ثورة في السعودية

ثورة في السعودية

المغرب اليوم -

ثورة في السعودية

بقلم - خيرالله خيرالله

السعودية دخلت مع الملك سلمان مرحلة جديدة قررت أن تخرج فيها الخروج من أسر النفط وأسعاره وذلك بالرهان على الإنسان من جهة، وعلى استثمار في الثروات الطبيعية الأخرى من جهة أخرى.

أقلّ ما يمكن قوله في هذه الأيام إن هناك ثورة في المملكة العربية السعودية. إذا تمعنّا بما آلت إليه الثورات العربية التي شهدتها مرحلة “الربيع العربي” في العامين 2010 و2011، يتبيّن أن المكان الوحيد الذي يشهد ثورة حقيقية في العمق في مرحلة ما بعد “الربيع العربي” هو المملكة العربية السعودية.

إنّها ثورة من فوق تترافق مع الإعداد لانتقال المُلك إلى الجيل الثالث، أي إلى أبناء أبناء الملك عبدالعزيز.

تعود أهمّية هذه الثورة إلى أن من يغطيها ويشرف عليها، بالتفاصيل المملّة، هو الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي كلّف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان القيام بالخطوات اللازمة لتكريس وضع جديد يؤكّد وجود مملكة من دون عقد على تماس مباشر مع كلّ ما يشهده العالم من تطوّرات وتقدّم على مختلف الصعد وفي كل المجالات، بما في ذلك مجال الترفيه.

من “عاصفة الحزم” في آذار – مارس من العام 2015 إلى القرارات التي اتخذتها الهيئة العليا لمكافحة الفساد برئاسة محمّد بن سلمان في تشرين الثاني – نوفمبر 2017، كان على المواطن السعودي التقاط أنفاسه. سيبقى في النهاية السؤال الأساسي المتمثّل في القدرة على الاستثمار في الثروة الإنسانية، أي في التعليم من جهة، وتعويد المواطن على فكرة العمل الدؤوب من جهة أخرى، تماما كما في الدول الحديثة والمتقدّمة. هل ينجح محمّد بن سلمان في تطوير المجتمع السعودي على نحو جذري وزرع مفاهيم جديدة فيه؟

المهمّ أن السعودية تتعاطى مع الواقع بدل الهرب منه كما كانت عليه الحال في السنوات الماضية التي كان التفكير فيها محصورا بأنّ النفط لن ينضب يوما، وأن المملكة تمتلك أكبر احتياط منه في العالم، وأن الدفاع عن الإسلام يكون بمزيد من التزمت والمزايدة على ما جاءت به وتحاول نشره “جمهورية إيران الإسلامية” التي تأسست في العام 1979.

دخلت السعودية مع الملك سلمان مرحلة جديدة قررت أن تخرج فيها الخروج من أسر النفط وأسعاره وذلك بالرهان على الإنسان من جهة، وعلى استثمار في الثروات الطبيعية الأخرى من جهة أخرى. تشمل المرحلة الجديدة سياسة خارجية أكثر جرأة ووضوحا. بدأ الملك سلمان يصنع الفارق عندما تصدّى للوجود الإيراني في اليمن عبر “عاصفة الحزم”.

لم تكن “عاصفة الحزم” قرارا عاديا بأيّ مقياس من المقاييس وذلك في وقت لم يفهم كثيرون معنى سيطرة الحوثيين (أنصار الله) على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014، قبل نحو أربعة أشهر من تولي سلمان بن عبدالعزيز الحكم. كان أول ما قام به “أنصار الله” بعد دخولهم العاصمة اليمنية إرسال وفد إلى طهران لتوقيع اتفاق في شأن الرحلات الجويّة بين مطاري صنعاء وطهران بمعدل رحلتين في اليوم لكلّ من الخطوط الإيرانية والخطوط اليمنية. صار اليمن وجهة سياحية للإيرانيين وصارت إيران المكان الذي يودّ كل الشعب اليمني زيارته!

لم تمض أيّام على سقوط صنعاء في يد الحوثيين حتّى بدأوا يتصرفون بصفة كونهم السلطة الشرعية في اليمن. لم يكن الاتفاق مع طهران المتعلق بالطيران الخطوة الوحيدة التي استفز بها الحوثيون، ومن خلفهم إيران، المملكة، بل سارعوا إلى إجراء مناورات عسكرية على حدودها. كانت تلك إشارة أرادت إيران أن تقول من خلالها إنها باتت على الحدود السعودية لا أكثر ولا أقل.

ليس ما شهدته السعودية هذه الأيام من تطورات، شملت توقيف أمراء نافذين ومسؤولين كبار ورجال أعمال معروفين في إطار “مكافحة الفساد”، سوى جزء من الثورة التي بدأت بوصول سلمان بن عبدالعزيز إلى الحكم وتولي محمد بن سلمان ولاية العهد خلفا للأمير محمد بن نايف.

يكفي للتأكّد من ذلك مراجعة ما ورد في “رؤية 2030” والتمعّن في كلام محمد بن سلمان على هامش الإعلان عن مشروع إقامة مدينة حديثة على مساحة تزيد على 26 ألف كيلومتر مربّع في منطقة تقترب فيها الحدود السعودية مع الأراضي المصرية والأردنية. سمّي المشروع “نيوم” وهو في الواقع التحدي الأكبر الذي يواجه المملكة العربية السعودية في مجال الاعتماد على الثروة الإنسانية والطاقة البديلة الآتية من الشمس والرياح، فضلا عن الروبوتات البشرية.

يحتاج تعداد التغييرات التي مرت بها المملكة في عامين إلى مجلّد. أهمّ ما في الأمر أنّ السعودية تخلصت من عقدة المتطرّف جهيمان العتيبي الذي هاجم المسجد الحرام مع مجموعته في خريف العام 1979 ومن عقدة أهمّ هي المزايدة على إيران في التزمت من منطلق إسلامي.

كانت العقدتان فخّا وقعت فيه السعودية أدّى إلى حال من الجمود والتراجع، خصوصا على الصعيد الاجتماعي، أخر لسنوات قرار السماح للمرأة بقيادة سيّارة. هل كان طبيعيا ذلك النقاش العقيم الذي دار طويلا في شأن هل يسمح للمرأة بقيادة سيّارة أم لا؟

لا يعبّر عن الثورة السعودية على الصعيد الخارجي أكثر من الموقف من إيران ومشروعها التوسّعي أكان ذلك في لبنان أو العراق أو سوريا أو اليمن. في بلد مثل لبنان، على سبيل المثال وليس الحصر، على الحكم فيه أن يقرّر هل يريد أن يكون أسير السياسة الإيرانية وتابعا لها، أم لا؟ المسألة في غاية البساطة. يواجه لبنان أزمة سياسية عميقة في ظل وضع اقتصادي متردّ. هذا عائد في الجانب الأكبر منه إلى وجود “حزب الله” في الحكومة وتحكّمه بكل القرارات السياسية، بما في ذلك على صعيد السياسة الخارجية للبنان. أكثر من ذلك، تحوّل لبنان إلى مساحة تمارس منها إيران كلّ الأعمال العدائية في اتجاه الأنظمة العـربية التي لا تعجبها. هل من فضيحة أكبر من فضيحة عرض إيران تدريب مقاتلين لـ“القـاعدة” على يد “حزب الله” في الأراضي اللبنـانية، وذلك استنادا إلى الوثائق المصادرة من منزل أسامة بن لادن؟

لا يستطيع لبنان إعادة بناء نفسه ومؤسساته ما دام “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، حرّا في القيام ما يريد القيام به حيثما يشاء وكيفما يشاء، بما في ذلك الفرض على الحكومة التي يرأسها سعد الحريري توفير غطاء لممارسات مشينة. من بين هذه الممارسات المشاركة في الحرب على الشعب السوري خدمة لإيران. كذلك، بين هذه الممارسات تحول بيروت قاعدة إعلامية وسياسية للحوثيين الذين يطلقون الصواريخ من الأراضي اليمنية في اتجاه الأراضي السعودية وحتّى في اتجاه الرياض.

تكمن مشكلة الذين يتعاطون هذه الأيّام مع الموضوع السعودي في العجز عن استيعاب أن ثورة حدثت في المملكة. وهذا يعني أنّ ليس في الإمكان التعاطي مع المملكة بالنمط الذي كان سائدا في الماضي. من لديه أدنى شك في ذلك، يستطيع أن يسأل الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز أو الأمير الوليد بن طلال، هل كان أحدهما يتصوّر يوما أن هناك من سيطرح على أيّ منهما أي سؤال من أيّ نوع عن مصدر ثروتهما وما يمتلكانه؟

في كلّ الأحوال، كان على بلد مثل لبنان أن يختار. لا يمكن الاستفادة من المساعدات السعودية وأن يكون لبنان ضدّ المملكة في الوقت ذاته. تجاوزت السعودية الجديدة حتّى عقدة بقاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية أو عدم بقائه على سبيل المثال فقط. هذا يعطي فكرة عن عمق التغيير الذي يحدث في المملكة لا أكثر ولا أقلّ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثورة في السعودية ثورة في السعودية



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:00 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجوزاء

GMT 16:57 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

المذيعة سماح عبد الرحمن تعلن عن عشقها للإعلام

GMT 14:49 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

ليفربول يواصل سلسلسة انتصاراته وأرقامه المميزة

GMT 06:05 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

غارات إسرائيلية جوية على أهداف لـ"حماس" شمال غزة

GMT 14:56 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

الترجي التونسي يخوض 60 مباراة في موسم واحد

GMT 19:41 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

مصرع سبعة أشخاص في تفجيرين قرب القصر الرئاسي في الصومال

GMT 06:11 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

كتاب يكشف طقوس تساعد الإنسان على السعادة والاسترخاء

GMT 10:04 2018 الإثنين ,28 أيار / مايو

ألوان مميزة تعزّز ديكور منزلك في صيف 2018

GMT 02:11 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

مهندس يعيد بناء كوخ بعد أن دمره تمامًا

GMT 12:15 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سعر الدولار الأميركى مقابل دينار جزائري الإثنين

GMT 12:30 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

حسن أوغني يعود لتدريب فريق النادي القنيطري

GMT 03:41 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

فيلم "the shape of water" يقترب من حصد جوائز النقاد في 2018

GMT 00:42 2016 الثلاثاء ,12 تموز / يوليو

اكتشفي أسباب عدم بكاء الطفل حديث الولادة

GMT 04:18 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الملابس الصوفية عنوان المرأة العصرية لموضة هذا الشتاء

GMT 17:48 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

طوني ورد يطلق تشكية La Mariée الحصرية لفساتين الزفاف
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya