مرحلة الحذر بين أميركا وإيران

مرحلة الحذر بين أميركا وإيران

المغرب اليوم -

مرحلة الحذر بين أميركا وإيران

بقلم : خيرالله خيرالله

ليس سرّا أن إيران تريد إيصال رسالة واضحة كلّ الوضوح إلى الإدارة الأميركية الجديدة. فحوى الرسالة أن العراق يقع تحت سيطرتها كليّا وأن لا مجال لإعادة عقارب الساعة إلى الخلف، خصوصا أنّ هناك في الإدارة من يعتقد أنه لا بدّ من وضع حدّ للسيطرة الإيرانية على العراق. هذا على الأقلّ الموقف العلني لوزير الدفاع الجديد الجنرال جيمس ماتيس. أكّد ماتيس موقفه في شهادة خطية له لدى مثوله أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.

قبل تثبيت ماتيس في موقع وزير الدفاع في إدارة دونالد ترامب، سارعت إيران إلى تعيين سفير جديد لها في بغداد هو إيرج مسجدي، كبير مستشاري الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس″ في “الحرس الثوري الإيراني” الذي يقع العراق ضمن مسؤولياته.

يدلّ تعيين مسجدي سفيرا جديدا لإيران في العراق على أن الكلمة الأولى والأخيرة في “الجمهورية الإسلامية” هي لـ”الحرس الثوري” الذي لا يمكن إلّا أن يتصدى للتوجه المختلف لإدارة ترامب، خصوصا لوزير الدفاع المعيّن الذي لن يجد صعوبة في تثبيته في موقعه على الرغم من عدم مضي سبع سنوات على تقاعده. سيستثني الكونغرس الجنرال ماتيس ذا الثقافة الواسعة والخبرة العميقة في شؤون العالم والشرق الأوسط من قانون يمنع العسكريين من تولي مناصب سياسية قبل مضي سبع سنوات على تقاعدهم. من المرات النادرة التي حصل فيها هذا الاستثناء كان تعيين الجنرال جورج مارشال وزيرا للخارجية في العام 1947 بعد عامين من انتهاء الحرب العالمية الثانية التي شارك فيها بصفة كونه واحدا من أبرز قادة الجيش الأميركي الذين يمتلكون ثقافة سياسية واسعة ورؤية لكيفية مساعدة أوروبا في التخلص من آثار الحرب وتجاوزها.

كان موقف الجنرال ماتيس أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ من النوع الذي لا لبس فيه. اعتبر أنّ على الولايات المتحدة المحافظة على نفوذها في العراق، حتّى بعد معركة تحرير الموصل من “داعش” وذلك لضمان عدم تحوّل العراق دولة تابعة لإيران. قال أيضا في شهادته الخطّية إنّ “الحرب القاسية في سوريا” أثارت اضطرابات في الشرق الأوسط وتمثّل تهديدا للأمن القومي الأميركي. بالنسبة إليه، إنّ الحرب في سوريا “أثارت اضطرابات في المنطقة وساهمت في زعزعة أوروبا وهي تشكّل تهديدا لحلفائنا مثل إسرائيل والأردن وتركيا. في الوقت ذاته، نرى أن قوى مثل داعش وإيران وروسيا استفادت من الفوضى، وهذا كلّه لا يخدم المصلحة الوطنية الأميركية”.

جاء هذا الكلام في سياق تأكيده في الشهادة الخطية على أن إيران تشكل “أكبر قوّة مثيرة للاضطرابات” وأنّ على الولايات المتحدة التوصّل إلى استراتيجية بعيدة المدى تضمن “منع إيران من تحقيق هدفها القاضي بفرض الهيمنة على المنطقة”، محذّرا من أن “النفوذ الإيراني المؤذي ينمو” في الشرق الأوسط والخليج.

ترك ماتيس الجيش الأميركي في العام 2013 عندما أدرك أن إدارة أوباما مستعدة للتخلي عن العراق لإيران. حصل ذلك إثر القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي في العام 2010 بالانسحاب الباكر من العراق استكمالا لما قام به جورج بوش الابن الذي لم يفهم في العام 2003 معنى إسقاط نظام صدّام حسين قبل أن يكون هناك بديل أفضل جاهزا. لم يدرك بوش الابن أن الطرف الوحيد الذي كان جاهزا لتولي أمور العراق بعد سقوط النظام هو الميليشيات التابعة لأحزاب مذهبية عراقية تدار من طهران. صار لهذه الميليشيات كيان يجمعها الآن هو “الحشد الشعبي”.

ما يعرفه الجنرال ماتيس الذي كان يلقّب بـ”الكلب المسعور” أن عدم التصدي لما تقوم به إيران في العراق هو استسلام لها. هل كان ثمن حماية الاتفاق في شأن ملفّها النووي يقتضي بالاستسلام لها في العراق وفي سوريا؟

منذ التراجع الأميركي أمام إيران راح ماتيس يطرح أسئلة من نوع ماذا إذا توصلنا إلى تسوية مع إيران في شأن ملفّها النووي وبقيت عدوّا لنا؟ ماذا إذا طوّرت أسلحة تقليدية تهدد الملاحة في الخليج وللقطع البحرية الأميركية الموجودة في تلك المنطقة؟

لم يكن في واشنطن من يريد الإجابة عن الأسئلة التي طرحها، بما في ذلك تلك المتعلّقة بالدور الذي تلعبه إيران في تشجيع العمليات التي كانت تستهدف القوات الأميركية في العراق. بدل الإجابة عن هذه الأسئلة جرى استبدال ماتيس الذي كان يشغل موقع قائد القوة المركزية من دون استشارته. في الواقع طرده الرئيس الأميركي من هذا الموقع بطريقة دفعته إلى الاستقالة.

تحسبا لتغيير السياسة الأميركية في العراق، وضع “الحرس الثوري” رجلا من عنده سفيرا في بغداد. هذا يعني أن إيران تنظر بجديّة إلى ما يمكن أن تقوم به إدارة دونالد ترامب بعد تسلّم الرئيس الجديد مهماته في العشرين من الشهر الجاري.

في الأشهر القليلة الماضية، بدا أن إدارة أوباما مستعدة للتنسيق كلّيا مع إيران في العراق. وفّرت هذه الإدارة في بعض الأحيان غطاء جوّيا لـ”الحشد الشعبي” الذي كان يقوده على الأرض مستشارون إيرانيون. تخشى إيران الآن، فيما معركة الموصل مستمرّة، من سحب الاعتماد الأميركي الذي حصلت عليه في العراق، أي ألاّ تعود أميركا في الجيب الإيراني. فكلام الجنرال ماتيس يشير إلى أنّه صار في البنتاغون رجل يعرف تماما ما هي إيران وما هو مشروعها التوسّعي الذي أخذ أبعادا جديدة بعد سقوط العراق في العام 2003 وبعدما صار في البنتاغون شخص ليس “كلبا مسعورا” بل إنّه أقرب ما يكون إلى جنرال أميركي يعرف تماما الشرق الأوسط والخليج. فماتيس يعرف خصوصا ماذا يعني أن تكون الحرب على العراق في العام 2003 حربا أميركية-إيرانية في الدرجة الأولى. يعرف ماذا يعني أن يصبح العراق مستعمرة إيرانية وأنّ ترضخ إدارة أوباما للأمر الواقع فتنسّق انسحابها العسكري والسياسي من العراق بشكل كامل مع إيران.

في كلّ الأحوال، أخذت إيران ما يجري في واشنطن على محمل الجدّ. هذا لا يعني بالضرورة أن العراق سيكون مسرحا لمواجهة أميركية-إيرانية بمقدار ما يعني أن تغييرات ستطرأ على العلاقة بين الجانبين. من التنسيق الكامل بين إدارة جورج بوش الابن وطهران في العام 2003، إلى الرضوخ الكامل لإدارة أوباما أمام ما تريده إيران، هناك الآن انتقال إلى مرحلة الحذر المتبادل. ماذا بعد هذه المرحلة؟

الجواب بكلّ بساطة هل سيسمح دونالد ترامب لـ”الكلب المسعور” الذي انتقل إلى وزارة الدفاع باتخاذ قرارات كبيرة أم يظل كلام وزير الدفاع الأميركي مجرّد كلام يصدر عن رجل يعرف تماما أخطار السياسة الإيرانية ليس على دول الشرق الأوسط والخليج فحسب، بل على الدور الأميركي في العالم أيضا.. لكنه مستعد بدوره للتفرّج على تراجع القوّة العظمى الوحيدة في العالم؟

المصدر : جريدة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرحلة الحذر بين أميركا وإيران مرحلة الحذر بين أميركا وإيران



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 22:24 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

كيكو كاسيا يُشيد بمستوى لوكا زيدان مع ريال مدريد

GMT 15:57 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

اتحاد طنجة يُفجّر أكبر مفاجأة في مرحلة إياب الدوري المغربي

GMT 02:05 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم نسرين أمين وأشرف عبد الباقي من مجلة "نص الدنيا"

GMT 15:39 2016 الأحد ,14 شباط / فبراير

محمد جونسور وزوجته يرتديان زيًا عربيًا

GMT 10:08 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

لمسات ريفية تضفي البساطة على منزل مايلي سايرس

GMT 22:30 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوم الوطن العربي يشاركون في مهرجان القاهرة السينمائي

GMT 16:10 2013 الجمعة ,11 كانون الثاني / يناير

إصنع وسادتك الخاصة جدًا في منزلك ولن تجد له مثيل

GMT 08:17 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

2206 أطنان خضار وفواكه ترد للسوق المركزي في الأردن
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya