سنة تفرج العالم على المأساة السورية…

سنة تفرج العالم على المأساة السورية…

المغرب اليوم -

سنة تفرج العالم على المأساة السورية…

بقلم : خيرالله خيرالله

مع نهاية سنة 2016، مرّ ربع قرن عن نهاية الاتحاد السوفياتي بشكل رسمي من دون أن يكون هناك من يريد أن يتعلّم من مغزى سقوط الدولة العظمى تلك وأبعاد ذلك.

على العكس من ذلك، هناك في طهران وموسكو من يريد تكرار تلك التجربة الفاشلة ولكن على حساب المنطقة العربية هذه المرّة. يحصل ذلك في ظلّ قرار أميركي اتخذه باراك أوباما يقوم على تفسير خاص به لما هو الإرهاب ولمن يمارس الإرهاب.

الإرهاب هو الإرهاب السنّي بالنسبة إلى أوباما. كلّ ما عدا ذلك حرب على الإرهاب، بما في ذلك الحرب التي تشنّها ميليشيات تابعة لإيران في سوريا والعراق ولبنان على السوريين والعراقيين واللبنانيين.

لم يجد الرئيس الأميركي، الذي سيخرج قريبا من البيت الأبيض، وقتا للتحقّق مما تقوم به ميليشيات “الحشد الشعبي” في العراق. لم يكن لديه أيضا وقت للتمحيص في ما تقوم به الميليشيات المذهبية التابعة لإيران في سوريا…

لم تكن 2016 سنة تفرّج العالم على المأساة السورية التي أكدت حجم الأطماع الإيرانية في بلاد العرب والتواطؤ الإسرائيلي مع عملية تدمير المدن العربية بشكل ممنهج فحسب، بل كشفت أيضا كم لعب باراك أوباما دورا في تغيّر طبيعة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في العمق. نقل أوباما أميركا من مكان إلى آخر، بعدما اعتبر أن الإنجاز الوحيد الذي يستطيع تحقيقه هو الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني!

كشفت الحملة على حلب الكثير. كشفت حقيقة ما يدور في العالم. كشفت قبل كلّ شيء كم أنّ الولايات المتحدة صارت في عالم آخر. كشفت مدى الوحشية الروسية والقدرة على استغلال الغياب الأميركي والأوروبي لإقامة منطقة نفوذ في سوريا.

كشفت خصوصا القدرة الإيرانية على استخدام الميليشيات المذهبية اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية في حروب تصبّ في خدمة مشروع توسّعي يستهدف الهيمنة على المنطقة، بدءا بالعراق وصولا إلى لبنان، مرورا بسوريا طبعا… مع تركيز خاص على اليمن.

هناك تركيز إيراني على اليمن بصفة كونه خاصرة الخليج العربي ومكانا يمكن استخدامه لإلهاء دول الخليج عن عملية استهداف البحرين والعراق وسوريا ولبنان في طبيعة الحال.

لعلّ الدرس الأوّل الذي يمكن استخلاصه من أحداث 2016 هو أنّ العالم كلّه مقبل على تغييرات كبيرة. من كان يصدّق أن المملكة المتحدة، ستخرج من الاتحاد الأوروبي؟ من كان يصدّق أن دونالد ترامب سيكون رئيسا للولايات المتحدة، آخذا القوّة العظمى الوحيدة في العالم، ومعها العالم كلّه، في رحلة إلى المجهول؟

كانت 2016 سنة المفاجآت بامتياز؛ كان خروج المملكة المتحدة، أي بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية من الاتحاد الأوروبي مؤشرا إلى أنّ أوروبا دخلت مرحلة جديدة لا علاقة لها بالماضي.

لم يعد ممكنا الكلام عن سياسة أوروبية واحدة تجاه أيّ قضية مطروحة. هناك سياسات أوروبية مختلفة في غياب القدرة، حتّى، على اتخاذ موقف موحّد من الهجرة والإرهاب وأسئلة مشروعة في شأن الحدود المفتوحة التي مكّنت إرهابيا، مثل ذلك الشاب التونسي ابن الـ24 عاما الذي اقتحم بشاحنة سوقا في برلين عشية عيد الميلاد، من أن ينتهي في ميلانو حيث قُضي عليه بالصدفة.

عبر الإرهابي الذي كان المطلوب الأوّل في أوروبا بعد التعرف إليه، حدود ثلاث دول هي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. لو لم يكن هناك شرطي يقظ استطاع إطلاق النار عليه، لكان لا يزال طليقا…

تغيّرت أوروبا وتغيّرت الولايات المتحدة وتغيّرت روسيا وتغيّرت إيران. صارت روسيا وإيران أكثر عدائية. تغيّرت تركيا. جعل الانقلاب الذي استهدف رجب طيب أردوغان من الرئيس التركي شخصا آخر. أعاد العلاقات مع روسيا وإسرائيل. دفن كلّ ملفات الماضي من أجل البقاء في السلطة. صارت كل المعطيات الإقليمية مختلفة، خصوصا بعدما اعتبرت تركيا أن الولايات المتحدة تخلّت عنها وبعدما شهرت قوى عدّة الورقة الكردية في وجهها.

لا تشبه 2016 سوى 1989، سنة انهيار جدار برلين. دخل العالم بعد 1989 مرحلة جديدة مهّدت لانهيار الاتحاد السوفياتي واستعادة دول أوروبا الشرقية حرّيتها. لم يستوعب كثيرون أبعاد تلك المرحلة.

لم يفهم صدّام حسين، في ذلك الحين، ماذا يعني هذا الحدث التاريخي. حاول اللعب في الوقت الضائع. احتل الكويت معتقدا أنّ هناك توازنا دوليا بين القوتين العظميين سيحميه، وأنّ في استطاعته لعب دور القوّة الإقليمية المهيمنة التي لا يردّ لها طلب. لم يأخذ علما بأنّ الاتحاد السوفياتي صار في خبر كان.

في السنة 2016، ثمّة من يحاول اللعب في الوقت الضائع. نجحت إيران وروسيا في سوريا حيث فشل العراق في الكويت في 1990. كان الاحتلال الروسي- الإيراني لحلب وتهجير أهلها بمثابة لعب في الوقت الضائع.

ستجيب السنة 2017 بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عن سؤال أساسي: هل تستعيد الولايات المتحدة دور القوّة العظمى الوحيدة في العالم، وتضع إيران وروسيا في مكانهما وفي حجمهما الحقيقي في وقت بات معروفا أن البلدين يعانيان من أزمة اقتصادية عميقة بسبب هبوط أسعار النفط والغاز التي أثّرت على دول كثيرة في المنطقة؟

كانت 2016 سنة الأسئلة، وتبدو 2017 سنة الأجوبة في ظلّ التغيّرات الكبيرة التي يشهدها العالم. من الصعب الرهان على أن دونالد ترامب سيعيد لأميركا أمجادها كما وعد في أثناء حملته الانتخابية.

الأكيد أن هناك ثورة تحصل في الولايات المتحدة. كان انتصار دونالد ترامب على هيلاري كلينتون أفضل تعبير عن هذه الثورة التي ليس معروفا المدى الذي ستبلغه، وهل ستنعكس على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط والخليج.

من القضايا الكبيرة، يمكن الذهاب إلى القضايا الصغيرة مثل قضيّة لبنان الذي فقد الكثير من أهمّيته في ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة، خصوصا في ضوء ما يجري في سوريا التي وقعت تحت استعمارين روسي وإيراني في ظل تنسيق في العمق بين روسيا وتركيا وروسيا وإسرائيل.

ليس أمام لبنان سوى أن يحمي نفسه. لديه رئيس للجمهورية بفضل ما قام به الرئيس سعد الحريري. لديه حكومة أيضا. هذه الحكومة ليست مثالية، بل هي أبعد ما تكون عن المثالية، خصوصا أن ليس في استطاعة أيّ لبناني، شريف فعلا، تجاهل تضحيات حركة الرابع عشر من آذار، والضحايا الذين اغتالتهم يد الشرّ التي يعرف الجميع من هي.

كان محمد شطح آخر الضحايا التي قدّمت دماءها من أجل لبنان أفضل، وكي تنتصر ثقافة الحياة… هل يمكن للنواة الصالحة في الحكومة العمل على المحافظة على ما بقي من البلد ومؤسساته في وقت ليس الشرق الأوسط وحده يتغيّر، بل العالم كلّه في مرحلة مخاض؟

هل تكون 2017 أفضل من 2016 أم مجرّد امتداد لها. وهذا ما سيكون عليه العالم على الأرجح…

المصدر : صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سنة تفرج العالم على المأساة السورية… سنة تفرج العالم على المأساة السورية…



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 22:24 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

كيكو كاسيا يُشيد بمستوى لوكا زيدان مع ريال مدريد

GMT 15:57 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

اتحاد طنجة يُفجّر أكبر مفاجأة في مرحلة إياب الدوري المغربي

GMT 02:05 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم نسرين أمين وأشرف عبد الباقي من مجلة "نص الدنيا"

GMT 15:39 2016 الأحد ,14 شباط / فبراير

محمد جونسور وزوجته يرتديان زيًا عربيًا

GMT 10:08 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

لمسات ريفية تضفي البساطة على منزل مايلي سايرس

GMT 22:30 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوم الوطن العربي يشاركون في مهرجان القاهرة السينمائي

GMT 16:10 2013 الجمعة ,11 كانون الثاني / يناير

إصنع وسادتك الخاصة جدًا في منزلك ولن تجد له مثيل

GMT 08:17 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

2206 أطنان خضار وفواكه ترد للسوق المركزي في الأردن
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya