الاستثناء المغربي مجدّدًا

الاستثناء المغربي مجدّدًا

المغرب اليوم -

الاستثناء المغربي مجدّدًا

بقلم : خيرالله خيرالله

ليست المسألة مسألة افتتاح معمل لسيارات “بيجو” في مدينة القنيطرة المغربية فقط. المسألة هي لماذا في استطاعة الملك محمّد السادس أن يكون راعيا للاحتفال بمثل هذا المصنع الذي يؤمّن الآلاف من فرص العمل في منطقة لا تبعد كثيرا عن الرباط عاصمة المملكة المغربية؟

لماذا استطاع محمّد السادس تكريس الاستثناء المغربي، مرّة أخرى، في العلاقة مع أوروبا وأفريقيا وفي مجال تحويل المملكة المغربية إلى جاذب للاستثمارات المفيدة التي تخلق فرص عمل في وقت تعاني أوروبا عموما من مشاكل اقتصادية كبيرة؟

في النهاية لا شيء ينجح مثل النجاح وليس ما يدل على النجاح غير لغة الأرقام والوقائع. لم يكن ممكنا أن تبني شركة مثل “بيجو” معملا في المغرب لو لم تتوفّر البنية التحتية التي سمحت بقيام مثل هذا المعمل الصديق للبيئة بكلّ ما ينتجه.

هناك قبل كلّ شيء المناخ المغربي المشجّع للاستثمارات الأجنبية. هناك اليد العاملة الرخيصة نسبيا وذات المؤهلات العالية. هناك قرب المغرب من أوروبا وهناك خط القطار السريع الذي يربط الدار البيضاء بطنجة والذي يمرّ بالقنيطرة. باختصار شديد، هناك جو ملائم لقيام مثل هذه المشاريع في المغرب.

بلغة الأرقام والوقائع ما حدث كان التالي: ترأس الملك محمد السادس يوم الخميس الماضي في المنطقة الصناعية المندمجة “أتلانتيك فري زون” (Atlantic Free Zone) في القنيطرة، احتفالا بتدشين المنظومة الصناعية للمجموعة الفرنسية “بي إس أ” في المغرب. سيحفّز هذا المشروع تطوير قطاع السيارات الوطني ويكرس تميز علامة “صنع في المغرب”.

أشرف الملك في المناسبة، على تدشين المصنع الجديد لمجموعة “بي إس أ” الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 100 ألف عربة ومحرك مرتبط بها، سنويا. كما أشرف محمّد السادس على إعطاء انطلاقة ورشة توسعة هذا المركب الصناعي من الجيل الجديد، الذي ستتضاعف طاقته الإنتاجية، حتى قبل 2023، التاريخ المرتقب لتحقيق هذا الهدف، والذي سيوفر 4 آلاف فرصة عمل في غضون ثلاث سنوات.

معروف أن مجموعة “بي إس أ” الفرنسية هي مالكة “بيجو” وشركات سيارات أخرى. يصعب على شركة من هذا النوع الاستثمار في المغرب لولا وجود الأجواء المناسبة لذلك وصولا إلى شراء معظم قطع السيارات التي تستخدم في إنتاج “بيجو” من داخل المملكة. هذا يعني في طبيعة الحال أن يصبح المغرب جزءا لا يتجزّأ من صناعة السيارات في العالم، بما في ذلك السيارات الكهربائية وكل وسائل النقل الصديقة للبيئة.

إذا كان من ملاحظة، على سياق الاحتفال بتدشين المصنع الجديد لـ”بيجو”، فهذه الملاحظة مرتبطة بوجود شركات أخرى في “أتلانتيك فري زون” في القنيطرة. هذه الشركات صينية ويابانية. يعكس ذلك مدى الاهتمام الدولي بالمغرب من جهة وقدرة المغرب على إقامة شبكة علاقات واسعة من جهة أخرى. لم يعد في الإمكان تجاهل أقطاب الاقتصاد العالمي مثل الصين واليابان. لم يعد أيضا في استطاعة أقطاب الاقتصاد العالمي تجاهل المغرب.

الأهمّ من ذلك كلّه أن صناعة السيارات في المغرب تعني قبل أيّ شيء آخر خدمة الإنسان المغربي، إضافة إلى أنها حلقة في سلسلة تصبّ كلها في تطوير المملكة على كلّ الصعد. ما لا يمكن تجاهله هو أنّ مصنعا آخر للسيارات في المغرب سيؤدي إلى تخريج مهندسين من أبناء البلد. يأتي ذلك في وقت زادت عائدات صناعة السيارات من حوالي ثلاثين مليار درهم (نحو ثلاثة مليارات دولار) إلى 65 مليار درهم، موفرا ما يقارب 190 ألف فرصة عمل.

لا وجود لأي عقد من أي نوع في المغرب. المطلوب بكل بساطة متابعة الحرب على الفقر والتخلّف والتطرف بكلّ أشكالها. لذلك يندرج مشروع “بيجو” الجديد في القنيطرة في إطار أوسع. هذا الإطار هو شبكة الطرقات الحديثة التي تمددت في كلّ الاتجاهات، فضلا عن البحث عن الطاقة المتجددة، خصوصا الطاقة الشمسية. لا يترك المغرب بابا يمكن الولوج منه إلى تطوير البلد ومواطنيه على كلّ الصعد إلاّ ويطرقه. المهمّ هو خلق الظروف المناسبة التي تسمح بنقل المغرب إلى مصاف الدول الحديثة المرتبطة بالاقتصاد العالمي.

في منطقة تشهد كلّ أنواع الاضطراب السياسي، عرف المغرب كيف يحصّن وضعه الداخلي. لا يمكن عزل مصنع القنيطرة والمنطقة الحرّة فيها عن تطوير طنجة وميناء طنجة- ميد (طنجة – البحر المتوسط) ووجود مصانع للسيارات هناك، من بينها مصنع لشركة فرنسية أخرى هي “رينو”. كذلك، لا يمكن عزل ما شهدته القنيطرة عن المشهد المغربي العام الذي يشمل تطوير الحياة السياسية عبر إصلاحات أقرّت في دستور العام 2011. هذه الإصلاحات وضعت الأحزاب السياسية المغربية أمام مسؤولياتها وأجبرتها على إعادة النظر في أوضاعها الداخلية.

في النهاية، كانت الحاجة في كلّ وقت إلى رؤية للمستقبل. كانت الحاجة في واقع الحال إلى قيادة شجاعة ترسم للمغاربة الخط الواجب اتباعه في حال كان مطلوبا تطوير بلدهم كي يكون في مستوى التحديات الإقليمية والدولية وكي يكون المغرب بالفعل جسرا يربط بين أوروبا وأفريقيا.

من الواضح أنّ في أساس هذه الرؤية تلك القدرة على ممارسة القيادة عن طريق مصارحة المغاربة، بما في ذلك القول لهم إن تطوير التعليم ضرورة وإن اللغات الأجنبية حاجة ماسة من أجل دخول عالم المعرفة.

في الطريق من الدار البيضاء إلى طنجة، لم تعد القنيطرة مجرّد مدينة صغيرة مهملة يتذكرها أولئك الذين يتذكرون أحداث الماضي القريب، بما في ذلك أنّه كانت فيها قاعدة جوّية أميركية أو الكلية العسكرية التي شارك طلابها في محاولة انقلابية فاشلة صيف العام 1971 بتأثير مواد مهلوسة أعطاهم إيّاها بعض الضباط الموتورين…

صارت القنيطرة في عهد محمّد السادس محطّة مهمة من محطات الخط السريع الذي يسلكه “البرّاق” وهو القطار الذي بات يربط بين الدار البيضاء وطنجة في ساعتين. في عهد محمّد السادس، لم تعد هناك مدينة أو منطقة مهملة في المغرب. صحيح أنّ في الإمكان الكلام عن مشاكل ما زالت بعض المناطق تعاني منها، لكنّ الصحيح أيضا أنّ هناك متابعة واستمرارية لكلّ مشروع يستهدف الانتقال بالمغرب إلى وضع جديد يسمح له بإيجاد مكان على خارطة شمال أفريقيا وأفريقيا نفسها وأوروبا. لا شيء يحصل بالصدفة في هذا العالم. ولذلك ليس صدفة أن شركات كبيرة مثل “بي إس أ” اختارت الدار البيضاء لتكون غرفة القيادة لنشاطها في المنطقة. في المغرب هناك دور للمكان وهناك دور للإنسان في الوقت ذاته… وهناك دور للمناخ العام في البلد، أي للاستقرار في طبيعة الحال.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستثناء المغربي مجدّدًا الاستثناء المغربي مجدّدًا



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 21:14 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تجنب اتخاذ القرارات المصيرية أو الحاسمة

GMT 19:24 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

اتيكيت التعامل مع كبار السن

GMT 05:33 2020 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

اتيكيت العريس عند التقدم للخطبه

GMT 18:30 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الفنان المصري الكبير محمد خيري بعد صراع مع المرض

GMT 09:37 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

المسماري يطالب لبنان بالاعتذار عن حادث العلم الليبي

GMT 14:54 2019 الإثنين ,14 كانون الثاني / يناير

افضل عطور "جيفنشي" للتمتع بسحر وجاذبية في امسياتك الراقية

GMT 11:50 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

حاكم الفجيرة يستقبل أعضاء الاتحاد الإماراتي للرماية

GMT 00:49 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

مجلس المرأة العربية يجدد دعوته لدعم ذوي الحاجات الخاصة

GMT 05:19 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

84,001 عدد الأجانب المقيمين في المغرب

GMT 04:01 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

خليفة حفتر يعلن انتهاء اتفاق "الصخيرات" ويواجه دول الجوار

GMT 15:39 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

خلال ختام مهرجان دبي السينمائي في نسخته الرابعة

GMT 18:37 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

رياض محرز يوجّه رسالة للاعبين الشباب ويروي تجربته

GMT 16:24 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة شخصين في حادث سير على طريق الخميسات -الرباط

GMT 03:47 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يستضيف رئيس الوزراء الليبي فائز السراج يوم الجمعة

GMT 07:59 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

لاعبان في النادي القنيطري مهددان بالطرد من شقتهما

GMT 18:15 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل طفلين وإصابة امرأة بجروح خطيرة بحادث سير في تيفلت
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya