أميركا وإيران والتحول السوري

أميركا وإيران والتحول السوري

المغرب اليوم -

أميركا وإيران والتحول السوري

بقلم - خيرالله خيرالله

هل انتقلت أميركا من مرحلة النظري إلى مرحلة العملي؟ يمكن افتراض ذلك بعدما تأكد أنها قررت أن يكون لها وجود عسكري في سوريا وأن تتصرف من منطلق أنها من أصحاب المصلحة في محاربة الوجود الإيراني في سوريا.

هناك ما يمكن وصفه بإعادة تقويم للسياسة الأميركية تجاه ما يدور في سوريا وفي المنطقة عموما. كان أفضل تعبير عن بداية إعادة التقويم هذه خطاب الرئيس دونالد ترامب عن إيران وخطرها، من وجهة نظره، على المنطقة والعالم ومدى ارتباط نظامها بالإرهاب، في تشرين الأول – أكتوبر الماضي. إلى الآن، لم يظهر سوى بداية تحول أميركي لجهة التعاطي مع الملفين الإيراني والسوري المرتبطين عضويا ببعضهما البعض. كان ما تضمنه الخطاب الرئاسي تشريحا دقيقا للنظام الإيراني وسلوكه وما قام به منذ قيامه في العام 1979، بدءا باحتجاز دبلوماسيي السفارة الأميركية في طهران طوال 444 يوما، وصولا إلى البلورة العملية لمشروع توسعي على الصعيد الإقليمي. يجسّد هذا المشروع إنشاء ميليشيات مذهبية تعمل في العراق وسوريا ولبنان.

بين احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين في طهران وبلورة المشروع التوسّعي بشكله الحالي، كان تفجير السفارة الأميركية في بيروت ومقر المارينز قرب مطار العاصمة اللبنانية في العام 1983.

بعد ثلاثة أشهر على خطاب ترامب، جاءت المحاضرة التي ألقاها وزير الخارجية الأميركي ركس تيلرسون قبل أيام في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا. خلاصة المحاضرة أن الولايات المتحدة، قررت أن يكون لها وجود عسكري ودبلوماسي في الشمال السوري. ستتصدى أميركا للوجود الإيراني في سوريا بصفة كونه وجودا “شريرا”. أكد تيلرسون أيضا أن لا مستقبل لسوريا في ظل وجود بشّار الأسد في السلطة، حتّى لو كان هذا الوجود، من وجهة نظر الذين يعرفون في الشأن السوري، مجرّد وجود شكلي لا أكثر.

يغطي هذا الوجود لرئيس النظام السوري في دمشق الاحتلالات الأميركية والروسية والإيرانية والتركية لأراض سورية، كما أنه أكثر من ملائم لإسرائيل التي باتت تعتبر قضية الجولان المحتلّ قضية منسية.

هل انتقلت الولايات المتحدة، بعد سنة من دخول ترامب البيت الأبيض من مرحلة النظري إلى مرحلة العملي؟ يمكن افتراض ذلك بعدما تأكد أن أميركا قررت أن يكون لها وجود عسكري في سوريا، وأن تتصرف من منطلق أنها من أصحاب المصلحة في محاربة الوجود الإيراني في هذا البلد العربي.

في تشرين الأول – أكتوبر 2004 تحدث الملك عبدالله الثاني إلى صحيفة “واشنطن بوست” عن “الهلال الشيعي”. كان العاهل الأردني أول من دقّ ناقوس الخطر على الصعيدين العربي والعالمي. كثيرون لم يفهموا وقتذاك معنى سقوط العراق في يد إيران. بدل الدخول في بحث جدي لإبعاد دخول الميليشيات التابعة للأحزاب المذهبية العراقية إلى بغداد على دبابة أميركية، دار نقاش محوره الكلام المذهبي للعاهل الأردني، الذي لم يقصد من خلاله أي إساءة إلى أي شيعي، خصوصا أن الهاشميين من أهل البيت ولم يفرّقوا يوما بين أبناء المذاهب الإسلامية، خصوصا عندما كان في العراق ملك من أسرة عبدالله الثاني. قصد العاهل الأردني، وقتذاك، شرح معنى أن إيران صارت في العراق، وذلك من منطلق سياسي قبل أي شيء آخر. تبيّن مع مرور السنوات كم أنّ عبدالله الثاني كان مصيبا عندما استكملت إيران وضع يدها على العراق وحولت بشار الأسد إلى تابع لها، وصولا إلى تحقيق اختراقات في لبنان إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج الجيش السوري منه. استطاع “حزب الله”، بكل بساطة، ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب العسكري والأمني السوري، وقرر أن يكون حاضرا داخل كل حكومة لبنانية تشكلت في مرحلة ما بعد زلزال اغتيال رفيق الحريري.


ما الذي ستفعله الولايات المتحدة بعدما بدأت الانتقال من التنظير السياسي إلى اتخاذ خطوات على الأرض؟

لعلّ التطور الأهم على الصعيد الأميركي، يكمن في الفصل بين الاتفاق الموقّع صيف العام 2015 بين إيران ومجموعة البلدان الخمسة زائدا واحدا في شأن الملف النووي الإيراني من جهة، وسلوك إيران في الإقليم من جهة أخرى. ليست الإدارة الأميركية في وارد التنصل من الاتفاق الذي تعتبره أوروبا، ومعها روسيا، إنجازا. الوارد أميركيا، التصدي لإيران في كل المجالات، بدءا بمشروعها التوسعي وصولا إلى الصواريخ الباليستية التي لم تكتف بتطويرها بالتعاون مع كوريا الشمالية. ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير، أي إلى تزويد الحوثيين بها كي تستخدم من اليمن في قصف أراض سعودية.

لم يُخفْ البرنامج النووي الإيراني دول المنطقة يوما. استخدمته إسرائيل فقط لأغراض خاصة بها. كذلك، استخدمه باراك أوباما لتبرير انحيازه إلى إيران التي كان معجبا بها، هو وعدد كبير من كبار مساعديه. على رأس هؤلاء كانت فاليري جاريت المحامية السوداء المولودة في إيران والتي كانت من أقرب الأشخاص له ولزوجته ميشيل، إذ أنها كانت وراء حصول التعارف بينهما.

سيظهر قريبا إلى أي مدى ستنتقل إدارة ترامب من الكلام إلى الأفعال وكيف ستكون ترجمة ذلك على أرض الواقع. الثابت، إلى الآن، أن التغيير حصل. أوّل من فهم أن هذا التغيير حصل هو الجانب الروسي الذي بدأ يدرك أنه لا يتحكم بسوريا. كانت الإشارة الأولى التي تلقاها في هذا المجال ما تعرضت له قاعدة حميميم أواخر العام الماضي وبداية هذه السنة. فجأة تكشفت هشاشة الدفاعات عن القاعدة ومدى القدرة على توجيه ضربات إليها، خصوصا بواسطة طائرات من دون طيّار موجهة من بعد.

ليست البطولات التي يقوم بها بشار الأسد في هذه المرحلة، بما في ذلك الهجمات المتتالية ذات الطابع الوحشي على الغوطة الشرقية، والكلام الذي قد يكون صحيحا، عن استعادة ميليشياته المدعومة إيرانيا على الأرض وروسيا جوّا مطار أبوالظهور في ريف ادلب، سوى بطولات وهمية. لن تقدّم هذه البطولات ولن تؤخر. ما يمكن أن يقدم أو يؤخّر أمران. أولهما مدى جدّية الولايات المتحدة في تغيير سياستها السورية واقتناعها بأن لا مكان لإيران في سوريا. الأمر الآخر الوضع الداخلي في إيران حيث شعب سئم من نظام دخل مرحلة الترهل وبات عليه أن يظهر روحه العدائية يوميا أكثر فأكثر لإظهار أنّه لا يزال قويّا. ليست الشعارات التي رفعت أو الهتافات التي أطلقت ضد “الدكتاتور” والموجّهة إلى “المرشد” علي خامنئي سوى بداية ثورة جديدة في إيران. هناك تعب سياسي من النظام الديني الذي جاء به آية الله الخميني الذي وعد بالكثير ولم ينفّذ شيئا مما وعد به. هناك ردّ اعتبار على الصعيد الشعبي الإيراني للشاه وأفراد عائلته الذين كانوا يمثلون الوجه الحضاري لإيران. ظهر ذلك بوضوح من خلال التحركات الشعبية في ما يزيد على ستين مدينة وبلدة إيرانية. هذه التحركات هدأت، لكن النار لا تزال تحت الرماد في بلد يعاني مواطنوه من كلّ أنواع الحرمان، بما في ذلك انقطاع المياه في مدينة مثل أصفهان.

بين الوجود العسكري الأميركي على الأرض وإعادة روسيا لحساباتها والترهل الإيراني والطموحات التركية إلى إقامة منطقة عازلة على جزء من الحدود بين البلدين، تبدو الحرب في سوريا دخلت مرحلة جديدة لن يكون فيها مكان لا لبشّار الأسد ولا لأفراد عائلته. الرجل أدى ما كان مطلوبا منه. كان مطلوبا منه تفتيت سوريا فنفذ المطلوب لا أكثر، عن قصد أو عن غير قصد، لا فارق.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا وإيران والتحول السوري أميركا وإيران والتحول السوري



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya