ما لم يتغير بعد نصف قرن على الهزيمة

ما لم يتغير بعد نصف قرن على الهزيمة

المغرب اليوم -

ما لم يتغير بعد نصف قرن على الهزيمة

بقلم : خيرالله خيرالله

قبل نصف قرن، وقعت حرب الأيّام الستة التي يستحي العرب من تسميتها بما تستحق أن تسمّى به، أي بالهزيمة. يهرب العرب، في معظمهم من الواقع. يرفضون الاعتراف بأن حرب الخامس من حزيران ـ يونيو 1967 لم تكن سوى هزيمة كشفتهم على حقيقتهم.

بعد نصف قرن، لم يتغيّر شيء باستثناء أنّ مصر استعادت من إسرائيل أرضها المحتلة بفضل رجل استثنائي اسمه أنور السادات، فيما لا يزال الجولان السوري محتلّا والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية تحت سيطرة إسرائيل.

إسرائيل في الضفّة الغربية لأسباب لا علاقة لها بالأردن الذي كان قادرا على استعادة الأرض وإيجاد صيغة لتقاسم القدس لو أتاح العرب له ذلك ولم يذهبوا إلى قمّة الرباط في العام 1974 لاتخاذ قرار غبي ألغى حجة الأردن في استعادة أرضه بموجب القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن والذي صدر مباشرة بعد حصول الهزيمة.

دفع إلى هذا القرار العربي، القاضي باعتبار “منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين”، رجل لا يمتلك أيّ رؤية من أيّ نوع هو هوّاري بومدين، الرئيس الجزائري وقتذاك. لم يكن لدى بومدين سوى همّ واحد هو الانتقام من الملك حسين.

لم يدرك في أيّ لحظة أهميّة الأردن ودوره على الصعيد الإقليمي. لم يدرك في حينه أنّه إذا كانت القضية الفلسطينية لا تزال حيّة إلى اليوم، فإن ذلك عائد إلى وجود هويّة فلسطينية حقيقية وشعب عظيم من جهة ورجل اسمه الحسين بن طلال حفظ الأردن في العام 1970 ومنع قيام “الوطن البديل” من جهة أخرى.

دفن الأردن فكرة الوطن البديل نهائيا بفضل صموده أوّلا وأخيرا. قدّم بذلك الخدمة الأكبر التي يمكن للفلسطينيين أن يحلموا بها من أجل المحافظة على ما بقي من قضيّتهم.

أرادت مصر استعادة أرضها المحتلة في 1967 فتمكّنت من ذلك. لم يسمح للأردن بأيّ تحرّك على الصعيد الدبلوماسي من أجل استعادة الأرض. وضعت كل العراقيل في وجهه بعدما جرّ إلى حرب لم يكن يرغب بها جرّا. كان هدف المسلّحين الفلسطينيين، أي ما كان يعرف بـ”الفدائيين” قلب الملك حسين والقضاء على المملكة الأردنية الهاشمية التي لا تزال دماء أبناء جيشها، وهو “الجيش العربي”، على أسوار القدس إلى اليوم.

كان لبنان البلد الوحيد الذي عرف حجمه في العام 1967. لم يدخل الحرب على الرغم من كلّ الضغوط التي مورست على الرئيس شارل حلو وقتذاك. كان الرئيس اللبناني رئيسا ضعيفا، لكنّه كان حكيما إلى حدّ كبير وعلى دراية بما يدور في المنطقة وموازين القوى فيها.

حرم إسرائيل في 1967 من احتلال الأرض اللبنانية في وقت لم يستطع الأردن تفادي دخول حرب، كان الملك حسين يعرف سلفا نتائجها. ولكن ما العمل عندما كان العرش الهاشمي مهدّدا بسبب رجل اسمه جمال عبدالناصر يتحمّل مسؤولية السقوط في فخّ جرّه إليه نظام البعث في سوريا حيث كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع.. والرجل القويّ، العلوي الآخر، صلاح جديد!

ماذا تغيّر وماذا لم يتغيّر في نصف قرن؟ تغيّر الكثير، بما في ذلك أن القضية الفلسطينية لم تعد القضية الأولى لدى العرب. من يقول غير ذلك إنّما يكذب على الفلسطينيين الذين لم يفوّتوا أيّ فرصة لتفويت الفرص التي أتيحت لهم.

هذا عائد إلى أنّ وهم السيطرة على لبنان أعمى في سبعينات القرن الماضي وبداية الثمانينات منه القيادات الفلسطينية. جعل هذا الوهم ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، عاجزا عن استيعاب أن وجوده في لبنان كان يعني أنّه في أسر حافظ الأسد الذي يؤمن بحال اللاّحرب واللاّسلم التي تجعل إسرائيل راضية عنه.

لم يكن حافظ الأسد يريد استرجاع الجولان بمقدار ما أنّه كان يريد استخدام المسلحين الفلسطينيين لتحقيق أهداف معيّنة. في مقدّم هذه الأهداف الاستيلاء على لبنان بحجة حمايته من الهيمنة الفلسطينية!

ما تغيّر أيضا، بعد نصف قرن من الهزيمة، أن العراق لم يعد موجودا. كان للعراق عامل توازن على الصعيد الإقليمي وحاجزا يحول دون اجتياح إيران العالم العربي. لم تكن الحدود بين العراق وإيران حدودا بين دولتين. كانت، كما كان يقول الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران، “حدودا بين حضارتين كبيرتين”، هما الحضارة العربية والحضارة الفارسية.

بسقوط العراق إثر الحرب الأميركية عليه، سقطت تلك الحدود التي كانت ضمانة لوجود توازن على الصعيد الإقليمي. صار العرب في حاجة مستمرّة إلى بحث عن كيفية استعادة هذا التوازن المفقود الذي مكّن إيران من الذهاب إلى النهاية في السيطرة على العراق وإلى الحدود التي تستطيع الوصول إليها في سوريا ولبنان.. واليمن.

ما تغيّر، أيضا وأيضا، أن هناك دولتين، هما مصر والمملكة الأردنية، وقّعتا معاهدتي سلام مع إسرائيل. لم يوقّع الأردن إلّا بعد توصل الفلسطينيين والإسرائيليين إلى اتفاق أوسلو الذي وقّعه ياسر عرفات وإسحق رابين في حديقة البيت الأبيض وتضمّن اعترافا متبادلا بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل.

ما لم يتغيّر في نصف قرن أن هناك من يصرّ على المتاجرة بفلسطين والفلسطينيين. كان الاتحاد السوفييتي، إبان الحرب الباردة القوّة الدولية التي باعت الفلسطينيين كلّ أنواع الأوهام من أجل منع التوصّل إلى أيّ تسوية. وعدهم بكلّ شيء وزودّهم بالأسلحة ولم يحقّق لهم شيئا في وقت كانت هناك فرصة حقيقية لتحقيق شيء ما على الأرض لدى توقيع اتفاقي كامب ديفيد برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر في خريف العام 1978. أحد هذين الاتفاقين كان مخصصا لفلسطين في وقت كان عدد المستوطنات في الضفة الغربية محدودا.

كان الجمود الفلسطيني وبقاء الفلسطينيين أسرى الجغرافيا اللبنانية نقطة التقاء روسية-سورية. صار الجمود الفلسطيني الآن نقطة التقاء بين إيران واليمين الإسرائيلي.

هناك توجّه إيراني واضح منذ ما يزيد على ربع قرن، أي قبل توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993، لتشجيع كلّ ما يمكنه مساعدة اليمين الإسرائيلي على التذرع بأنّ “لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه”. ليس مؤتمر طهران الأخير الذي انعقد تحت شعار “المؤتمر الدولي السادس لدعم الانتفاضة الفلسطينية” سوى خطوة أخرى في هذا الاتجاه.

لعبت العمليات الانتحارية التي نفّذتها حركة “حماس” في مرحلة معيّنة، خصوصا منتصف تسعينات القرن الماضي، دورها في صعود اليمين الإسرائيلي الرافض لأيّ تسوية من أي نوع كان.. وصولا إلى تشكيل الحكومة الحالية لبنيامين نتنياهو التي أعلنت صراحة أن الضفّة الغربية جزء من إسرائيل.

ما لم يلاحظه كثيرون أن نتنياهو ربط في المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس دونالد ترامب بين “الشعب اليهودي” والضفّة الغربية التي شدّد على أن اسمها هو “يهودا والسامرة”.

في مرحلة معيّنة، سعت تركيا بدورها إلى المتاجرة بالفلسطينيين وقضيّتهم وذلك عندما وعدت بفكّ حصار غزّة. فشلت في ذلك فشلا ذريعا بعدما اعتمد رجب طيب أردوغان سياسة ينقصها كلّ نوع من أنواع المرونة والنفس الطويل.

في المقابل تستخدم إيران الدهاء والصبر. إنّها تعرف أن إسرائيل في حاجة دائمة إلى مؤتمر من نوع ذلك الذي انعقد في طهران وإلى خطابات تهدّد وجودها وترد فيها عبارات من نوع أنّها “ورم سرطاني”.

بعد نصف قرن على الهزيمة، تغيّر الشرق الأوسط كلّيا. لكنّنا ما زلنا في انتظار اليوم الذي تتوقّف فيه المتاجرة بفلسطين التي فقدت للأسف الشديد القيادات القادرة على اتخاذ القرارات الكبيرة بعدما صارت “فتح” أكثر من تنظيم واحد متجانس، بل صارت دكاكين عدّة على الرغم من وجود رجال صادقين فضّلوا الابتعاد عن القيادة أو أبعدوا عنها.. وبعدما تبيّن أنّ “حماس” وتنظيمات أخرى مخترقة إيرانيا إلى أبعد حدود وأكثر بكثير ممّا كان متصّورا.

المصدر : صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما لم يتغير بعد نصف قرن على الهزيمة ما لم يتغير بعد نصف قرن على الهزيمة



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya