أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود
أخر الأخبار

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

المغرب اليوم -

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله

لبنان يدفع كلّه ثمن العجز الذي تمخّضت عنه عزلة عربية ودولية للبلد في غياب أصوات مسيحية عاقلة تحذّر من فكرة تجاهل الواقع، والسير بدلا من ذلك في طريق الأوهام بحثا عن تكوين ثروة عن طريق السياسة.

يفتقد لبنان، الذي يمرّ في أزمة مصيرية، نسيب لحود. يفتقده في هذه الأيّام أكثر من أيّ وقت بعدما هزلت الأوضاع إلى درجة يصعب تصورّها، في ظلّ غياب القيادة السياسية القادرة على استيعاب معنى الانهيار الحاصل وأبعاده.

مرت، الأحد الماضي، ثماني سنوات على غياب رجل كان أكثر من طبيعي أن يكون رئيسا للجمهورية اللبنانية لأسباب عدّة. من بين هذه الأسباب عقله الراجح ونظافة كفّه وقدرته على أن يكون جامعا بين اللبنانيين من جهة، وقدرته على فهم التعقيدات الإقليمية من جهة أخرى. كان رجلا مثل نسيب لحود ضمانة لاستمرار لبنان ونظامه الديمقراطي. كان عنوانا للقدرة اللبنانية على تجاوز المحن والنجاح في آن. كان يشكل أيضا ضمانة لمؤسسة رئاسة الجمهورية اللبنانية ودورها في المحافظة على الدستور ومواده وعلى حقوق اللبنانيين، جميع اللبنانيين.

جاء نسيب لحّود إلى السياسة بعدما جمعت شركته التي تعمل في مجال بناء المعامل الكهربائية ثروة لا بأس بها. عملت الشركة في لبنان وخارجه في دول عربيّة عدّة. لكنّه في اليوم الذي أصبح فيه سفيرا في واشنطن وقبل أن يصبح نائبا في العام 1992، امتنع عن ممارسة أي نشاط ذي طابع تجاري في لبنان. فصل فورا بين رجل الأعمال والمتعهد… وبين السياسي. وضع نفسه في خدمة بلده رافضا أن يكون لديه أي مشروع مرتبط بالكهرباء أو غير الكهرباء في لبنان. جاء إلى السياسة من أجل الخدمة العامة، وليس من أجل جمع ثروة عن طريق موقعه السياسي.

انتمى نسيب لحّود إلى ناد مغلق يضم عددا قليلا جدّا من السياسيين اللبنانيين الموارنة الذين يرفضون الوصول إلى موقع رئيس الجمهورية بأيّ ثمن كان. كان عُملة نادرة مثله مثل ريمون ادّه الذي رفض الرئاسة مرّات عدّة بسبب شروط معيّنة فُرضت عليه مسبقا.

تختزل مسيرة نسيب لحود جانبا مهمّا من مأساة لبنان في السنوات التي سبقت وفاته. عندما يكون نسيب لحّود حيث هو منذ ثماني سنوات، منذ الثاني من شباط – فبراير 2012، وعندما يكون في قصر بعبدا مرشّح “حزب الله” لرئاسة الجمهورية، لا يعود مستغربا وصول لبنان إلى حال الانهيار التي وصل إليها. لم يعد مستغربا أن تتشكّل حكومة على شكل الحكومة الحالية برئاسة حسّان دياب وأن تطرح هذه الحكومة بيانا وزاريا فيه عبارات فضفاضة لا علاقة له بالحلول التي يمكن اعتمادها لمعالجة الانهيار. لا يمكن لحكومة الكلام عن حلول لمشاكل البلد، بينما ليس لديها ما تفعله في مجال الكهرباء باستثناء الوعود. ما هو أبعد من ذلك أن الحكومة الحالية تؤكّد كلّ يوم، قبل نيلها الثقة النيابية، أنّها بالفعل حكومة “حزب الله” في “عهد حزب الله”. تدلّ على ذلك نيّة الحكومة، استنادا إلى بيانها الوزاري، إنشاء مجلس أعلى للتخطيط. الهدف من ذلك واضح كلّ الوضوح، وهو انتزاع جزء أساسي من صلاحيات رئيس مجلس الوزراء السنّي الذي يُعتبر مجلس الإنماء والإعمار من ضمن الهيئات التي تقع ضمن صلاحياته. هل يتذكّر اللبنانيون خطابا حديثا، إلى حدّ ما، ألقاه الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، وطالب فيه بوزارة تخطيط؟ توضّح الآن الهدف من ذلك الطلب. بدل وزارة تخطيط مطلوب مجلس أعلى للتخطيط ينتزع القرار في شأن تنفيذ المشاريع الإنمائية من رئاسة مجلس الوزراء…
لم يجبْ البيان الوزاري عن أي سؤال ملحّ يطرحه اللبنانيون. في مقدم الأسئلة المطروحة متى يُفرج عن الودائع الموجودة في المصارف؟ متى تستطيع الشركات اللبنانية معاودة إرسال تحويلات إلى الخارج من أجل أن تتمكن من ممارسة نشاطها التجاري؟

هناك عشرات الآلاف من اللبنانيين المصروفين من وظائفهم، وهناك عشرات الآلاف سيصبحون عاطلين عن العمل في السنة 2020. هناك حكومة لا تأخذ في الاعتبار أن بيانها الوزاري لم يعد صالحا لمرحلة ما بعد السابع عشر من تشرين الأوّل – أكتوبر 2019.

في مثل هذه الأوضاع، يبدو غياب نسيب لحّود أكثر من مؤلم، خصوصا أن الفراغ الذي تسبب فيه موته لا يعوّض، خصوصا أن الموجة الثانية الكبيرة لهجرة المسيحيين خصوصا، والشباب المتعلم عموما، من كلّ الطوائف آتية لا محالة. كانت الهجرة الأولى في السنوات 1988 و1989 و1990 عندما كان العماد ميشال عون في قصر بعبدا بصفة كونه رئيسا لحكومة موقتة مهمّتها الوحيدة انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس أمين الجميّل. لم تكن تلك السنوات سوى سنوات حروب معروفة نتائجها الكارثية واختلطت فيها العوامل الداخلية بالعوامل الخارجية.

ما نشهده اليوم في لبنان هو وضع أسوأ من ذلك الذي مرّ فيه البلد في السنوات الثلاث التي تلت خروج أمين الجميّل من قصر بعبدا إثر انتهاء ولايته، وانتقال ميشال عون إلى القصر الرئاسي. فبعد اتفاق الطائف في خريف العام 1989، كان هناك اهتمام عربي بإنقاذ لبنان. لا يوجد حاليا غياب للاهتمام العربي بلبنان فحسب، بل هناك لامبالاة أميركية بما يحلّ بالبلد… وهناك تجاهل لبناني كامل على أعلى المستويات لمعنى أن يكون اللبناني أو العربي أو الأجنبي عاجزا عن التصرّف بماله.

لو كان نسيب لحّود حاضرا، لكان شرح في مجلس النوّاب الوضع على حقيقته، ولكان أفهم اللبنانيين أن استعادة الكهرباء أمر ممكن، وما هي أفضل الطرق لتحقيق هذا الهدف بأقلّ التكاليف.

كشف غياب نسيب لحّود مدى السقوط اللبناني، خصوصا المسيحي، على كلّ صعيد. جاء ذلك تتويجا لمرحلة طويلة من التراجعات في أساسها العجز عن استيعاب خطورة أن يكون “حزب الله”، المرتبط عضويا بإيران، من يقرّر من هو رئيس الجمهورية المسيحي، ومن هو رئيس مجلس الوزراء السنّي.

يدفع لبنان كلّه ثمن هذا العجز الذي تمخّضت عنه عزلة عربية ودولية للبلد في غياب أصوات مسيحية عاقلة تحذّر من فكرة تجاهل الواقع، والسير بدلا من ذلك في طريق الأوهام بحثا عن تكوين ثروة عن طريق السياسة.

لم يبع نسيب لحّود اللبنانيين أوهاما. صرف من ماله الخاص عندما مارس السياسة. إنّه ينتمي إلى تلك الطبقة السياسية التي ساهمت في بناء لبنان وإيصاله إلى ما وصل إليه من ازدهار قبل أن تبدأ مرحلة الانهيار التي سعى رفيق الحريري إلى وقفها بين 1992 و2005. لم يكن نسيب لحّود محسوبا كلّيا على رفيق الحريري، كان يعترض في أحيان كثيرة على مشروعه للبلد. لكنّ اعتراضه، على العكس من اعتراض “حزب الله” وأدواته المسيحية، كان من أجل مزيد من البناء والإصلاح والتغيير وليس من أجل الهدم ليس إلا..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:10 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

دا كوستا خارج حسابات الاتحاد ضد الأهلي في الدوري السعودي

GMT 08:52 2012 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

كرسي هزاز لشخصين

GMT 17:01 2019 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الكشف عن هوية الانفصالية التي أحرقت العلم المغربي في فرنسا

GMT 12:06 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

كيف تعالج مشكلة قضم الأظافر عند الأطفال؟

GMT 16:03 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إقالة قائد إقليمي للشرطة بسبب حادث التدافع في الصويرة

GMT 12:07 2016 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الفأر الجبلي يستطيع مضغ لوح خشبي بكُبر علبة الكوكاكولا

GMT 13:38 2017 الثلاثاء ,20 حزيران / يونيو

مصممة الأزياء هند براشد تقدم مجموعتها لصيف 2017

GMT 23:21 2016 الثلاثاء ,05 تموز / يوليو

رجال بلا أخلاق والنساء يدفعن الثمن

GMT 11:55 2016 الخميس ,11 شباط / فبراير

يامى جوتام تشارك هريتيك روشان فى" كابيل"

GMT 21:16 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الفئات العمرية للمغرب الفاسي تحقق نتائج جيدة

GMT 13:53 2016 الخميس ,11 شباط / فبراير

لجين عمران تروج لماركة حقائب شهيرة

GMT 04:59 2016 الإثنين ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعبة كمال أجسام أميركية تثير الجدل بسبب نسبة الدهون
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya