أبعد من المواجهة بين هيلاري وترامب

أبعد من المواجهة بين هيلاري وترامب

المغرب اليوم -

أبعد من المواجهة بين هيلاري وترامب

بقلم : خيرالله خيرالله

هناك عودة إلى الكلام عن فوز دونالد ترامب على هيلاري كلينتون. ضاقت الفجوة بين المرشحين المتنافسين على رئاسة الولايات المتحدة بعد تدخل مكتب التحقيق الفيدرالي (أف. بي. آي) مرتين في الأيّام القليلة الماضية لمصلحة دونالد ترامب.

أعاد مكتب التحقيق الفيدرالي، الذي يديره جيمس كومي، طرح تساؤلات في شأن البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية في السنوات الأربع الأولى من عهد باراك أوباما. في الواقع، أعاد مكتب التحقيق الفيدرالي قضية البريد الخاص بالمرشحة الديمقراطية إلى الواجهة، علما أنه كان سبق له وأثار الموضوع وطوى الملف بعدما وجد أنّ ليس ما يشير إلى أن تصرّفها أدّى إلى كشف أسرار عائدة إلى الولايات المتحدة.

لم يكتف الـ”أف. بي. آي” بذلك. نشر فجأة، قبل أسبوع من موعد الانتخابات، نص تحقيق يقع في مئة وتسعة وعشرين صفحة في قضية مرتبطة برجل أعمال أصدر عنه بيل كلينتون، الذي كان رئيسا بين 1992و2000، عفوا قبل مغادرته البيت الأبيض، في حين أن رجل الأعمال هذا كان يستأهل السجن لأسباب مختلفة بينها التهرّب من دفع الضريبة.

لماذا نشر نصّ التحقيق الآن بعد ما يزيد على خمسة عشر عاما على مغادرة بيل كلينتون البيت الأبيض. هل الـ”أف. بي. آي” طرف في الانتخابات الرئاسية؟ هل تحولت الانتخابات الرئاسية إلى معركة بين هيلاري كلينتون ومدير الـ”أف.بي.آي”؟

للمرّة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة يتدخل جهاز رسمي في الانتخابات الرئاسية بهذا الشكل المفضوح.

كان طبيعيا، في مرحلة معيّنة، التحقيق في قضية البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري كلينتون، ذلك أنّها لجأت إلى هذا البريد الخاص أثناء توليها وزارة الخارجية. كان مطلوبا منها استخدام البريد الآمن التابع لوزارة الخارجية فقط في كلّ مراسلاتها.

تبيّن بكل بساطة أنّها لم تتبع الإجراءات ذات الطابع الاحترازي التي يفترض في كلّ وزير للخارجية اتّباعها. لكن التحقيق برّأ المرشحة الديمقراطية التي ما لبثت أن تقدمت على المرشح الجمهوري الذي ارتكب كلّ الأخطاء التي كان مفروضا به تفاديها.

أكثر من ذلك، تبيّن أن الرجل لا يحترم المرأة بشكل عام، كما أنّه لا يتورّع عن قول كلام بذيء لا يتفوه به إلا أبناء الشارع في حق كلّ ما تمثّله المرأة. اعتبر ترامب المرأة مواطنا من الدرجة الثانية، علما أن نصف الناخبين الأميركيين من النساء!

إنها انتخابات أميركية عجيبة غريبة. هذا لا يعود إلى هبوط في مستوى النقاش السياسي وإلى تبادل الاتهامات الرخيصة بين المرشحين، بمقدار ما يعود إلى دخول مكتب التحقيقات الفيدرالي طرفا فيها. لم يوفّر المكتب حتّى “مؤسسة كلينتون” الخيرية التي تلقت تبرعات كبيرة، بعضها من جهات غير أميركية.

بعيدا من ذلك كلّه، هل تغيّرت الولايات المتحدة من الداخل إلى درجة لم يعد أحد، بما في ذلك الناخب الأميركي، يصدّق أن بلده هو القوة العظمى الوحيدة في العالم؟

بلغة الأرقام، لا تزال الولايات المتحدة الاقتصاد الأكبر في العالم. لا تزال متفوّقة تكنولوجيا على كلّ منافسيها. لكنّ تغييرات كبيرة طرأت على السياسة الخارجية الأميركية وليس على المشهد الانتخابي فقط.

كان انتخاب باراك أوباما أفضل تعبير عن هذه السياسة التي تقوم أوّل ما تقوم على إعادة النظر في الأولويات الأميركية، خصوصا بعد تراجع الاعتماد على نفط الخليج. ما يفترض تذكّره أن أوباما شدّد منذ بداية عهده على ضرورة تخفيف الاعتماد على النفط الذي مصدره الخليج. هناك خطب واضحة له في هذا المجال.

الأهمّ من ذلك كلّه أن نظرة أوباما إلى أهمية الشرق الأوسط وأوروبا تغيّرت جذريا. لم تعد هناك تلك العلاقة القوية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كذلك، لم يعد هناك تركيز على الاستقرار في الشرق الأوسط.

في ظلّ انحياز أميركي كامل إلى إيران، هناك تغاض عن مشروعها التوسّعي في المنطقة. لا موقف أميركيا من “الحشد الشعبي” في العراق الذي هو كناية عن مجموعة من الميليشيات المذهبية تابعة لأحزاب تديرها إيران.

ولا موقف أميركيا من المجزرة التي يتعرّض لها الشعب السوري ومن عمليات التهجير الممنهجة لهذا الشعب بواسطة سلاح الجو الروسي والميليشيات التابعة لإيران.

لا موقف أميركيا من تركيا وأهمّية دورها في الإقليم. يبدو وكأنّ كلّ ما يهمّ باراك أوباما تأجيج الحرب الشيعية-السنّية الدائرة في المنطقة على كلّ المستويات وهي حرب من ضحاياها سوريا والعراق ولبنان واليمن، إضافة إلى أنّها تشكّل عامل ضغط على كل دول الخليج العربي.

اتجهت الاهتمامات الأميركية إلى مناطق أخرى من العالم. من بين هذه المناطق الصين. كيف يمكن تطويق الصين ومنع توسّعها؟ وكيف تمكن حماية اليابان من الصين التي لا تزال، مثلها مثل اليابان والهند في حاجة إلى النفط والغاز الخليجيين؟

ليست الانتخابات الأميركية سوى دليل على وجود أميركا جديدة لديها اهتمامات مختلفة. لا تزال هيلاري كلينتون متقدّمة، وإن بفارق بسيط، على دونالد ترامب، لكنّ الثابت أن طبيعة المواجهة بين المرشحين تغيّرت بعد دخول مكتب التحقيقات الفيدرالي على الخط وتحوّله إلى الناخب الأوّل فيها. إذا سقطت هيلاري كلينتون، سيكون السبب الرئيسي لذلك جيمس كومي الذي يبدو أن لديه حسابا قديما يريد تصفيته معها.

عاجلا أم آجلا، بغض النظر عن الفائز في الانتخابات، سيتوجب على أهل الشرق الأوسط والخليج التعايش مع الولايات المتحدة الجديدة التي كان متوقعا أن تقود العالم وأن تزرع فيه قيما جديدة مرتبطة إلى حدّ كبير بالعدالة والديمقراطية وذلك بعد ربع قرن على انتهاء الحرب الباردة وبعد سبعة وعشرين عاما على سقوط جدار برلين.

بدل ذلك، نجد الولايات المتحدة غير مبالية لا بمصير سوريا ولا بمصير العراق ولا بمصير لبنان. كلّ ما يهمّها هو استرضاء إسرائيل، فيما الهمّ الأول لأيّ رئيس فيها، على الرغم من كلّ ما يصدر عن دونالد ترامب، هو حماية الاتفاق النووي مع إيران. يأتي ذلك من منطلق أنّ إيران تنتمي إلى مجموعة من الدول، من بينها الهند، يمكن أن تساعد في إيجاد توازن مع الصين.

من الآن فصاعدا، ثمّة حاجة في منطقتنا إلى التفكير في كيفية التعاطي مع الولايات المتحدة الجديدة بصرف النظر عن المقيم في البيت الأبيض.. هناك ما هو أبعد من المواجهة بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب. هناك عالم جديد بتوازنات جديدة خلقه التغيير في الأولويات الأميركية، وهو تغيير بدأ في عهد أوباما ولن ينتهي بخروج الرجل من البيت الأبيض بعد شهرين..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبعد من المواجهة بين هيلاري وترامب أبعد من المواجهة بين هيلاري وترامب



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya