نجح أبومازن نظريا

نجح "أبومازن" نظريا..

المغرب اليوم -

نجح أبومازن نظريا

بقلم - خيرالله خيرالله

نظريا سجل رئيس السلطة الوطنية نقطة. ذكر العالم بما يمكن أن تقوم عليه تسوية عادلة. تكمن مشكلته أن موازين القوى القائمة في المنطقة والعالم لا تسمح له بالعودة إلى كلام قديم في عالم كل ما فيه جديد.

الحل في القدرة على التعاطي مع الواقع من دون عقد
من الناحية النظرية، لا غبار على مضمون الخطاب الذي ألقاه رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عبّاس (أبومازن) في جلسة خاصة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. من حقّ “أبومازن” الاعتراض على الدور الأميركي، خصوصا بعد اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وتجاهله الأسس التي يمكن أن تقوم عليها أي تسوية عادلة تعيد للشعب الفلسطيني الحدّ الأدنى من حقوقه المشروعة. في مقدم هذه الحقوق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس الشرقية.

أطلق ترامب رصاصة الرحمة على خيار الدولتين. لم يترك أيّ مجال لأي تسوية من أي نوع تستجيب لقرارات الشرعية الدولية التي في أساسها مبدأ الأرض في مقابل السلام. ولكن هل يبرر ذلك تدمير الجسور مع واشنطن، مهما كانت هذه الجسور هشّة؟

سجّل رئيس السلطة الفلسطينية موقفا وحقّق نجاحا كبيرا من الناحية النظرية طبعا. أعاد إلى الذاكرة مبادرة السلام العربية التي أقرّتها قمة بيروت في العام 2002 والتي تضمنت كل الأسس التي يمكن أن تؤمن استقرارا على الصعيد الإقليمي. لم تترك تلك المبادرة، التي كان خلفها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي توفّي مطلع العام 2015، مكانا لتفسيرات وتأويلات. أجابت المبادرة، إلى حدّ كبير، عن كلّ الأسئلة التي كان يمكن لإسرائيل أن تطرحها، بما في ذلك السؤال المرتبط بـ“حق العودة”. في الواقع، تركت المبادرة العربية مجالا واسعا لأخذ ورد في شأن حق العودة الذي يعرف كل فلسطيني يمتلك حدا أدنى من المنطق أن لا مجال لتطبيقه إلا من زاوية رمزية لا أكثر.

عمل بشّار الأسد وقتذاك، بدفع إيراني، كلّ ما يستطيع من أجل نسف المبادرة العربية من داخل عن طريق لغم اسمه “حقّ العودة”. نجح جزئيا في ذلك، لكن المبادرة التي أقرتها القمة في نهاية المطاف كان يمكن أن تشكّل أساسا لتسوية تبيّن لاحقا أن إسرائيل غير مهتمة بها.

هل في الإمكان إحياء مبادرة السلام العربية في السنة 2018، أم أن المسألة كلها مرتبطة بتسجيل موقف. حسنا، نجح “أبومازن” في تسجيل موقف ولكن ماذا سيفعل في اليوم التالي؟ الجواب بكل بساطة أن الاجتماعات ستستمر بين وزراء إسرائيليين ووزراء فلسطينيين بمن فيهم رئيس الوزراء رامي الحمدالله وذلك لتسهيل الحياة في الضفة الغربية. أما طرح موضوع “المؤتمر الدولي للسلام” ورفض أن تكون الولايات المتحدة وسيطا بين إسرائيل والفلسطينيين، فهذا أشبه بمن يريد معاقبة نفسه لا أكثر.

ليس هناك طرف دولي على استعداد للحلول مكان الولايات المتحدة أو أن يتجرّأ على ذلك. الأهم من ذلك كله، أنه لا يوجد طرف دولي، بما في ذلك روسيا، يستطيع هذه الأيام أن يسمح لنفسه بالدخول في مواجهة مع إسرائيل، على الرغم من كل المتاعب الداخلية لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الذي يواجه تهم الفساد التي يمكن أن تطيحه.

ليس هناك طرف دولي على استعداد للحلول مكان الولايات المتحدة أو أن يتجرّأ على ذلك

نظريا، سجّل رئيس السلطة الوطنية نقطة. ذكر العالم بما يمكن أن تقوم عليه تسوية عادلة. تكمن مشكلته الأساسية أن موازين القوى القائمة في المنطقة والعالم لا تسمح له بالعودة إلى كلام قديم في عالم كلّ ما فيه جديد… بما في ذلك طريقة تعاطي إدارة ترامب مع الصراع العربي الإسرائيلي. الأخطر من ذلك كله أن المنطقة تغيّرت بدورها. في ظل الخطر الإيراني الذي زاد حجمه مع تسليم الولايات المتّحدة العراق على صحن من فضّة إلى إيران، لم تعد القضيّة الفلسطينية قضية العرب الأولى. هذه هي الحقيقة. الحقيقة المرّة أن الهم العربي موجود حاليا في مكان آخر، في وقت لا يتحدّث الآن عن فلسطين سوى أولئك الذين يتاجرون بها وبالفلسطينيين. لا يتحدّث عن فلسطين وعن “تحرير القدس” سوى أولئك الذين يشاركون في الحرب المستمرّة على الشعب السوري.

هؤلاء الذين يقولون أن البوصلة هي فلسطين، إنما لم يرتووا كفاية بعد من دم الشعب السوري. يريدون “تحرير فلسطين والقدس” بالكلام في حين يرمون الحمم على أهل الغوطة التي هي على مرمى حجر من دمشق. محزن أن لا يكون الجانب الفلسطيني لا يعي أن عليه التفكير جديا في بدائل غير العودة إلى فتح الملفات القديمة التي لا وجود فيها لما يقدم أو يؤخر.

كانت كل كلمة صدرت عن “أبومازن” في مجلس الأمن في محلها لو كان لدى رئيس السلطة الوطنية أي بديل من العودة إلى التنسيق الأمني مع إسرائيل. كيف سيعود “أبومازن” إلى رام الله؟ هل يستطيع العودة من دون تنسيق أمني مع إسرائيل ومع الاحتلال؟

لا مفرّ من الاعتراف بأن الواقع مؤلم. لكن التعاطي مع هذا الواقع يحتاج إلى ما هو أكثر من الدعوة إلى “مؤتمر دولي للسلام” و”إنشاء آلية متعددة الأطراف” لحلّ القضية الفلسطينية. الهدف من هذه الآلية القول للولايات المتحدة إن وساطتها لم تعد مقبولة. نعم الولايات المتحدة لم تعد وسيطا نزيها. إنها منحازة كليا إلى إسرائيل وإلى ما ينادي به اليمين الإسرائيلي. لكن السؤال هل من جهة دولية أو إقليمية على استعداد للقول لواشنطن إن هناك من يريد “مؤتمرا دوليا” يفرض تسوية على إسرائيل الطامحة إلى تكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

الجواب، بكل صراحة، أنه لا يوجد من يريد المشاركة في “مؤتمر دولي”. الكلام عن مثل هذا المؤتمر يظل كلاما جميلا لا ترجمة له على أرض الواقع. غدا أو بعد غد، سيعود “أبومازن” ومن معه إلى رام الله. هذا واقع لا مفرّ منه ولا يمكن التحايل عليه. إنه واقع فرضته موازين القوى. لكن هذا الواقع يعني أيضا أن المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية صارت قضية منسية. الحاضر الدائم، أقله في المدى المنظور، هو التنسيق الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية والكارثة الإنسانية التي مسرحها غزة. هذه الكارثة، التي تسببت بها “حماس” والذين وعدوها بفكّ الحصار الإسرائيلي مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لا يريد رئيس السلطة الوطنية السماع بها لا من قريب أو بعيد.

هل من بصيص أمل يمكن الرهان عليه في ظل هذا الظلام حيث سلطة وطنية فلسطينية تعتقد أن في استطاعتها معاقبة الإدارة الأميركية بدل إبقاء الجسور ممدودة معها؟ بصيص الأمل هو الشعب الفلسطيني الذي صمد كل هذه السنوات وحافظ على هويته الوطنية. لا يمكن لهذا الشعب سوى أن يستعيد حقوقه في يوم من الأيام وإن في حدود معينة.

ليس طبيعيا أن يبقى الشعب الفلسطيني خارج الخارطة الجغرافية للمنطقة فيما هو على خارطتها السياسية. لكنّ استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه تتطلب أول ما تتطلب القدرة على التعاطي مع الواقع من دون عقد، بما في ذلك الاستفادة من أخطاء ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي استطاع وضع فلسطين على الخارطة السياسية للشرق الأوسط. من بين أخطاء أبوعمّار أنه لم يعرف يوما كيف تعمل واشنطن من داخل، أي من يصنع السياسة الأميركية، وما هي إسرائيل بنقاط القوة ونقاط الضعف فيها…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نجح أبومازن نظريا نجح أبومازن نظريا



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 20:21 2016 السبت ,16 تموز / يوليو

حقائق تقرير تشيلكوت ودلالاته..!!

GMT 02:52 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تجهيزات الفنادق لاستقبال موسم العطلات وعيد الميلاد المجيد

GMT 06:40 2018 الخميس ,03 أيار / مايو

طرق إختيار الزيت المناسب لنوع الشعر

GMT 02:44 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

أسباب اختيار المرأة الخليجية ماسك الذهب

GMT 05:48 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

جان كلود جونكر يرغب في بقاء بريطانيا داخل "اليورو"

GMT 10:56 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ننشر 10 تساؤلات بشأن تعويم الدرهم

GMT 13:09 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

العلمي يقرر اعفاء مدير مركز الاستقبال الرياضي بوركون

GMT 14:58 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منتخب الكاميرون يصل إلى الدار البيضاء للمشاركة في "الشان"

GMT 22:43 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

الحرب الليبية تطيح بقطار الزواج والعنوسة باتت أزمة متفاقمة

GMT 04:20 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

رامافوسا يترأس حزب المؤتمر الوطني الجنوب أفريقي

GMT 17:45 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الوداد يربك حسابات المغرب التطواني ويبعثر أوراق فرتوت

GMT 08:40 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الطقس و الحالة الجوية في جبل العياشي

GMT 06:20 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عون يُخلي مسؤولية لبنان في صراعات دول عربية
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya