إيران والكلام الأميركي السليم والجميل

إيران والكلام الأميركي السليم والجميل

المغرب اليوم -

إيران والكلام الأميركي السليم والجميل

بقلم ـ خيرالله خيرالله

هناك للمرّة الأولى إدارة أميركية، ليست لديها عقدة إيران. تدرك هذه الإدارة أبعاد ما تقوم به إيران على الصعيدين الإقليمي والدولي وحتى داخل إيران نفسها، وما تمارسه في حق المواطن الإيراني العادي الذي تخلّت عنه إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إبان “الثورة الخضراء”.

يكفي التمعن بمضمون الكلمة التي ألقتها قبل أيّام نيكي هايلي، مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في جلسة لمجلس الأمن للتأكّد من ذلك. بعدما أشارت هايلي، المعروفة بجرأتها، إلى أن إيران ترسل أسلحة إلى “حزب الله” في لبنان وسوريا وإلى الحوثيين في اليمن وتهدد الملاحة الدولية وتقمع الشعب الإيراني بكلّ مكوناته، اعتبرت أن “الحكم على إيران يجب أن يأخذ في الاعتبار “سلوكها العدائي ككل”. ركّزت على “أن عدم فعل ذلك يعتبر غباء”. يبدو الكلام الذي صدر عن مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سليما وجميلا إلى أبعد حدود. لكنّه يمكن أن يتحوّل “غباء” في حال عدم الانتقال إلى مرحلة ما بعد الكلام السليم والجميل في الوقت ذاته.

في سياق كلامها السليم والجميل، تطرّقت هايلي، التي تعتبر من أبرز وجوه إدارة دونالد ترامب، إلى تطوير الصواريخ الباليستية خصوصا، وإلى أن من الخطأ حصر التعاطي مع إيران من منطلق التزامها بالبنود الواردة في الاتفاق النووي وخطوطه العامة. قالت إن الاكتفاء بذلك يعني القبول بوجود كوريا الشمالية الثانية. أرادت أن تقول بكل بساطة إن إيران تتجه إلى أن تكون كوريا شمالية أخرى. وتساءلت كيف يمكن القبول بذلك؟

من الملفت أن كلام هايلي جاء في سياق توجّه أميركي عام، تحوّل إلى برنامج للإدارة ونهج لها. كان خطاب الرئيس دونالد ترامب في الثالث عشر من تشرين الأوّل الجاري إشارة انطلاق إلى وجود نيّة للتصدي للمشروع التوسّعي الإيراني الذي ما كان ليأخذ بعده الراهن لولا سقوط العراق في العام 2003. ما يمكن فهمه من الخطاب التاريخي للرئيس الأميركي، الذي يُخشى دائما من أن ينتهي كلامه بأن يصبح مجرّد كلام، أن أميركا لا تعتبر إلغاء الاتفاق في شأن الملفّ النووي معركتها.

معركتها في تعديل هذا الاتفاق ليشمل أمورا أخرى من بينها “السلوك العدائي لإيران ككل” الذي تعبّر عنه ميليشياتها المذهبية المنتشرة في كلّ المنطقة والصواريخ الباليستية. مثل هذا التعديل لبنود الاتفاق، الذي لا يمكن أن تقبل به إيران نظرا إلى أنّه يجعل منها دولة طبيعية من دول المنطقة، يمكن أن يشكل قاعدة مشتركة بين الأميركيين والأوروبيين. هناك قلق أوروبي شديد من الصواريخ الباليستية ومن استمرار التجاهل للميليشيات المذهبية وخطورتها، وهي ميليشيات لا تقلّ وحشية وعدوانية عن “داعش”.

لم يكن سقوط العراق بحجة الانتهاء من نظام صدّام حسين سوى انطلاقة جديدة للمشروع التوسّعي الإيراني الذي يستهدف تفتيت المجتمعات العربية الواحد تلو الآخر وصولا إلى اليوم الذي تعقد فيه إيران الصفقة الكبرى مع “الشيطان الأكبر” الأميركي بموافقة “الشيطان الأصغر” الإسرائيلي في ظلّ تصفيق روسي وقبول تركي. هل لدى الإدارة الأميركية القدرة على استيعاب ذلك واستيعاب انّ ترددات الزلزال العراقي ما زالت تعمل فعلها في المنطقة الممتدّة من المحيط إلى الخليج؟

في حال كانت الإدارة الأميركية جدّية في التعاطي مع إيران وإعادتها إلى حجمها الطبيعي، يُفترض بها عدم تجاهل ما آل إليه الوضع في لبنان. لا حاجة إلى العودة سنوات إلى الخلف لاستعادة كيف زادت الهجمة الإيرانية على لبنان منذ سقوط العراق. صحيح أنّ ليس في الإمكان في أيّ شكل الدفاع عن نظام صدّام حسين وما ارتكبه في حقّ العراقيين وأهل الخليج، خصوصا الكويت، لكنّ الصحيح أيضا أن الحرب الأميركية على العراق كانت أيضا حربا إيرانية.

كانت إيران الحليف الوحيد للولايات المتحدة في تلك الحرب التي انتهت بانتصار إيران وهزيمة أميركا على كلّ صعيد. لا لشيء سوى لأنّ الهدف الأميركي من اجتياح العراق كان إقامة نظام جديد يكون نموذجا لما يجب أن تكون عليه الأنظمة في المنطقة. فشل الأميركيون في ذلك. صار النظام الذي سعت إيران إلى إقامته في العراق هو النموذج الذي يجري تصديره للمنطقة، وهو نظـام الدولة الدينية الذي يقوم على إثارة الغرائز المذهبية قبل أيّ شيء.

كان لبنان من الضحايا الأولى للفشل الأميركي في العراق. لم يكن التخلص من رفيق الحريري مجرّد صدفة. بات في الإمكان قول هذا الكلام بعدما تكشّفت حقيقة من نفّذ الجريمة والظروف التي رافقت تفجير موكب الرجل، الذي تحوّل زعيما وطنيا لبنانيا ذا امتدادات عربية ودولية واسعة.

تبدو العودة إلى لبنان ضرورية بين حين وآخر، ذلك أن البلد كان من بين المتضررين الأساسيين من المشروع التوسّعي الإيراني الذي استطاع عزله عن محيطه العربي. من يتابع التطورات التي شهدها لبنان منذ اغتيال رفيق الحريري، لا يستغرب الحال التي يعيشها لبنان حاليا في ظلّ مخاوف من أن ينجح “حزب الله” في السنة 2018 في السيطرة على مجلس النوّاب في ظلّ قانون انتخابي، قائم على النسبية، لا هدف منه سوى تشتيت الأحزاب والكتل التي وقفت مع مشروع السيادة اللبنانية. انهار هذا المشروع، كليا، مع منع مجلس النواب من انتخاب رئيس للجمهورية طوال ما يزيد على عامين، ومع احتقار “حزب الله” الحدود اللبنانية، ودخوله طرفا مباشرا في الحرب على الشعب السوري من منطلق مذهبي ليس إلا.

من أين يمكن أن تبدأ الإدارة الأميركية في التصدي للمشروع التوسّعي الإيراني. يمكن أن تبدأ من لبنان ومن سوريا ومن العـراق. ما ليس طبيعيا أي سكوت عن فتح الحدود بين سوريا والعراق كي تصبح ممرا للميليشيات المذهبية والأسلحة التي تصدرها إيران إلى سوريا. ما ليس طبيعيا تضع إيران يدها على كركوك بواسطة “الحشد الشعبي” بعد الهزيمة التي لحقت بالأكراد نتيجة الحسابات التي قام بها مسعود البارزاني، وهي حسابات لم تأخذ في الاعتبار أن الإدارة الأميركية ليست في وارد دعم الاستفتاء الكردي في الظروف الراهنة، وأنّها لن تتصدى لميليشيات إيران في العراق.

ما ليس طبيعيا ترك لبنان لمصيره، علما أن إشارات مشجعة صدرت أخيرا مرتبطة بضرورة وضع حدّ لهيمنة “حزب الله” على الأراضي اللبنانية وما بقي من مؤسسات الدولة. هناك للمرّة الأولى أيضا كلام عن خطورة هذا الحزب، بصفة كونه أداة إيرانية، ليس على لبنان فحسب بل على دول المنطقة أيضا، بما فيها الكويت.

ورد هذا الكلام في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن تطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن صيف العام 2006. لا يمكن الاستخفاف بهذا التقرير وما ورد فيه لجهة الفهم الجديد في الأمم المتحدة لدور “حزب الله” على الصعيد الإقليمي في إطار المشروع التوسّعي الإيراني. هناك استيعاب لما يعانيه لبنان نتيجة التغاضي عن المشروع التوسّعي الإيراني وأدواته.

المسألة مسألة وقت فقط، يتبيّن بعدها هل ستكون هناك سياسة أميركية متماسكة تجاه إيران، سياسة تؤكد أن كلام نيكي هايلي ليس مجرّد كلام ينمّ عن وجود فريق عمل أميركي يعرف تماما ما هي إيران، ويكتفي بالكلام السليم والجميل بدل الانتقال إلى ما هو أبعد من ذلك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران والكلام الأميركي السليم والجميل إيران والكلام الأميركي السليم والجميل



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 04:36 2015 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

انهيار امرأة إندونيسية أثناء تطبيق حُكم الجلد عليها بالعصا

GMT 11:45 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

تمويل "صندوق الكوارث" يثير غضب أصحاب المركبات في المملكة

GMT 15:37 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

الكرة الطائرة بطولة الأكابر الكلاسيكو يستقطب الاهتمام

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 09:21 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الوداد يعترض تقنيا على إشراك مالانغو

GMT 22:02 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على مجوهرات المرأة الرومانسية والقوية لخريف 2019

GMT 08:43 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة إعداد فتة الحمص اللذيذة بأسلوب سهل

GMT 03:11 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

6 علامات رئيسية يرتبط وجودها بفقر الدم الخبيث

GMT 01:10 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالة مُثيرة لـ "سكارليت جوهانسون" بفستان أحمر

GMT 19:50 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

الكاس يجدد عقده مع نهضة بركان لموسمين

GMT 20:28 2018 السبت ,29 كانون الأول / ديسمبر

توقيف قطار من أجل مواطنة روسية في محطة فاس

GMT 15:33 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

احتجاجات في المغرب بارتداء السترات الصفراء على غرار فرنسا

GMT 07:21 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أبرز وجهات شهر العسل في كانون الأول

GMT 17:17 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل محاكمة راقي بركان إلى غاية كانون الثاني المقبل

GMT 09:08 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على Amilla"" أفضل منتجع في جزر المالديف الخلابة

GMT 02:41 2018 الإثنين ,15 تشرين الأول / أكتوبر

استخدمي مكياج خريفي سريع في ثلاثة خطوات

GMT 22:19 2018 السبت ,29 أيلول / سبتمبر

"شاومي" تكشف عن هاتفها "Redmi Note 6 Pro"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya