الجهل والجهالة والجاهلية… أعداء لبنان

الجهل والجهالة والجاهلية… أعداء لبنان

المغرب اليوم -

الجهل والجهالة والجاهلية… أعداء لبنان

بقلم - خير الله خير الله

لم يعد سرا أن لبنان يمر حاليا بمرحلة صعبة. ما يزيد في صعوبة المرحلة أن هناك من هو مصر على تدمير الإنسان قبل أي شيء آخر عن طريق تعميم الجهل.

الحملة على سعد الحريري وعلى نجله الأكبر لم تكن بريئة
جعل حسام سعدالدين الحريري جدّه فخورا به. لا شيء يدوم مثل العلم والاستثمار في العلم، أي في تطوير ثروة اسمها الإنسان. هذا ما قام به رفيق الحريري الذي أصرّ على تعليم آلاف اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق في أرقى جامعات العالم على حسابه الخاص. كان هذا الإصرار على العلم والتعليم من بين الأسباب التي حولته هدفا للمنادين بسيادة ثقافة الموت في طهران ودمشق.

هذه ليست اتهامات عشوائية للنظامين الإيراني والسوري بمقدار ما إنّها صادرة عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. كشف الادعاء في مطالعته ما يزيد على ثلاثة آلاف دليل تدين أولئك الذين نفذوا جريمة اغتيال رفيق الحريري.

لم تكن تلك الجريمة موجّهة إلى شخص، بمقدار ما أنّها كانت تستهدف اغتيال لبنان أيضا. قد تكون الجريمة الأولى لرفيق الحريري أنّه علّم آلاف اللبنانيين وأعاد الحياة إلى بيروت وأعاد وضع لبنان على خريطة الشرق الأوسط والعالم. كان يدرك أن مستقبل لبنان مرتبط بتطوير الإنسان وليس في تحويله إلى مجرّد عنصر في إحدى الميليشيات.

تكمن المشكلة في أنّ لبنانيين كثيرين لا يريدون أن يتعلّموا. لذلك كان سهلا على هؤلاء عدم استيعاب معنى أن يتخرّج شاب لبناني عربي من كلية ساندهيرست العسكرية البريطانية التي تأسست في العام 1801. إنّها كلية عسكرية تخرج رجالا يتطلّعون إلى مستقبل أفضل وليس فقط ضباطا عسكريين بريطانيين. لذلك مرّ فيها الملك حسين وابنه الملك عبدالله الثاني وحفيده الأمير حسين بن عبدالله وليّ العهد الأردني حاليا. لذلك، أيضا، مرّ في الكلّية السلطان قابوس، سلطان عُمان وعدد كبير من كبار المسؤولين في دول الخليج العربي.

ليس ما يدعو إلى سرد جميع أسماء الذين تخرّجوا من تلك الكلية. هناك عدد من أبناء الشيخ زايد، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، رحمه الله. هناك عدد لا بأس به من الشخصيات البحرينية والقطرية، بمن في ذلك، الشيخ حمد بن خليفة الأمير السابق لقطر. بين السعوديين، هناك الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز الذي يستطيع أن يفتخر بأنّه أعاد الحياة إلى صحيفة “الحياة” اللبنانية عندما أعاد إطلاقها من لندن في العام 1988.

قائمة خريجي ساندهيرست من القادة العرب طويلة وهي تعطي فكرة عن أهمّيتها على صعيد إعداد الشاب كي يتمكن من مواجهة أقصى الظروف الطبيعية صعوبة، بما في ذلك النوم في العراء داخل كيس مخصص للنوم في ظلّ حرارة تبلغ نحو العشرين تحت الصفر. هذا لا يعني أن الشاب الذي يدخل الكلّية لمدة أربعة وأربعين أسبوعا يتعلّم كيفية التكيّف مع ظروف الطبيعة القاسية فقط. هناك أيضا دروس في العلاقات الدولية تعد هذا الشاب للالتحاق بأرقى الجامعات العالمية لمتابعة دراسته العليا.

باختصار شديد، لا يعني الالتحاق بساندهيرست الالتحاق بالجيش البريطاني. إنّها كلّية فريدة من نوعها تعدّ من يلتحق بها كي يكون مستعدا ومؤهّلا جسديا ونفسيا وعقليا، في الوقت نفسه، لدخول الجامعات الكبرى من بابها الواسع.

تعطي بعض ردود الفعل على تخرّج حسام سعد الحريري من ساندهيرست فكرة عن مدى الجهل الذي يسود قسما من المجتمع اللبناني. إنها تعطي بكل بساطة فكرة عن تخلّف لبنان بعدما كان أحد أرقى دول المنطقة، بل أحد أرقى دول حوض البحر المتوسط. أين كانت اليونان وقبرص وتركيا عندما كان لبنان ينظّم دورة الألعاب المتوسطية في عهد كميل شمعون، وعندما كانت هناك مهرجانات في مستوى مهرجان بعلبك؟

الأكيد أن ليس ما يدعو إلى سرد ما كان عليه لبنان في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي عندما كان مطار بيروت من بين أهم خمسة مطارات في العالم. الأكيد أن ليس ما يدعو إلى تعداد ما تحقّق في عهد فؤاد شهاب من بناء مؤسسات لدولة لبنانية حديثة وتنظيم مدني…

كلية عريقة
كلية عريقة
لم تكن الحملة على سعد الحريري وعلى نجله الأكبر بريئة. كانت تعبيرا على مدى الحقد على لبنان وعلى ما بناه رفيق الحريري انطلاقا من إعادة الحياة إلى بيروت. هذا كلّ ما في الأمر. مطلوب ابتعاد لبنان عن العلم وعن العالم المتحضّر. لا دليل أوضح على ذلك من الحال التي بلغتها الجامعة اللبنانية التي يُفترض أن تكون وجها من الأوجه الحضارية للبنان. تحوّلت الجامعة اللبنانية إلى مزرعة لحزب مذهبي يريد أن يفرض ثقافته على اللبنانيين الآخرين، بدل أن تكون هذه الجامعة الوطنية رمزا للعيش المشترك ولثقافة الحياة والانفتاح على كلّ ما هو حضاري في هذا العالم.

ثقافة الحياة هي التي جعلت للبنان دورا رائدا في المنطقة في كلّ المجالات. كم عدد القادة والمسؤولين العرب الذين تخرجوا من الجامعة الأميركية في بيروت التي تأسست في العام 1866؟

هل هناك من يريد أن يتذكّر الدور الذي لعبه رفيق الحريري في حماية تلك الجامعة، وجامعات أخرى، وفي المحافظة على من يستطيع المحافظة عليه من أطباء مستشفاها في ثمانينات القرن الماضي عندما كان طموح كلّ طبيب لبناني الهجرة من لبنان… إلى الولايات المتحدة وأوروبا أو إلى إحدى دول الخليج العربي تحديدا.

لم يهاجر أي طبيب لبناني له شأنه إلى طهران.

تنمّ ردود فعل بعضهم على تخرّج حسام سعد الحريري من ساندهيرست، ثم مجيئه إلى بيروت لزيارة قبر جدّه عن جهل وجهالة وجاهلية لا مثيل لها في العالم. هناك بكل بساطة من يريد أن يدفع بلبنان إلى السقوط في لعبة الشعارات الفارغة. إذا كان لبنان لا يزال صامدا إلى اليوم، فهذا عائد قبل أيّ شيء إلى أن الإنسان اللبناني ما زال يقاوم.

إنّه يقاوم بفضل ما بقي لديه من رواسب علم تلقاه في مدارس وجامعات راقية، وبفضل مؤسسات صنعتها العهود الثلاثة الأولى بعد الاستقلال. عهد بشارة الخوري- رياض الصلح، عهد كميل شمعون، عهد فؤاد شهاب. إنّه يقاوم بعدما أعاد رفيق الحريري الأمل إلى اللبنانيين، وأعاد قسما كبيرا منهم إلى لبنان قبل أن يأتي من يغلق وسط بيروت لمدة تزيد على سنة في 2007 و2008.

بدل العيش في أحلام النفط والغاز المكتشفين قبالة الشاطئ اللبناني، من المفيد العودة إلى الواقع. الواقع يقول أن لا ثروة أهمّ من الثروة الإنسانية، وأن الجهل والجهالة والجاهلية تمثّل العدوّ الأوّل للبنان.

لم يعد سرّا أن لبنان يمرّ حاليا بمرحلة صعبة. ما يزيد في صعوبة المرحلة أن هناك من هو مصرّ على تدمير الإنسان قبل أيّ شيء آخر عن طريق تعميم الجهل. فالجهل يظلّ الطريق الأقصر لأخذ الشباب إلى الميليشيات المذهبية ليكونوا في خدمة مشروع لا علاقة له من قريب أو بعيد بلبنان…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجهل والجهالة والجاهلية… أعداء لبنان الجهل والجهالة والجاهلية… أعداء لبنان



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya