زالوا القوة الانتخابية التي لا بدّ من أخذها في الاعتبار، حتّى لو زاد عدد الناخبين السود أو المنتمين إلى الأقلّية التي تتحدث بالأسبانية. لم تستطع هيلاري كلينتون تعبئة هؤلاء على الرغم من الخطاب الاستفزازي لدونالد ترامب تجاه الأقلّيات والمسلمين وتهديداته للمهاجرين ووعده بإقامة جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك. كان عدم القدرة على تعبئة الأقلّيات نقطة الضعف الأساسية لدى هيلاري كلينتون التي لم تستطع في أيّ وقت طرح نفسها كشخص يمكن الاعتماد عليه وعلى خبرته وعلى نزاهته. ظهرت دائما كما لو أن عهدها سيكون امتدادا لعهد باراك أوباما الذي خيّب قسما لا بأس به من الناخبين، على رأسهم البيض.
ما لا يمكن تجاهله أن 31 من أصل 35 مدينة أميركية كبيرة صوّتت مع هيلاري كلينتون من دون أن يؤدي ذلك إلى فوزها. هناك أميركا منقسمة على نفسها أكثر من أيّ وقت. انتصر دونالد ترامب بسبب هذا الانقسام وبسبب عوامل عدّة لا يمكن تجاهلها. في مقدّمة هذه العوامل اقتناع عدد كبير من الناخبين البيض بأنّ هيلاري كلينتون لا يمكن أن تكون موضع ثقة في أيّ شكل، خصوصا بعدما أثار مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف. بي. آي) مسألة بريدها الإلكتروني عندما كانت وزيرة للخارجية في السنوات الأربع الأولى من عهد باراك أوباما. إلى جانب ذلك، لم يكن هناك في يوم من الأيّام وضوح وشفافية بالنسبة إلى نشاطات “مؤسسة كلينتون” التي ارتبطت أيضا بزوج هيلاري، الرئيس السابق بيل كلينتون، وذلك بعدما طرحت علامات استفهام كثيرة في شأن مصادر الأموال التي كانت تدخل صندوق المؤسسة.
الآن وقد انتصر دونالد ترامب، وهو انتصار على الحزب الجمهوري الذي ترشّح باسمه أوّلا، ذلك أنّ أيّا من قادة هذا الحزب لم يؤيّده، ستدخل الولايات المتحدة في ما يمكن تسميته رحلة في المجهول. لم تصدر عن ترامب أو فريقه أيّ تفاصيل واضحة تتعلّق بالسياسة الخارجية التي ينوي اتباعها. ناقض نفسه مرات عدة. إنّه يدعم إقامة علاقات قويّة مع فلاديمير بوتين، ويريد شنّ حرب تؤدي إلى اجتثاث “داعش” في الوقت ذاته. لا يمتلك ما يكفي من المعرفة بشؤون الشرق الأوسط كي يستوعب أن بوتين والنظام السوري وإيران وراء إيجاد حاضنة لـ”داعش” سواء أكان ذلك في سوريا أو في العراق.
المخيف أنّ الرئيس الأميركي الجديد الذي سيتولى مهماته في العشرين من كانون الثاني – يناير المقبل، يعتبر الاتفاق في شأن الملف النووي مع إيران “أسوأ” اتفاق من نوعه. لا يمتلك حدّا أدنى من المنطق للاعتراف بأنّ هذا الاتفاق غير مهمّ، بل هو في الأساس مناورة إيرانية ناجحة، تستهدف ابتزاز الولايات المتحدة وأوروبا. المهمّ النشاطات الإيرانية في المنطقة، وهي نشاطات قائمة على الاستثمار في الميليشيات المذهبية التي انتشرت في كلّ الشرق الأوسط، خصوصا في سوريا والعراق ولبنان، وصولا إلى اليمن… هل لدى ترامب القدرة على القيام بهذه النقلة النوعية في فهم طبيعة ما يدور في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج منذ سقوط العراق في العام 2003؟
سيعتمد الكثير على الفريق الذي سيحيط ترامب نفسه به. هل يلجأ إلى أشخاص يجعلوننا ننسى أولئك الذين شكلوا الحلقة الضيّقة التي كانت تشكل محيط باراك أوباما؟ هذه الحلقة التي ضمّت الكثيرين من المعجبين بإيران والتي تربط الإرهاب بأهل السنّة، متجاهلة وجود ميليشيات مذهبية تدعمها إيران، تقف وراء تشجيع قيام حرب مذهبية تدفع ثمنها كلّ دولة من دول المشرق العربي. هذه حرب يمكن أن تستمرّ قرنا، وقد شجعت عليها إدارة أوباما ووفرّت لها كلّ أسباب التوسّع وذلك بعد الاجتياح العسكري الأميركي للعراق في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن.
إنّها رحلة أميركية في المجهول. لن تفقد أميركا موقعها كقوة عظمى وحيدة في العالم بسبب دونالد ترامب أو أي رئيس آخر. لكنّ انتصار الأخير يطرح أسئلة كثيرة، بما في ذلك مستقبل العلاقات الروسية – الأميركية، والتركية – الأميركية وموقع أوروبا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في مواجهة روسيا من جهة، وتقوية حلف شمال الأطلسي من جهة أخرى، إضافة بالطبع إلى مدى جدّية دونالد ترامب في وضع حدّ للتوسع الصيني على كلّ صعيد بعد طرحه لما يعتبره مشكلة اسمها سياسة الأسواق المفتوحة.
ما يؤكد بداية الرحلة الأميركية في المجهول ردود فعل الأسواق المالية العالمية على انتصار ترامب. حصلت خضة في هذه الأسواق، لكنها ما لبثت أن التقطت أنفاسها وعادت إلى الارتفاع. لا يشبه انتخابه غير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إثر استفتاء الصيف الماضي. ليس معروفا إلى أين سيأخذ ترامب الولايات المتحدة والعالم مثلما أنّه ليس معروفا إلى أين ستذهب بريطانيا بعد تصويت أكثرية مواطنيها إلى جانب “بركسيت” من دون أي إدراك للنتائج التي ستترتب على مثل هذه الخطوة.
مع هيلاري كلينتون، كان العالم، خصوصا عالم الأعمـال والمال، يعرف تماما ما الذي يمكن توقّعه. مع دونـالد ترامب، الذي تحيـط شكوك بنزاهتـه وبكيفية صناعته لثروته، لا مكان سوى لحال من الضياع.
هل يكفي أن يكون دونالد ترامب رجل أعمال ناجحا، في ظلّ مقاييس معيّنة لا تنطبق عليها مواصفات الشفافية، كي يحسن إدارة القوة العظمى الوحيدة في العالم؟
هل يكفي أنّه مناور بارع يعرف كيف يثير الغرائز لدى الرجل الأبيض الأميركي، كي نتوقع منه تنفيذ الشعارات التي رفعها من بينها “إعادة العظمة إلى الولايات المتحدة”؟
في كلّ الأحوال، حقّق دونالد ترامب حلمه معتمدا على غباء قسم لا بأس به من الناخبين الأميركيين. هكذا يقول الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأميركية. ففي حديث إلى مجلة “بيبول” أدلى به في العام 1998، قال ترامب “إذا نويت على خوض الانتخابات الرئاسية، سأرشّح نفسي كجمهوري. الجمهوريون أغبى مجموعة من الناخبين في البلد. إنّهم يصدّقون أيّ شيء تقوله ‘فوكس نيوز” (محطة تلفزيونية يمينية). أستطيع أن أكذب وسيبتلعون الكذبة. إني أراهن على أن الأرقام التي سأحققها ستكون مذهلة”.
ما حقّقه كان أرقاما مذهلة، إذ فاز في ولايات كان مستبعدا أن يحقق فيها أي نجاح. صدق دونالد ترامب مع نفسه إلى أبعد حدود في عالم مجنون لم يعد فيه مكان سوى للغباء والتطرّف. فبعد الذي حصل في الولايات المتحدة وقبل ذلك في بريطانيا، لم يعد مستبعدا أن تكون زعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبن الرئيس المقبل لفرنسا في ربيع 2017… والآتي أعظم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب يأخذ أميركا إلى رحلة في المجهول ترامب يأخذ أميركا إلى رحلة في المجهول



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya