الوجه الآخر للحرب اليمنية

الوجه الآخر للحرب اليمنية

المغرب اليوم -

الوجه الآخر للحرب اليمنية

بقلم : خيرالله خيرالله

هناك وجه آخر للحرب الدائرة في اليمن. لا علاقة لهذا الوجه الآخر، بالوجه البشع لتلك الحرب، أي بالمعارك الدائرة على الأرض. تستهدف الحرب بوجهها الآخر إلى التوصل، في نهاية المطاف، إلى تسوية سياسية قابلة للحياة وليس إلى متابعة المجازر التي كان آخرها ما تعرّض له مصلون في مسجد تابع لمعسكر في محافظة مأرب.

كان الهدف الخليجي لدى الإعلان عن بدء “عاصفة الحزم” أن لا يكون هذا البلد ذو الأهمّية الإستراتيجية شوكة في خصر المملكة العربية السعودية والدول العربية في الخليج.

يتمثّل هذا الوجه الآخر للحرب اليمنية في متابعة دولة الإمارات العربية المتحدة المهمّة الإنسانية التي بدأتها في اليمن في العام 1982 عندما تبرّعت بمبلغ من المال من أجل مساعدة منكوبي الفيضانات التي اجتاحت منطقة مأرب. توجت تلك المهمّة الإنسانية وقتذاك بتبرّع الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، من ماله الخاص من أجل إعادة بناء سد مأرب. كان التبرّع في العام 1984. جاء افتتاح السدّ في الشهر الأخير من العام 1986 بحضور الشيخ زايد. أمّن السدّ الجديد، الذي أقيم في مكان ملائم قريب من الموقع القديم للسدّ، ريّ ستة عشر ألف هكتار من الأراضي الزراعية بعد بناء بحيرة مساحتها 30 كيلومترا مربّعا.

لم تحد الإمارات، إلى اليوم، عن الهدف الذي وضعه أصلا الشيخ زايد. هناك عسكريون إماراتيون دفعوا ضريبة الدم من أجل اليمن ومن أجل مأرب. لم تكتف الإمارات في العام 2015 بإعادة مأرب إلى الشرعية ورفع علمي اليمن وعلمها على السدّ، كما وعد الشيخ محمّد بن زايد، بل أتبعت ذلك بالدفع في اتجاه كلّ ما يمكن أن يعيد الأمل إلى اليمنيين.

لم تكن “عاصفـة الحزم” التي انطلقـت قبل عامين، بقيادة المملكـة العربيـة السعودية، سوى خطوة غير معتادة لقطع الطريق على التمدد الإيراني الذي بلغ اليمن. لا وجود لحرب على اليمن. هناك حرب من أجل اليمن، ومن أجل أن لا يكون أرضا معادية لأهل الخليج ومنطلقا لتحويل جزء من شبه الجزيرة العربية إلى موطئ قدم لإيران.

استهدف التمدّد الإيراني أصلا تحويل هذا البلد، الذي اسمه اليمن، إلى مجرّد قاعدة تستخدم في إطار مخطط واضح كلّ الوضوح. كانت “عاصفة الحزم” ولا تزال عملية ذات طابع دفاعي فرضتها وقائع معيّنة. بدأت هذه الوقائع تتبلور في اليوم الذي سيطر فيه الحوثيون (أنصار الله) على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014.

من لديه أدنى شكّ في النيّات الإيرانية في مرحلة ما بعد الاجتياح الحوثي لصنعاء بسبب أخطاء ارتكبها وقتذاك الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي، يستطيع العودة إلى ما جرى في تلك المرحلة. لم يتوقف “أنصار الله” في صنعاء، خصوصا بعدما أقاموا حلفا مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي كان حذّر عبدربّه من مغبّة ترك الحوثيين يسيطرون على محافظة عمران والقضاء على اللواء 310 الذي كان بقيادة العميد حميد القشيبي. كان هذا اللواء، الذي يعتبر من أهمّ ألوية الجيش اليمني يحمي البوابة الشمالية لصنعاء. كان علي عبدالله صالح، على الرغم من تحسّسه تجاه كلّ ما له علاقة بالإخوان المسلمين والعميد القشيبي المرتبط بخصمه اللواء علي محسن صالح (نائب رئيس الجمهورية حاليا) يعرف معنى عدم التصدي للحوثيين في عمران.

حصل ما حصل في اليمن ووصل “أنصار الله” إلى صنعاء بعدما قضوا على اللواء 310 واستولوا على أسلحته وقتلوا القشيبي. تابعوا مسيرتهم، وهي مسيرة إيرانية، في اتجاه تعز، حيث لهم وجود بفضل علي عبدالله صالح. كان علي عبدالله صالح قائد لواء تعز، قبل أن يصبح رئيسا في العام 1978. التفّوا على تعز وسيطروا على عدن. ذهب “أنصار الله” إلى أبعد من ذلك. كان هناك إصرار على الاستيلاء على ميناء المخا الاستراتيجي الذي يتحكّم بباب المندب الذي هو في نهاية المطاف المدخل إلى قناة السويس.

لم يكن مسمـوحا أن يضع الحوثيون يدهم على اليمن. حرّرت “عاصفة الحزم” مأرب وحرّرت عدن والمكلا (عاصمة حضرموت) وواجهت في الوقت ذاته “القاعدة” في أبين وشبوه. لم تكن هناك من حرب على اليمن. كان هناك تحرير للمحافظات الجنوبية من “أنصار الله” وإصرار على متابعة الوجه الآخر للحرب، أي الحرب على الفقر والتخلّف والأمراض. من يحارب الفقر، إنّما يحارب الإرهاب بكل أشكاله. إنها الحرب التي باشرها الشيخ زايد عندما أعاد بناء سدّ مأرب من أجل تمكين اليمنيين من التمسّك بأرضهم والبقاء فيها.

في سياق الحرب وطرد “أنصار الله” من مناطق ساحلية في غاية الأهمّية ومن المحافظات الجنوبية، تابعت دولة الإمارات الاستثمار في كلّ ما من شأنه مساعدة اليمنيين على تجاوز المأساة التي يعيشونها. فعلت ذلك بغض النظر عن الحسابات السياسية والمصالح الضيقة للحوثيين وعلي عبدالله صالح وتطلعات الرئيس الانتقالي الذي لا يعتقد أن شيئا ما تغيّر في اليمن. لا يزال عبدربّه منصور أسير عقدة سلفه، رافضا الاعتراف بأنّه لا يستطيع العودة إلى صنعـاء وأن عـدن لا ترحّب به. تصرّف بطريقة غيـر لائقـة عندما حاول السيطرة على مطار عـدن غير مبال بأن هذا المطار ليس مجرّد بـاب رزق لأنصـاره، بمقـدار ما إنّه جـزء من منظومة أمنية تتجاوز حدود اليمن.

بلغة الأرقام، بنت الإمارات مدارس وحاولت إصلاح التعليم في كلّ المناطق التي استعيدت من “أنصار الله”. دعمت كلّ المنظمات الدولية التي تساعد اليمنيين على التقاط أنفاسهم. دعمت الأمم المتحدة نفسها كي تتمكن من القيام بدورها في اليمن. لا توجد منظمة تابعة للأمم المتحدة إلّا وحصلت على مساعدات إماراتية، بما في ذلك “يونيسيف” و”منظمة الصحة العالمية”. من يريد أرقاما محدّدة وواضحة، هناك ما يثبت له انّه جرى إعادة إعمار وترميم 154 مدرسة في محافظتي عدن ولحج. كانت هناك صيانة لأكثر من 230 مدرسة في مختلف المحافظات.

شملت المساعدات الإماراتية المجال الصحّي والأمني. لم تترك مجالا تستطيع فيه مساعدة اليمن إلا ووظفت فيه ما تستطيع توظيفه. فعلت كلّ ذلك من أجل الوصول إلى مرحلة يتمكن فيها اليمنيون من أن يكونوا أسياد نفسهم، بعيدا عن التدخلات الخارجية في بلد يموت فيه طفل كلّ عشر دقائق!

هل الاستثمار في الوجه الآخر للحرب اليمنية استثمار في محلّه؟ الجواب بكلّ بساطة نعم وألف نعم. اليمن بلد يستحقّ الحياة، واليمنيون ليسوا سوى شعب يبحث عن مستقبل أفضل. الاستثمار ذو الطابع الإنساني والإنمائي في اليمن سيساعد اليمنيين في الوصول مستقبلا إلى صيغة جديدة لبلدهم تسمح لهم بالخروج من أسرّ أنانية السياسيين الذين لا هدف لهم سوى حماية مصالحهم التي لا علاقة لها بطموحات المواطن العادي من قريب أو من بعيد.

المصدر : صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوجه الآخر للحرب اليمنية الوجه الآخر للحرب اليمنية



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya