يوم الشهيد في الإمارات بناء دولة حديثة

'يوم الشهيد' في الإمارات.. بناء دولة حديثة

المغرب اليوم -

يوم الشهيد في الإمارات بناء دولة حديثة

بقلم : خيرالله خيرالله

لا تبنى الدول الحديثة التي تحترم مواطنيها وتدافع عن كرامتهم بالتمنيات فقط. تبنى هذه الدول بالجهد الدؤوب والتضحيات أيضا وبتكريم الشهداء الذين سقطوا من أجل حماية البلد وتأمين مستقبل أفضل لأبنائه.

من هذا المنطلق، أحيت دولة الإمارات العربية المتحدة للمرّة الثانية في تاريخها الحديث “يوم الشهيد”. جاء الاحتفال بهذه الذكرى عشية اليوم “الوطني للدولة”.

احتفلت الإمارات بذكرى “يوم الشهيد” هذه السنة بطريقة خاصة تظهر مدى تعلّق هذه الدولة التي صار عمرها خمسة وأربعين عاما بأبنائها. اسم كل شهيد نقش على لوحة من لوحات عدّة صنعت من الألمنيوم ومن بقايا أسلحة استخدمها الجيش الإماراتي في المعارك التي خاضها. تمثل هذه اللوحات التي انتصبت في “واحة الكرامة” المطلة على مسجد الشيخ زايد رمزا للقوة المتراصة والتلاحم بين مواطني الإمارات والإمارات السبع.

كانت مشاهد الاحتفال الذي أقيم في “واحة الكرامة” مهيبا. بدا التأثر واضحا على وجه الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي الذي يعتبر كلّ شهيد ابنا من أبنائه. كان جليّا كم أن الشيخ محمّد يحترم هؤلاء الشباب الذين افتدوا الإمارات وكم هو مأخوذ بنبلهم.

كان في “واحة الكرامة”، إلى جانب الشيخ محمّد حكام الإمارات الأخرى التي تتألف منها تلك الدولة التي أسّسها رجل استثنائي يمتلك رؤية واضحة وطليعية ومستقبلية اسمه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله. في كلّ يوم يمرّ، يتبيّن كم أن رؤية الشيخ زايد كانت صائبة ومتقدّمة وحديثة وكم الوفاء لهذه الرؤية وفاء حقيقي من أبنائه.

كانت للقوات المسلّحة الإماراتية تجارب في مناطق عدة من العالم. شاركت في “قوات الردع العربية” التي مثلت جهدا لإعادة الحياة الطبيعية والسلم إلى لبنان بعد ما يسمّى “حرب السنتين” منتصف سبعينات القرن الماضي. كذلك كانت وحدات الجيش الإماراتي في كوسوفو. كان مطلوبا حماية هذه الدولة الناشئة من الأطماع الصربية.

أمّا في الصومال وأفغانستان، فكان الوجود الإماراتي في إطار الحرب على الإرهاب. ولا تزال القوات الإماراتية تلعب دورا في اليمن. الهدف الثابت الذي يربط بين كل ما تقوم به الإمارات هو الاستقرار والدفاع عن القضايا المحقّة وعن الأمن الإماراتي.

في أيلول ـ سبتمبر من العام الماضي، أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن استشهاد خمسة وأربعين من جنودها في محافظة مأرب اليمنية. ترافق ذلك مع استشهاد خمسة عسكريين بحرينيين أيضا في هجوم ناتج عن صاروخ استهدف مخزنا للذخائر في مأرب، المحافظة التي تعتبر في غاية الأهميّة من الناحية الاستراتيجية بالنسبة إلى مستقبل اليمن.

تقع مأرب في وسط اليمن. لا حدود لها مع المملكة العربية السعودية، لكنّها تمثّل الشريان الحيوي لصنعاء من زاوية أنّ معظم الطاقة الكهربائية التي تحصل عليها العاصمة اليمنية تأتي من مأرب حيث السدّ التاريخي الذي أعاد بناءه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من ماله الخاص.

جاء افتتاح السدّ الجديد في كانون الأوّل ـ ديسمبر من العام 1986، في وقت كان اليمن في حاجة إلى كل مساعدة من أجل التمكن من الاستمرار والبقاء كدولة قادرة على توفير الحدّ الأدنى من سبل الحياة لمواطنيها.

كان هدف الشيخ زايد توفير المياه والكهرباء لأهل مأرب والمحيطين بهم ولسكان صنعاء أيضا. كان هدفه جعل الإنسان اليمني يبقى في أرضه ويعيش من خيرها.

لم يكن لديه من هدف سوى خدمة اليمن واليمنيين وذلك لأسباب عائدة أوّلا وأخيرا إلى الوفاء لليمن ولما قدّمته أرض اليمن تاريخيا للعرب في كلّ المجالات. في النهاية، ليس هناك عربي ينكر أن أصل معظم العرب من اليمن وأن انهيار سدّ مأرب كان بداية تشتت القبائل العربية في كلّ أنحاء المنطقة، بما في ذلك شواطئ الخليج العربي.

كان انهيار سد مأرب في العام 580 (ميلادي) مؤشرا إلى تشتت القبائل العربية. كان الشيخ زايد، الوحدوي في تفكيره، رجلا بعيد النظر. قرّر إعادة بناء السدّ وإن في المكان الذي لم يكن فيه تماما، وذلك لتأكيد التعلّق بالوفاء للعروبة وما تمثّله، من زاوية حضارية أوّلا، وبفكرة المحافظة على التاريخ العربي وحمايته ثانيا وأخيرا.

جاء استشهاد هذا العدد الكبير، نسبيا، من الجنود والضباط الإماراتيين في مأرب كدليل على أن دولة الإمارات لا تزال وفية لرسالتها التاريخية ولرسالة الشيخ زايد. فالتدخل العربي في اليمن ابتداء من شهر آذار ـ مارس من العام الماضي في ظل التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، لم يستهدف في أيّ وقت سوى إنقاذ اليمن.

هناك خطر كبير على الأمن الخليجي في حال صار اليمن تحت السيطرة الإيرانية. الإمارات معنية بهذا الخطر، خصوصا أنّها تعرف تماما ما يعنيه أيّ استخفاف بالمشروع التوسّعي الإيراني القائم على استغلال الغرائز المذهبية إلى أبعد حدود. ليس سرّا أن الإمارات، التي تعاني من الاحتلال الإيراني لجزرها الثلاث منذ العام 1971، في أيام الشاه، تدرك قبل غيرها ما يمكن أن ينجم عن سيطرة إيران على اليمن عبر الحوثيين الذين يسمون أنفسهم “أنصار الله”.

في “يوم الشهيد” هذه السنة، لا بدّ من العودة إلى ما قاله الشيخ محمد بن زايد بعد استشهاد العسكريين الإماراتيين في مأرب. قال وقتذاك “إنّ تطهير اليمن من الميليشيات الانقلابية التي عاثت تخريبا وفسادا هدف لا يمكن أن نحيد عنه”، مؤكّدا أنّ “أبناء الإمارات ثابتون في المضيّ بطريق إزاحة الظلم والضيم عن إخواننا اليمنيين”.

أكد وليّ العهد في أبوظبي أن لا تراجع عن “عاصفة الحزم”، وهي عملية تستهدف تثبيت الشرعية في اليمن بدل تركه لقمة سائغة لإيران ولأدواتها المعروفة.

شكّل هذا الكلام الصادر عن الشيخ محمّد فعل إيمان بالمهمّة التي تقوم بها الإمارات التي انضمت إلى الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية في إعادة اليمن إلى اليمنيين. لا خيار آخر أمام الإمارات التي عليها قبل أيّ شيء آخر حماية أمنها وحماية مواطنيها.

تدافع الإمارات عن نفسها في اليمن. الأبطال الذين استشهدوا في مأرب وفي عدن والمكلا ومناطق يمنية أخرى، كانوا في خط الدفاع الأوّل عن بلدهم. كانوا يؤدون واجبا وطنيا ليس في خدمة بلدهم ودفاعا عنه فحسب، بل في خدمة كل أهل الخليج ودفاعا عنهم أيضا.

عندما تحيي الإمارات “يوم الشهيد”، إنّها لا تكرم أبناءها فحسب، بل تكرّم كلّ ما تمثله هذه الدولة أيضا. إنّها تكرّم في الواقع السياسة الثابتة التي تمثّلها منذ قيامها في العام 1971. تقوم هذه السياسة على بناء دولة حديثة في ظلّ مصالحة بين كل مكوّناتها وعلاقة عميقة بين من في السلطة والمواطن العادي.

تبني الإمارات نفسها خطوة خطوة. الثروة ليست كلّ شيء. هناك الإنسان الذي تبنيه تلك الأفكار التي زرعها الشيخ زايد والتي في أساسها وعي مقوّمات الدول الحديثة، بما في ذلك التسلّح بالعلم والمعرفة والابتعاد عن كلّ شكل من أشكال التطرّف والمغالاة وبذل الغالي والرخيص عندما تدعو الحاجة إلى حماية الأمن الوطني.. هكذا، بكلّ بساطة، تبنى الدول الحديثة في عالمنا هذا حيث لا مكان سوى للأقوياء والذين يعرفون ما يريدون وإلى أين يريدون الوصول.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم الشهيد في الإمارات بناء دولة حديثة يوم الشهيد في الإمارات بناء دولة حديثة



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya