مرحلة ما بعد أبومازن

مرحلة ما بعد "أبومازن"

المغرب اليوم -

مرحلة ما بعد أبومازن

بقلم - خيرالله خيرالله

لا ضرورة لإعلان "أبومازن"عن تنحيه أو عن رغبته في البقاء "رئيسا" حتى اليوم الأخير من حياته كي يحصل اعتراف بأن هناك مرحلة فلسطينية انتهت. أي جيل سيقود الفلسطينيين في المرحلة المقبلة؟

أي جيل سيقود الفلسطينيين في المرحلة المقبلة
تنحى محمود عبّاس (أبومازن) رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية أم لم يتنحّ. ليست تلك المسألة، علما أنه من الصعب أن يفكر في التنحي بسبب ظروف خاصة به وذلك على الرغم من تقدمه في العمر. صارت المسألة مرتبطة كلها بمرحلة ما بعد “أبومازن”، أطال الله عمره. أيّ فلسطين بعد مرحلة امتدّت من وفاة ياسر عرفات في تشرين الثاني – نوفمبر 2004 إلى يومنا هذا. إنّها مرحلة مرشحة لأن تمتد سنوات أخرى وباتت مرتبطة برجل كان يرمز في الماضي إلى القدرة على استيعاب المعطيات الدولية والإقليمية بما جعله يلعب دورا محوريا في الوصول إلى اتفاق أوسلو بحسناته الكثيرة وعيوبه.
في النهاية، لولا “أبومازن” وفريق العمل الفلسطيني الذي تفاوض سرّا مع الإسرائيليين في أوسلو، لما كان الاتفاق الذي أعاد ياسر عرفات إلى أرض فلسطين. الأهمّ من ذلك كله أنه لولا اتفاق أوسلو لما دخل “أبوعمّار” البيت الأبيض في يوم من الأيّام، ولما كان في السنة 2000، أي في السنة الأخيرة من ولاية بيل كلينتون، أكثر زعماء العالم ترددا على مقر الرئيس الأميركي.
خلَفَ محمود عبّاس ياسر عرفات. في 2004، لم يبق من الزعماء التاريخيين لحركة “فتح” لدى وفاة الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني سوى “أبومازن”. كان الوحيد من أعضاء القيادة التي أسست الحركة الذي لا يزال يمتلك وضعا داخليا وعربيا ودوليا يسمح له بأن يكون خليفة للشخص الذي وضع فلسطين على الخريطة السياسية للشرق الأوسط. لا شكّ أن اغتيال خليل الوزير (أبوجهاد) وصلاح خلف (أبوإياد)، الأول على يد الإسرائيليين والآخر على يد أحد المجرمين التابعين لـ“أبونضال”، سهّل على “أبومازن” أن يتحوّل إلى الرجل الثاني في “فتح”، وفي منظمة التحرير الفلسطينية في السنوات الـ15 التي سبقت غياب ياسر عرفات.
تبيّن مع مرور الوقت أن التركة التي خلفها “أبوعمّار” ثقيلة جدا. يعود ذلك إلى سببين على الأقلّ. أولهما البيروقراطية الفلسطينية التي تضخمت بسبب أسلوب العمل لـ“أبوعمّار”، وهو الأسلوب القائم على توظيف الفلسطينيين عشوائيا في الإدارة التي تأسست بعد اتفاق أوسلو. إنّه الأسلوب نفسه الذي اتبعه ياسر عرفات قبل ذلك في بيروت وتونس، والذي كان يقوم على فكرة أن المساعدات العربية لا يمكن أن تتوقّف في يوم من الأيّام…
أما السبب الآخر والأهمّ، فهو “عسكرة” الانتفاضة في السنة 2001، وهو قرار أنهى اتفاق أوسلو عمليا وأدى إلى محاصرة ياسر عرفات في “المقاطعة” في رام الله، وصولا إلى مرضه ثم نقله إلى باريس لضرورات العلاج حيث كانت وفاته. كان قرار “عسكرة” الانتفاضة الجديدة التي بدأت بالزيارة الاستفزازية التي قام بها آرييل شارون للمسجد الأقصى أواخر العام 2000 من أسوأ القرارات الفلسطينية. استفادت منه “حماس” والذين يقفون خلفها إلى أبعد حدود وسهلت على الإسرائيليين، بفضل العمليات الانتحارية، اتخاذ قرار محاصرة “أبوعمّار” الذي كان بمثابة وضع رئيس السلطة الوطنية في الإقامة الجبرية. أكثر من ذلك، لعبت هذه العمليات الانتحارية دورا في خدمة اليمين الإسرائيلي الذي عارض منذ البداية اتفاق أوسلو وأيّ كلام عن تسوية يمكن أن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلّة.
كان “أبومازن” على حق عندما اعترض على عسكرة الانتفاضة واعتبر هذا القرار أقرب إلى كارثة من أيّ شيء آخر. لم يكن سرّا أن الرئيس الجديد للسلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وزعيم “فتح” كان دائم الاعتراض على سياسات ياسر عرفات. كان معترضا حتّى على الطريقة التي تصرّف بها ياسر عرفات في لبنان. وإذا كان من كلمة حقّ تقال فهي إنّ “أبومازن” لم يتورط بأيّ شكل في الحرب اللبنانية التي كان الفلسطينيون جزءا لم يتجزّأ منها.
تكمن المشكلة في أنّ “أبومازن” خلف “أبوعمّار” في كلّ المواقع التي كان يشغلها من دون أن يتمكن من إحداث أي تغيير نوعي نحو الأفضل في أيّ مجال من المجالات. على العكس من ذلك، زاد وضع الإدارة الفلسطينية سوءا خصوصا بعدما قرر محمود عبّاس أن يتفوّق على ياسر عرفات في مجال التفرّد في السلطة. صحيح أن “أبوعمّار” كان يمارس الدكتاتورية، لكنّ الصحيح أيضا أنّه كان يعترف بوجود قياديين غيره يصلحون لأدوار معيّنة تصبّ في النهاية في خدمة ما يريده. كان يحسن استخدام هؤلاء أفضل استخدام، أكانوا في واشنطن أو موسكو أو نيويورك… أو في عواصم أوروبية أو عربية.
لم تمض سنوات قليلة، على انتخاب “أبومازن” رئيسا للسلطة الوطنية، إلا واختفى عن المسرح السياسي، وحتّى الأمني، أي قيادي فلسطيني يمكن أن تكون له حيثية أو رأي مفيد أو يتمتّع بكفاءة ما. شمل ذلك أقرب الناس إلى “أبومازن”، بمن في ذلك أولئك الذين شكّلوا فريق العمل الذي أوصل إلى أوسلو وأوصل ياسر عرفات إلى البيت الأبيض.
لا يمكن التذرّع بالتركة الثقيلة لياسر عرفات، لتفادي التعاطي مع الواقع الذي خلقته مرحلة ما بعد غياب الرجل في خريف العام 2004. لا يمكن حتّى التذرّع بأخطاء كبيرة لياسر عرفات من نوع اعتقاده أن تهـريب أسلحة بواسطة السفينة “كارين- إي” يمكن أن يساعده في المواجهة مع إسرائيل في مرحلة ما بعد “عسكرة” الانتفاضة. هناك مرحلة مضت وهناك تعنت إسرائيلي. لا تعبّر عن هذا التعنت التحولات التي طرأت على المجتمع في إسرائيل فحسب، بل الرغبة في استمرار الاحتلال إلى ما لا نهاية أيضا.
لا ضرورة لإعلان “أبومازن” عن تنحيه أو عن رغبته في البقاء “رئيسا” حتّى اليوم الأخير من حياته كي يحصل اعتراف بأنّ هناك مرحلة فلسطينية انتهت. في السنوات الأخيرة من تلك المرحلة التي شهدت انفصال غزّة عن الضفة الغربية واقتصار العلاقة الفلسطينية – الإسرائيلية على التنسيق الأمني، ثمّة حاجة إلى التفكير بطريقة مختلفة. البداية تكون بطرح أسئلة من نوع أي جيل سيقود الفلسطينيين في المرحلة المقبلة بعدما استنزف الوقت القيادة التي جاءت من خارج بعد اتفاق أوسلو؟
السؤال الأخطر ما العمل بالضفة الغربية التي حوّل الاحتلال ما بقي منها إلى ثلاثة كانتونات؟ أي مستقبل لغزّة التي تحوّلت إلى قنبلة سكانية في مساحة ضيقة؟ كيف سيُربط مصير غزّة بمستقبل سيناء؟ أي دور لمصر في هذه العملية التي تتجاوز مصر وتصل إلى التعاون الذي سيقوم بينها وبين المملكة العربية السعودية والأردن في إطار مشروع “نيوم” السعودي الذي يقف خلفه وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان؟
الثابت الوحيد في المرحلة التي يبدو أن القضيّة الفلسطينية مقبلة عليها هو الشعب الفلسطيني الذي لا يمكن حذفه من المعادلة الشرق أوسطية. 
يكشف وجود هذا الشعب قصر النظر الإسرائيلي الذي لن تعوّض عنه إدارة دونالد ترامب التي تنوي طرح مشروع للمنطقة من خلال نظرة شمولية. يفترض في مثل هذه النظرة الشمولية، في حال كان مطلوبا أن تكون لديها فرصة في النجاح، عدم تجاهل أنّ من الصعب إلغاء شعب يمتلك هوية وطنية ويمتلك أرضا مهما حققت إسرائيل من نجاحات عسكرية… ومهما كان الوضع العربي مزريّا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرحلة ما بعد أبومازن مرحلة ما بعد أبومازن



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya