أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

المغرب اليوم -

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر

بقلم - خيرالله خيرالله

إيران لم تتغيّر منذ 1979، ما تغيّر هو أميركا التي انتخبت دونالد ترامب رئيسا بعد انتهاء عهد باراك أوباما الذي قرّر اختزال كلّ مشاكل الشرق الأوسط والخليج بالملفّ النووي الإيراني.
في الحرب الطويلة المستمرّة منذ انتصار “الثورة الإسلامية” في إيران والإعلان عن قيام “الجمهورية الإسلامية” بعد إطاحة الشاه، كانت المبادرة في معظم المعارك لإيران. استطاعت “الجمهورية الإسلامية” ترويض الإدارات الأميركية المتلاحقة والاستفادة منها إلى أبعد حدود. لم تتغيّر إيران منذ 1979. ما تغيّر هو أميركا التي انتخبت دونالد ترامب رئيسا بعد انتهاء عهد باراك أوباما الذي قرّر اختزال كلّ مشاكل الشرق الأوسط والخليج بالملفّ النووي الإيراني. أكثر من ذلك أراد حصر الإرهاب بالتنظيمات السنّية، في مقدّمها “داعش” متجاهلا الدواعش الشيعية وهي ميليشيات يقف وراءها “الحرس الثوري الإيراني”. هذه الميليشيات منتشرة في كلّ المنطقة. في العراق وسوريا ولبنان وصولا إلى اليمن.

تغيّرت أميركا كلّيا في عهد دونالد ترامب. سقط الرهان الإيراني على أن الرجل ظاهرة عابرة. وهذا ما عبّر عنه السفير الفرنسي السابق في واشنطن جيرار آرو الذي تقاعد حديثا. ثمّة خلاصات عدة يمكن استنتاجها من حديث طويل لآرو الذي أمضى خمس سنوات سفيرا لبلاده في واشنطن. أدلى بالحديث إلى “أتلانتيك”. إضافة إلى كشفه معرفته الجيّدة بجاريد كوشنر صهر ترامب وتوقعه، بنسبة 99 بالمئة، فشل “صفقة القرن” التي يطرحها لحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، يحذر آرو من أنّ الرئيس الأميركي “ظاهرة سياسية” يجب عدم الاستخفاف بها. ما لم تدركه إيران، إلى الآن، أنّ هناك جديدا في واشنطن، وأنّ أساليبها السابقة في التعاطي مع الإدارات الأميركية لم تعد صالحة لعصر ترامب، وذلك بغض النظر عن سيئات الرجل، وهي كثيرة، وحسناته التي لا يمكن تجاهلها، في مقدّمها تحسين الوضع الاقتصادي الأميركي بما لا يدع مجالا للشكّ في أن حصوله على ولاية ثانية بات مرجّحا. ثمّة واقع أميركي جديد ترفض “الجمهورية الإسلامية” الاعتراف به أو تصديقه لا أكثر ولا أقلّ.

منذ احتجاز دبلوماسيي السفارة الأميركية في طهران رهائن لمدة 444 يوما في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1979، تعودت إيران على الاستخفاف بالولايات المتحدة وردود فعلها. كان جيمي كارتر، الذي لم يستوعب بأيّ شكل معنى التغيير الكبير الذي حصل وقتذاك في إيران، رئيسا فاشلا بكلّ المقاييس. عززت المحاولة السخيفة التي أمر بها كارتر لإنقاذ رهائن السفارة الأميركية الانطباع بأنّ الولايات المتحدة “نمر من ورق” كما كان يقول الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ الذي عرف الذين خلفوه نقل البلد الأكثر سكانا في العالم إلى عالم آخر بدل البقاء في أسر الشعارات البالية لماو. تلك الشعارات التي أخذت الصين من كارثة إلى أخرى… إلى أن تخلصت من ماو في العام 1976.

عرفت إيران كيف تتعاطي مع رونالد ريغان، خليفة كارتر. عقدت معه صفقة ولم تفرج عن رهائن السفارة قبل موعد الانتخابات الرئاسية وتأكدها من أن ريغان سيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة. راعى ريغان إيران إلى أقصى حد طوال عهده. رفض الردّ على تفجير مقر المارينز في محيط مطار بيروت في تشرين الأوّل/ أكتوبر من العام 1983 وقبل ذلك السفارة الأميركية في عين المريسة في مثل هذه الأيّام من السنة نفسها.

على العكس من ذلك، هرب من لبنان أمام الزحف الإيراني الذي كان بغطاء سوري.امتلكت إيران في كلّ وقت ما يكفي من الدهاء للتعاطي بمرونة أو بقسوة مع الأميركيين، حسبما تدعو الحاجة. تمددت في كلّ الاتجاهات وحصلت على الجائزة الكبرى عام 2003، عندما قدّم لها جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة. قبل ذلك استغلّت إلى أبعد حدود غباء صدّام حسين واجتياحه الكويت في عام 1990، وسياسة جورج بوش الأب الذي انشغل بمعالجة نتائج المغامرة العراقية المجنونة. في عهد بيل كلينتون، تعايشت إيران مع خليفة بوش الأب وسياسة “الاحتواء المزدوج” التي كشفت عدم جديته في القيام بأي شيء خارج الحدود الأميركية إلا إذا كان الأمر مقتصرا على عمليات قصف جوي، كما حصل مع صربيا.

هناك الآن جديد أميركي. لا يقتصر هذا الجديد على العلاقة الحميمة بين دونالد ترامب وبنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأبدي الذي يحظى بغطاء روسي أيضا أمّنته له علاقته المتميّزة مع الرئيس فلاديمير بوتين والمجموعة المحيطة به. هناك قبل كلّ شيء فهم أميركي لإيران وما تمثله، وماذا يعني نشر تجربة “الحرس الثوري” في كلّ أنحاء المنطقة، خصوصا في العراق وسوريا ولبنان. ما يلخص الجديد كلام لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي قال، أخيرا، في تفسير التوقف عن السماح لدول معيّنة بينها الصين والهند وتركيا واليابان باستيراد النفط الإيراني “هدفنا يبقى بسيطا. هدفنا حرمان نظام خارج عن القانون من الأموال التي استخدمها في زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط”. شدّد بومبيو على رغبة الولايات المتحدة في منع إيران من تصدير قطرة نفط واحدة.

هل تعتمد “الجمهورية الإسلامية” على أساليب قديمة في مواجهة وضع جديد اسمه أميركا دونالد ترامب؟ إلى الآن، يبدو أنّ إيران في حال ضياع بعدما وجدت في مقابلها إدارة أميركية تعرف تماما ما هو النظام القائم في طهران وما طبيعة هذا النظام. أمام إيران فرصة تاريخية لتراجع سياساتها وتعترف بأن الثورة التي قامت قبل أربعين عاما ليست سوى ثورة فاشلة. لم تحقق هذه الثورة شيئا للإيرانيين. كلّ ما فعلته هو نشر البؤس في كلّ مكان حاولت فيه أن تكون موجودة عن طريق إثارة الغرائز المذهبية وإقامة ميليشيات تقضي على مؤسسات هذه الدولة العربية أو تلك.

هناك أمثلة كثيرة على الكوارث التي تسببت بها إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن. لا خيار أمام النظام الإيراني سوى الاعتراف بأن عليه تغيير سياسته. لم تعد هذه السياسة القائمة على الهروب إلى خارج الحدود تجدي. السياسة المجدية تتمثل في الاهتمام بالإيرانيين الذين يعانون من كلّ أنواع المصائب بما في ذلك الجوع والفقر.

لا يجدي إيران في شيء تغيير قائد “الحرس الثوري”. ما يجدي هو امتلاك ما يكفي من الجرأة للعودة عن الخطأ القائم على الاعتقاد بأن في الإمكان اللعب على التهديدات الأميركية. هناك باختصار شديد أميركا أخرى. هل تريد إيران التعاطي مع الواقع الذي اسمه قوّة الدولار الأميركي… أم مع وهم اسمه شعارات “الجمهورية الإسلامية”، وهي شعارات مكّنت إسرائيل من ضم القدس بدل تحريرها من جانب العرب والفلسطينيين. جعلت شعارات “الجمهورية الإسلامية” طريق القدس تمرّ بكل مدينة عربية بهدف تدميرها أو جعلها مدينة بائسة… من البصرة، إلى بغداد، إلى الموصل، إلى دمشق وحمص وحماة وحلب، إلى بيروت وصنعاء!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر أميركا تغيّرت… إيران لم تتغيّر



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 04:36 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

انهيار امرأة إندونيسية أثناء تطبيق حُكم الجلد عليها بالعصا

GMT 11:45 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

تمويل "صندوق الكوارث" يثير غضب أصحاب المركبات في المملكة

GMT 15:37 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

الكرة الطائرة بطولة الأكابر الكلاسيكو يستقطب الاهتمام

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 09:21 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الوداد يعترض تقنيا على إشراك مالانغو

GMT 22:02 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على مجوهرات المرأة الرومانسية والقوية لخريف 2019

GMT 08:43 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة إعداد فتة الحمص اللذيذة بأسلوب سهل

GMT 03:11 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

6 علامات رئيسية يرتبط وجودها بفقر الدم الخبيث

GMT 01:10 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالة مُثيرة لـ "سكارليت جوهانسون" بفستان أحمر

GMT 19:50 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

الكاس يجدد عقده مع نهضة بركان لموسمين

GMT 20:28 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

توقيف قطار من أجل مواطنة روسية في محطة فاس

GMT 15:33 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

احتجاجات في المغرب بارتداء السترات الصفراء على غرار فرنسا

GMT 07:21 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أبرز وجهات شهر العسل في كانون الأول

GMT 17:17 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل محاكمة راقي بركان إلى غاية كانون الثاني المقبل

GMT 09:08 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على Amilla"" أفضل منتجع في جزر المالديف الخلابة

GMT 02:41 2018 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

استخدمي مكياج خريفي سريع في ثلاثة خطوات

GMT 22:19 2018 السبت ,29 أيلول / سبتمبر

"شاومي" تكشف عن هاتفها "Redmi Note 6 Pro"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya