عندما يصالح الأردن العرب مع الواقع

عندما يصالح الأردن العرب مع الواقع

المغرب اليوم -

عندما يصالح الأردن العرب مع الواقع

بقلم - خيرالله خيرالله

لم تكن قمّة البحر الميّت في الأردن سوى محاولة لمصالحة العرب مع الواقع في ظلّ ظروف إقليمية معقّدة من جهة، وإدارة أميركية جديدة ما زالت تسعى إلى بلورة سياستها الشرق الأوسطية والخليجية من جهة أخرى.

قبل كلّ شيء، لا بدّ من الإشارة إلى أن الأردن لعب دورا كبيرا في تأمين المكان الذي يصلح لمصالحات عربية – عربية يمكن أن تمهّد لنوع من التوازن على الصعيد الإقليمي. كان هناك كلام صريح للأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط عن غياب هذا التوازن إذ قال “الملفات الأهمّ (في المنطقة) ليست في حوزتنا”. كان يشير خصوصا إلى سوريا وإلى وجود نفوذ لقوى مختلفة على الأرض السورية ما عدا العرب. كان خطاب أبوالغيط في القمّة من النوع الذي يمكن وصفه بعبارة الخطاب المتطوّر الذي يشير إلى وجود أمين عام لجامعة الدول العربية يسعى إلى أن يكون مختلفا، أقلّه بالنسبة إلى الارتقاء إلى مستوى الأحداث المصيرية على الصعيد الإقليمي.

في كلّ الأحوال، كان الملك عبدالله الثاني، رئيس القمّة، صريحا في شرحه لما يمكن عمله ولما لا يمكن عمله وذلك عندما ركّز على القضيّة الفلسطينية مؤكدا أنها لا تزال القضية “المحورية” وأن المطلوب بكل بساطة التركيز على حـل الدولتين وعلى إنقـاذ القدس من منطلق الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدّسة الإسلامية والمسيحية في المدينة. لا يزال في استطاعة العرب القيام بشيء ما في المجال الفلسطيني، خصوصا في حال وفّروا الغطاء المطلوب توفيره للفلسطينيين كي يعيدوا بناء إستراتيجية جديدة تساعد في جعل الإدارة الأميركية تلعب مجـددا دورا يحد من الغلو الإسـرائيلي. في النهاية، هل تريد إسرائيل حلا جذريا يعيد للفلسطينيين بعض حقوقهم، أم تعتقد أن المطلوب استمرار الاحتلال إلى ما لا نهاية؟ هل يمكن أن يبقى رهانها على ترهل السلطة الوطنية بشكلها الحالي ورهانها على الاكتفاء بالتنسيق الأمني مع إسرائيل؟

ما كان للقمّة العربية أن تنعقد وأن توفّر مساحة لمصالحات من دون الدور الأردني ومن دون عبدالله الثاني القادر على التحدّث إلى الجميع. أكّدت قمّة البحر الميت، ما يجهله كثيرون، وهو أن الدور الأردني ليس مصطنعا، بمقدار ما أنّه دور حقيقي على الصعيد الإقليمي، بل حاجة عربية في كلّ وقت.


الثابت أنّ المملكة العربية السعودية تنبّهت إلى هذا الأمر. لذلك، سبقت انعقاد القمّة زيارة قام بها الملك سلمان بن عبدالعزيز لعمّان. تخلّل الزيارة توقيع سلسلة من الاتفاقات السعودية – الأردنية تساعد الاقتصاد في المملكة الهاشمية على تجاوز الأزمة العميقة التي يمرّ فيها.

لم يكن الأمر متعلّقا بقمّة عربية فقط. كان متعلّقا أيضا بمعالجة شاملة لوضع غير ميؤوس منه في ظلّ تحديات من نوع جديد لا تسمح ببقاء العلاقات السعودية ـ المصرية على حالها. في ظل هذه التحديات، لا يمكن أن تكتفي القوى العربية الفاعلة بالتفرج على ما يدور في بلد مهمّ مثل العراق. كان الاحتلال الأميركي للعراق الذي سبقته المغامرة المجنونة لصدام حسين في الكويت عام 1990 في أساس الهجمة الإيرانية على كلّ ما هو عربي في المنطقة، وصولا إلى اليمن بعد الذي حل بالعراق نفسه وسوريا ولبنان، وحتّى البحرين.

كان لا بدّ من العودة إلى العراق. لذلك استقبل الملك سلمان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على الرغم من أن اللهجة التي ميّزت خطابه في القمّة لا توحي بأنّ العبادي قادر على الذهاب بعيدا في العودة بالعراق إلى الحضن العربي. المسألة مسألة وقت فقط وانتهاء معركة الموصل. سيتبيّن بعد معركة الموصل من يحكم العراق فعلا. هل رئيس الوزراء أم “الحشد الشعبي” الذي يضمّ مجموعة من الميليشيات المذهبية التابعة لأحزاب عراقية تابعة مباشرة لإيران. لم يندّد العبادي في خطابه أمام القمّة بـ“الحشد الشعبي”. هذا مؤسف. على العكس من ذلك، أشاد به. تلك الإشادة مع التركيز فقط على إرهاب “داعش” لا تبشّر بالخير. ولكن ما العمل؟ لا بدّ من مساعدة العراق في استعادة هويته العربية بالمفهوم الحضاري الذي يعترف بالمساواة بين المواطنين بغض النظر عن القومية والديانة والطائفة والمذهب والمنطقة…

كان لا بدّ من قمّة البحر الميت. كانت القمّة أكثر من ضرورة لتأكيد أن هناك موقفا عربيا موحّدا إلى حدّ كبير من التدخلات الإيرانية. حتّى لبنان وافق على إدانة التدخلات الإيرانية بعدما اكتشف أن لا مصلحة له في استعداء أهل الخليج والعرب عموما.

كان لا بدّ من قمة البحر الميّت أيضا لاكتشاف أن لا خيار آخر أمام العرب غير البحث عن وسيلة لإثبات أنهم ما زالوا موجودين في المعادلة الشرق أوسطية والخليجية. كان هناك خطاب ملفت لأمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الذي دعا العرب إلى “الترفع عن الخلافات” و“استخلاص العبر” من الأحداث التي تشهدها المنطقة. استقبل أمير الكويت رئيس الوزراء العراقي أيضا، فيما بدا أنّ هناك نيّة عربية جماعية لاستكشاف ما إذا كان في الإمكان تحقيق نتائج إيجابية على صعيد استعادة العراق من جهة، والرهان على مصر كي تلعب الدور المطلوب منها في إيجاد نوع من التوازن مع كلّ من إيران وتركيا.

كان في القمّة أيضا كلام لافت وعصري لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد إن بدعوته إلى الفصل بين الخلافات العربية و“مجالات التعاون التي تهمّ مواطنينا ومجتمعاتنا”، وان بتذكيره بطبيعة الأزمة السورية. قال في هذا المجال إنه “لا يجوز أن يغيب عن بالنا أن الشعب السوري لم يشرّد بسبب كارثة طبيعية، بل لأن نظام الحكم شنّ عليه حربا شعواء”. من الضروري بين وقت وآخر إعادة تفعيل الذاكرة وشرح الأسباب الحقيقية للمأساة السورية.

لم يعد من مجال للتهرّب من تسمية الأشياء بأسمائها في عالم لا يرحم. كانت قمّة البحر الميّت محاولة للتعاطي مع الواقع. ثمّة حاجة إلى تعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة في حال المطلوب تفادي الانتهاء من خيار الدولتين في فلسطين. لا مفرّ من الذهاب إلى النهاية في محاولة استعادة العراق، ولا مفرّ أيضا من علاقات طبيعية مع مصر من أجل التصدّي للمشروع التوسعي الإيراني الذي تتبيّن خطورته أكثر فأكثر كلما مر يوم. لذلك، كان خيار انتزاع مصر من بين فكي الإخوان المسلمين خيارا إجباريا ووطنيا في صيف العام 2013. كان خيارا لا بديل منه في حال المطلوب عدم سقوط المنطقة والبحث مجددا عن طرق لتفادي الأسوأ.

في البحر الميت، كان الروسي والأميركي والأمين العام للأمم المتحدة. كذلك كان حاضرا الاتحاد الأوروبي وممثل لفرنسا. لم يكن من خيار آخر غير خيار المحاولة انطلاقا من دولة اسمها المملكة الأردنية الهاشمية التي واجهت منذ قيامها سلسلة من التحديات تصدّت لها بالتحول إلى دولة مؤسسات قبل أي شيء آخر. لذلك ختم عبدالله الثاني القمّة بدعوته إلى “مأسسة” العمل العربي المشترك، لعل العرب عموما يواجهون تحديات المرحلة الراهنة، وهي تحديات ذات طابع استثنائي وحجم كبير بالاستفادة من تجربة الأردن الذي هو دولة مؤسسات أوّلا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يصالح الأردن العرب مع الواقع عندما يصالح الأردن العرب مع الواقع



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 01:34 2016 الإثنين ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

برج العنزة..خجول وحساس وكريم تجاه الأشخاص الذين يحبونه

GMT 08:44 2019 الجمعة ,01 آذار/ مارس

أحمد زكي

GMT 04:59 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على مواصفات سيارة ميتسوبيشي Triton الجديدة

GMT 07:52 2018 الجمعة ,01 حزيران / يونيو

"لاكوست" تطرح مجموعة جديدة ومبتكرة من الأحذية

GMT 14:40 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

5 أمراض يجب على أصحابها تجنب تناول "الثوم"

GMT 16:19 2015 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

فوائد التفاح للوقاية من تصلب الشرايين

GMT 17:35 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"طيران الإمارات" تستعد لتشغيل طائرة "إيربـاص A380" إلى الدوحة

GMT 14:13 2013 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

‫‏الببلاوي‬ : ‫قانون التظاهر‬ سينفذ بكل قوة و بكل حرص

GMT 18:19 2015 الأحد ,11 كانون الثاني / يناير

ماسك العسل و الليمون لشد البشرة بشكل رائع

GMT 16:10 2016 السبت ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

المغرب يقرر حفر بئر ثالثة في تندرارة بعد تأكد وجود الغاز

GMT 10:35 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار ساحرة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya