الهجمة الإيرانية على لبنان

الهجمة الإيرانية على لبنان

المغرب اليوم -

الهجمة الإيرانية على لبنان

بقلم : خيرالله خيرالله

ملفتة، في هذه الأيام، الهجمة الإيرانية على لبنان. رافق الهجمة تهافت للنظام السوري على بلد خرج قبل سنوات عدة من تحت وصاية دمشق. هل هو حنين إلى تلك الأيّام التي لا يمكن أن تعود يوما؟

تعكس الهجمة الإيرانية رغبة في البحث عن انتصار ما بمجرد أن العماد ميشال عون صار رئيسا للجمهورية. كانت هناك، حتّى، رغبة إيرانية في حضور وزير الخارجية محمّد جواد ظريف جلسة انتخاب عون رئيسا.

لكنّ جهات لبنانية استطاعت تفادي ذلك، مستخدمة اللباقة. اكتفى ظريف بالمجيء إلى بيروت لاحقا للتهنئة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعدما بقي الموقع شاغرا سنتين ونصف سنة بسبب ضغوط إيرانية ولا شيء آخر. هل على لبنان أن يفرح بإفراج إيران عن الرئاسة أخيرا؟

كان يمكن لزيارة ظريف أن تثير الارتياح لو ترافقت مع تغيير في نظرة إيران إلى لبنان بصفة كونه دولة عربية سيّدة مستقلة تقف على مسافة واحدة من كلّ دول المنطقة، لكنه دولة عربية أوّلا.

لبنان لديه مصالح مع العرب قبل أيّ شيء آخر، خصوصا مع دول الخليج. من يعمل على ضرب هذه المصالح، يخدم عملية نشر الفقر والبؤس في لبنان من أجل تسهيل عملية وضع اليد عليه بعد تهجير أكبر عدد من مواطنيه، خصوصا المسيحيين.

لذلك، يمكن القول إنّه حسنا فعل الرئيس المنتخب عندما ذكّر في خطاب القسم أن لبنان ملتزم ميثاق جامعة الدول العربية والقوانين الدولية، أي أنّه ملتزم في طبيعة الحال بالمحكمة الدولية التي تنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. هذه المحكمة، هي في نهاية المطاف، نتاج قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

بكلام أوضح، لا معنى لأي زيارة يقوم بها مسؤول إيراني من أيّ مستوى كان للبنان من دون إعادة نظر إيرانية في سياسة لم تجلب سوى الويلات على البلد الذي عانى طويلا من السلاح الفلسطيني وسلاح الميليشيات متنوعة المشارب والذي لا يزال يعاني من السلاح الإيراني، أي سلاح “حزب الله”.

هذا الواقع يقود إلى التساؤل هل في استطاعة إيران أن تكون دولة طبيعية وأن تنطلق من الإفراج عن الانتخابات الرئاسية اللبنانية كي تعيد النظر في تعاطيها مع البلد ونظرتها إليه؟
لدى طرح الموضوع المرتبط بعلاقة لبنان بإيران، فإنّ الميل الطبيعي هو إلى التشاؤم. يعود الميل إلى التشاؤم إلى طبيعة النظام الإيراني القائمة على تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج أوّلا ثمّ إلى اعتقاده أنّ إيران قوة عظمى تستطيع لعب دور مهيمن في المنطقة. يدلّ على ذلك التورط الإيراني في كلّ ما من شأنه إثارة الغرائز المذهبية في كلّ دولة عربية من دول الخليج، إضافة إلى دول المشرق العربي.

ماذا فعلت إيران وما زالت تفعل في البحرين؟ ماذا فعلت في الكويت؟ ماذا تفعل في اليمن؟ ماذا تفعل في العراق؟ ماذا تفعل في سوريا؟ ماذا تفعل في لبنان؟ من تشجّع وتدعم في فلسطين؟
إذا أخذنا كلّ بلد من هذه البلدان وحده، نجد أن التدخل الإيراني يلعب دوره في تأجيج الصراعات المذهبية والطائفية وخلق بؤر للتوتر في حين أنّه كان في استطاعة إيران منذ العام 1979، تاريخ نجاح الثورة على الشاه، التصرف بشكل مختلف يساعد في تكريس الاستقرار في المنطقة كلّها ونشر الازدهار فيها.

مؤسف أن شيئا من ذلك لم يحدث. على العكس من ذلك، استثمرت إيران في كلّ ما من شأنه تخويف جيرانها وحتّى الدول البعيدة عنها مثل لبنان. لا يحتاج لبنان إلى دعم من دولة يفتخر المسؤولون فيها بأنّهم صاروا يسيطرون على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

ما هذه السيطرة التي لم تؤد سوى إلى خراب بغداد ودمشق بعد تغيير طبيعة المدينتين وإلى حصار صنعاء وجعل بيروت تعاني يوميا من توقف أيّ مشروع إنمائي فيها منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط ـ فبراير 2005.

لم يعد سرّا من اغتال رفيق الحريري ومن نفّذ الاغتيالات الأخرى بهدف إخضاع لبنان ونقله من الوصاية السورية-الإيرانية إلى الوصاية الإيرانية.

كان يمكن لزيارة ظريف لبيروت توفير فرصة كي تثبت إيران أنّ لديها ما تقدّمه للبنان باستثناء المتاجرة به من أجل عقد صفقات مع “الشيطان الأكبر” ولاحقا مع “الشيطان الأصغر” الإسرائيلي.

ليس سرّا أن ورقة رئاسة الجمهورية من الأوراق التي استخدمتها إيران طوال سنتين ونصف سنة من أجل القول إنّها قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها في أيّ بلد من بلدان المنطقة، خصوصا في لبنان. أكثر من ذلك، أرادت القول إنّ لبنان ليس سوى محميّة إيرانية وإنّها قادرة على التفاوض مع الولايات المتحدة في شأنه.

حسنا، أفرجت إيران عن رئاسة الجمهورية لأسباب تعود إلى تطور العلاقة بينها وبين “الشيطان الأكبر”. يبدو “الشيطان الأكبر” مستعدا للسماح لإيران بممارسة كلّ نشاطاتها العدوانية في المنطقة حماية للاتفاق النووي الذي يعتبره باراك أوباما الإنجاز الوحيد لإدارته في مجال السياسة الخارجية.

هل تتغيّر الأمور في عهد دونالد ترامب الذي لا يؤمن بالاتفاق النووي مع إيران ويعتبره “سيّئا”؟

جاء ظريف إلى بيروت مستقويا بأن الميليشيات الإيرانية في حلب ومحيطها تتحرّك بغطاء جوي روسي، فيما تتحرّك الميليشيات التابعة لإيران في العراق، المسمّاة “الحشد الشعبي” بغطاء جوّي أميركي.

خلاصة الأمر أن إيران دخلت في شهر عسل مع “الشيطان الأكبر” وهي تستقوي به حاليا. يمكن أن تتغيّر الأمور بعد خروج باراك أوباما من البيت الأبيض في غضون شهرين.

لكنّ ما لا بدّ من الاعتراف به أن ظريف جاء إلى لبنان من موقع قوّة عائد أساسا إلى الرغبة الأميركية في عدم إزعاج إيران. هل يكمل معروفه مع لبنان الذي كان دائما صديقا للولايات المتحدة والسياسة الغربية فيفرج عنه مثلما أفرج عن الرئاسة؟

مثل هذا التطور على صعيد العلاقة مع لبنان، حيث إصرار شديد من رئيس الجمهورية ومن رئيس الوزراء المكلّف على العلاقات مع الدول العربية الأخرى، خصوصا تلك التي يتشكل منها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، سيساهم إلى حدّ كبير في تحسين صورة إيران لدى اللبنانيين عموما.

بكلام أوضح، إن مثل هذا الإفراج الإيراني عن لبنان الذي يمكن أن يبدأ بسحب مقاتلي “حزب الله” من الأراضي السورية ووقف الحزب تهديده للعرب الذين يزورون لبنان، سيشكل أفضل هدية للعهد الجديد.

سيظهر ذلك قبل كلّ شيء أن إيران لا تستخدم علاقتها الطيّبة مع الولايات المتحدة والتي توجت بالغطاء الجوي الأميركي لـ”الحشد الشعبي” في معركة الموصل، للتدمير فقط.

على العكس من ذلك، إن الإفراج عن لبنان، في انتظار اليوم الذي لا يعود فيه سلاح غير شرعي على أراضيه، أكان لـ”حزب الله” أو غير “حزب الله” من منظمات فلسطينية تابعة للأجهزة السورية، سيصبّ في نهاية المطاف في مصلحة إيران وفي مصلحة انصرافها إلى الاهتمام بالإيرانيين ورفاههم. سيكون ذلك دليلا على أنّها دولة طبيعية تقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين وليست طرفا في كلّ النزاعات الإقليمية من دون استثناء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهجمة الإيرانية على لبنان الهجمة الإيرانية على لبنان



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:41 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حافلات مجانية لنقل جماهير الطاس في مباراته الدفاع الجديدي

GMT 05:42 2018 السبت ,17 شباط / فبراير

عطور الورود تكمل أناقتك في 2018 بإطلالة شبابية

GMT 15:35 2013 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

أفكار رائعة لتصميمات الحدائق فوق أسطح المنازل

GMT 14:35 2017 السبت ,25 شباط / فبراير

الطبيعة تسيطر على "جورج حبيقة" لصيف 2017

GMT 01:57 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيفانكا ترامب تحضر أول لقاء مع رئيس الوزراء الياباني
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya