محمد بن زايد في الفاتيكان… أبعد من زيارة

محمد بن زايد في الفاتيكان… أبعد من زيارة

المغرب اليوم -

محمد بن زايد في الفاتيكان… أبعد من زيارة

بقلم : خيرالله خيرالله

هناك زيارات تتجاوز المعنى التقليدي المتعارف عليه للزيارة التي يقوم بها عادة مسؤولون كبار لدول أخرى. كانت زيارة وليّ العهد في أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للفاتيكان ولقاؤه البابا فرنسيس أبعد من زيارة عادية، خصوصا أنّها تأتي في ظروف يشهد فيها العالم مزيدا من التطرّف والتعصّب والحملات على الإسلام. اشتدّت هذه الحملات بعد العمليات الإرهابية التي كانت أوروبا مسرحا لها، بما في ذلك عملية نفّذها إرهابي من أصل تونسي في مدينة نيس الفرنسية في تموزـ يوليو الماضي.

أن يأتي محمد بن زايد إلى الفاتيكان ويقول ما قاله بعد لقاء رأس الكنيسة الكاثوليكية يدلّ على أنه لا يزال هناك وجود لقادة يمارسون دورهم الطبيعي المطلوب ممارسته. هؤلاء قادة يقودون المواطنين ويظهرون لهم ما هو الطريق الصحيح المفترض السير فيه بدل الانقياد إلى الشارع والسير خلف شعارات رخيصة لا علاقة لها بالواقع.

خلاصة الأمر أنّ وليّ عهد أبو ظبي يستطيع أن يقول ما لا يقوله كثيرون غيره من زعماء المنطقة. يقول أوّلا إن هناك شيئا اسمه الاعتراف بالآخر وإن الإسلام الحقيقي هو دين تسامح وإنه لا بدّ من التعاون مع الآخر في مواجهة التعصّب الديني بكل أشكاله.

ما صدر عن محمد بن زايد كان كلاما مباشرا عن “تعزيز العلاقات مع دولة الفاتيكان والتشاور معها انطلاقا من الإيمان (إيمان دولة الإمارات العربية المتحدة) بأن العالم في حاجة الآن أكثر من أيّ وقت مضى إلى مدّ جسور الحوار والتعاون بين مختلف الثقافات والأديان للتصدي لمثيري الفتن الدينية والطائفية والعنصرية والسيطرة على نزعات التعصب الديني التي تهدّد أمن العالم واستقراره”.

من يريد التصدي للإرهاب يتصدّى له بالأفعال وليس بمجرد الكلام. جاءت زيارة محمد بن زايد للفاتيكان لتأكيد أن دولة الإمارات، التي تشارك في الحرب على الإرهاب مشاركة فعلية ودفعت من دماء أبنائها ثمنا لهذه المشاركة، إنّما تعبّر مرّة أخرى عن إيمانها بأنّ من الضروري العمل من أجل تكريس ثقافة التعايش والحوار بين الشعوب والأديان المختلفة.

تعتبر الزيارة بحدّ ذاتها تحديا للتطرف والمتطرفين والمنادين بالإرهاب، خصوصا أن البابا فرنسيس رجل معروف بانفتاحه على الثقافات والأديان الأخرى، إضافة إلى أنّه لا يترك فرصة تمرّ إلّا وينادي بضرورة الحوار الإسلامي ـ المسيحي.

وأكثر من ذلك، لم يتردد البابا في التشديد على ضرورة التمييز بين الإسلام من جهة والتطرف والعنف من جهة أخرى. حمل دائما رسالة السلام إلى مختلف أنحاء العالم رافضا التعصب والتزمت وداعيا في الوقت ذاته إلى الاهتمام بالفقراء والمظلومين بغض النظر عن دينهم أو البلد الذي ينتمون إليه.

هناك رسالة يحملها وليّ العهد في أبو ظبي هي رسالة ذات طابع حضاري وذلك دفاعا عن الإسلام والمسلمين وكلّ ما هو حضاري في هذا العالم.

لذلك، لا يرى عيبا في التقاط صورة له مع الوفد المرافق له، برفقة البابا، تحت لوحة ذات طابع ديني في قلب الفاتيكان. المهمّ مكافحة الإرهاب بكل وجوهه ونشر ثقافة مختلفة تقوم على السلام والمحبة والتسامح ونبذ العنف. المهمّ أن تكون دولة الإمارات قدوة في هذا المجال وأن تقدم نموذجا متطورا يقوم على العيش المشترك والتسامح والتعاطي مع الآخر بكل انفتاح من دون أيّ عقد من أيّ نوع.

في النهاية، ليس سرّا أن في الإمارات أربعين كنيسة. كذلك ليس سرّا أن محمد بن زايد قدّم إلى البابا فرنسيس هدايا تذكارية كان من بينها كتاب يوثّق لاكتشافات أثرية في جزيرة صير بني ياس ومنها معالم كنيسة تاريخية ودير للرهبان يعودان إلى القرنين السابع والثامن.

تفتخر الإمارات بتاريخها وتعتبره جزءا لا يتجزّأ من غناها الحضاري ومن قدرتها على أن تلعب الدور الذي تلعبه في مجال التقدم على كلّ صعيد، بما في ذلك مجال الخدمات العامة للمواطنين، من طبّ وعلم وجامعات ومتاحف وموسيقى وفنّ وكلّ ما له علاقة بالثقافة والتربية من قريب أو بعيد.

تتصرّف دولة الإمارات كدولة طبيعية استطاعت توظيف ثرواتها في خدمة المواطن والمقيم فيها. لذلك، لم يتأخر وليّ العهد في أبو ظبي في التذكير بإقرار قانون مكافحة التمييز والعنصرية الذي صدر العام الماضي في الإمارات.

يتضمّن هذا القانون مواد تضمن المساواة بين أفراد المجتمع وتجرّم التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملّة أو الطائفة أو العرق أو اللون. فضلا عن ذلك، للقانون أهمّية خاصة نظرا إلى أنه يدعو إلى مكافحة أيّ ممارسات تستهدف تكفير الآخرين والتحريض على خطاب الكراهية بكلّ أنواعه.

في عالم مليء بالتعقيدات، ثمّة تحديات تفرض نفسها بقوّة. في مقدّم هذه التحديات تثقيف المواطن العادي وتربيته على أسس سليمة كي يكون قادرا على التصدي لظاهرتي التطرّف والإرهاب. إنّه باختصار نهج القبول بالآخر واحترام الأديان الأخرى بدل ازدرائها واحتقار المؤمنين بها.

هذا تحدّ كبير نجحت فيه الإمارات نظرا إلى أنّها بنت تجربتها على مدرسة اسمها مدرسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي آمن قبل كلّ شيء بالإنسان. استطاع توحيد البلد من هذا المنطلق، أي من خلال تطوير الإنسان وربطه بكلّ ما هو حضاري في هذا العالم بعيدا عن أيّ انغلاق من أيّ نوع وفي أيّ مجال.

كان من المهمّ بالنسبة إليه أن يحافظ الإنسان على أخلاقه بعيدا عن العنف والتعصب والتطرّف. لذلك ظهرت في أقلّ من نصف قرن دولة حديثة بكلّ معنى الكلمة، دولة قادرة على التصدي للذين يرفعون الشعارات الدينية المضللة التي لا هدف منها سوى الاستحواذ على السلطة بالاعتماد على الجهل لدى المواطن العادي.

لذلك، عملت الإمارات على ألاّ يكون المواطن فيها جاهلا. هناك اهتمام خاص بالبرامج التربوية التي تبعد هذا المواطن، منذ دخوله المدرسة، عن ثقافة التطرف والعنف والتزمّت والتكفير وازدراء من ينتمي إلى دين آخر.

تشارك الإمارات في الحرب على الإرهاب في كل محيطها وتعمل في الوقت ذاته على استعادة اليمن لاستقراره. قدّمت تضحيات كبيرة من أجل اليمن. سقط لها شهداء، من خيرة شبابها، في اليمن وفي الحرب على الإرهاب. لكن المسيرة مستمرّة. ليست زيارة محمد بن زايد والوفد المرافق له للفاتيكان سوى تأكيد لاستمرار هذه المسيرة وللدور الذي تلعبه الدولة الشابة في مجال أن تكون قدوة في التصدي للمسيئين للدين الحنيف.

في النهاية، من السهل اللجوء إلى الشعارات الطنانة، التي ليست سوى شعارات فارغة لإرضاء الشارع. الصعوبة في تثقيف هذا الشارع وجعل المواطن ينتقل إلى مرحلة يتفاعل فيها مع ما يدور في العالم على كلّ صعيد وفي كلّ مجال علمي وفنّي وثقافي، ليكون إنسانا بالفعل. الأكيد أن هذا ما تمنّاه الشيخ زايد دائما وعمل من أجله. في السير على نهجه أفضل تكريم لهذا الرجل الكريم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمد بن زايد في الفاتيكان… أبعد من زيارة محمد بن زايد في الفاتيكان… أبعد من زيارة



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 11:45 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 11:31 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 14:02 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ٰ مواطن يمني يبحث عن وطن بدون حواجز

GMT 06:40 2018 السبت ,23 حزيران / يونيو

تألّق ناعومي كامبل خلال أمسيّة بعد عرض فويتون

GMT 19:23 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

شراكة مرتقبة بين الرجاء ومجموعة بنكية رائدة

GMT 20:16 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل مكرونة بالثوم والخضار

GMT 19:24 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البطل الويلزي أوليفر فار يتوج بدوري للالة عائشة للغولف

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 20:59 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

بوطازوت تنجح في إخافة مُنتحلي شخصيتها بتهديدٍ رادع
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya