الأردن والغاز الإسرائيلي… من لديه أفضل

الأردن والغاز الإسرائيلي… من لديه أفضل؟

المغرب اليوم -

الأردن والغاز الإسرائيلي… من لديه أفضل

بقلم : خيرالله خيرالله

صنع بعض المعارضين في الأردن قضية من صفقة شراء المملكة الغاز من إسرائيل. أطلقوا شعارات طنانة تكشف حالا من غياب النضج السياسي واعتصموا في عمان. لم يطرح هؤلاء سؤالا واحدا في غاية البساطة: لماذا صفقة الغاز مع إسرائيل وما البديل من الصفقة؟ هل هناك من هو مستعد لبيع الأردن، الذي يعاني من أزمة اقتصادية حقيقية، الغاز بشروط أفضل؟

في كلّ الأحوال، لا حاجة إلى مزايدات ومزايدين في الأردن حيث هناك استعداد للعودة عن الاتفاق في شأن الغاز مع إسرائيل في حال توفّر غدا من يستطيع تقديم البديل. الكلام سهل وإطلاق الشعارات أسهل، فيما التظاهر يمكن أن يكون مفيدا لكشف أمر واحد. هذا الأمر هو أن هناك، في القرن الواحد والعشرين، بين المواطنين العرب في الأردن وغير الأردن من يعيش في عالم آخر، أقرب إلى أن يكون عالما وهميا.

لعلّ أسوأ ما في التعاطي مع كلّ ما له علاقة بالأردن من قريب أو بعيد تجاهل أن المملكة استطاعت دائما الدفاع عن نفسها في وجه أولئك الذين زايدوا عليها بالوطنية. لا يحتاج الأردن إلى دروس في الوطنية من أحد، خصوصا من أولئك الذين لا يعرفون شيئا لا عن الغاز ولا عن غير الغاز، إضافة إلى أنّ لا علاقة لهم بلغة الأرقام. الأردن يعطي دروسا في هذه المادة، مادة الوطنية، خصوصا أنه تحمّل وما زال يتحمّل أعباء تفوق طاقته.

هناك اتفاق سلام وقّع في العام 1994 بين الأردن وإسرائيل. بعد توقيع هذا الاتفاق الذي أعاد للأردن حقوقه في الأرض والمياه ورسم حدود الدولة الفلسطينية التي قد ترى النور يوما، ما الذي يمنع الأردن من شراء الغاز من إسرائيل في حال وجد أن السعر مناسب له؟ أكثر من ذلك، هل تنقص الغاز الإسرائيلي جهات على استعداد لشرائه؟

اعتمد الأردن في الماضي على تسهيلات في المجال النفطي حصل عليها من العراق في أيّام صدّام حسين. هذه التسهيلات لم تعد موجودة. استورد الغاز من مصر بعد تحويل معامل الطاقة فيه كي تعمل بهذا النوع من الوقود. اكتشف مع الوقت أن مصر لم تعد قادرة على تلبية حاجاته. تعرّض خط الغاز المصري في سيناء إلى ما يزيد على عشرين عملية تفجير كبدت الأردن خسائر بقيمة أربعة مليارات دولار منذ العام 2011.

قبل ذلك، وفي عهد محمد مرسي، حين كان الإخوان المسلمون في السلطة، استخدم الغاز لابتزاز الأردن. كان هذا الغاز يتوقف بين حين وآخر من أجل الضغط على الأردن وخلق اضطرابات داخلية فيه. هل من يتذكّر ذلك؟ هل من يتذكّر محاولات الإخوان المسلمين الإساءة إلى الأردن وإيذائه بهدف فرض نفسهم قوّة سياسية مهيمنة في المملكة؟

ليست هناك أطراف عربية أو غير عربية على استعداد في هذه المرحلة لمساعدة الأردن في مجال الغاز خصوصا والطاقة عموما. ما هي إذا خيارات الأردن؟ هل مطلوب منه الانتحار سياسيا واقتصاديا لإظهار معاداته لإسرائيل التي لا فارق لديها إذا اشترى الأردن نفطها أم لم يشتره؟ إذا استطاعت المملكة الهاشمية توفير ستمئة مليون دولار في السنة أين المشكلة في ذلك في وقت تواجه موازنتها عجزا كبيرا في ضوء العبء الذي يشكله وجود مليون ونصف المليون لاجئ سوري في داخل أراضيها؟

مضحك ذلك الذي يتظاهر ضد اتفاق الغاز مع إسرائيل، لا لشيء لأن تحمل المسؤولية الوطنية شيء، وخدمة إسرائيل عن طريق المزايدة على الأردن شيء آخر.

لم يخطئ الأردن يوما في حقّ أحد وذلك منذ تأسيس المملكة. على العكس من ذلك، أخطأ كثيرون في حقّ الأردن. لا حاجة إلى العودة إلى المزايدات العربية التي جعلت الأردن يخسر الضفة الغربية والقدس الشرقية في العام 1967، علما أن الملك حسين كان يعرف أن الحرب، التي جرّه إليها جمال عبدالناصر جرّا، بسبب غبائه السياسي وسقوطه ضحية الشعارات الفارغة التي رفعها، حرب خاسرة سلفا.

دافع الأردن عن القضية الفلسطينية، وما زال يدافع عنها وعن القدس، كما لم يدافع أحد غيره. رسم حدود الدولة الفلسطينية عندما أعلن الملك حسين قرار فكّ الارتباط بين الضفتين صيف العام 1988. قبل ذلك، في العام 1970، أعاد الأردن المنظمات الفلسطينية المسلّحة إلى جادة الصواب بعدما وُجد من يعلن أن طريق القدس يمرّ في عمّان. قضى على مشروع “الوطن البديل” الإسرائيلي باكرا قبل أن يقضي هذا المشروع على الفلسطينيين وقضيّتهم. لم يوقع الأردن اتفاق سلام مع إسرائيل، إلا بعدما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو بحسناته وسيئاته وذلك من خلف ظهر الملك حسين.

تكمن أهمّية الأردن في أنّه يتابع مسيرته على الرغم من كلّ الصعوبات. لا يتوقّف الملك عبدالله الثاني، منذ صعوده إلى العرش، عند ما يطلقه أولئك الذين لا يعرفون شيئا في السياسة والاقتصاد ومصلحة الأردن والأردنيين. لو كان لبنان استطاع استغلال ثروته النفطية، هل كان الأردن لجأ إلى إسرائيل؟ لن يتمكن لبنان من استغلال هذه الثروة نظرا إلى وجود مزايدات ومزايدين وسياسيين يمتلكون عقلا عقيما في هذا البلد الصغير. ما الذي يفعله الأردن؟ هل ينتظر الغاز اللبناني… أو الغاز السوري الموجود بكثرة والذي لا ينتظر خروجه من باطن الأرض سوى انتهاء حرب المئة سنة الدائرة في هذا البلد!

مثلما لم يتردد الأردن في إجراء انتخابات عامة في الموعد المحدّد لها، مجددا مجلسه النيابي، لن يتردد في حماية مصالحه على كلّ صعيد وفي أيّ مجال. فعبدالله الثاني مسؤول عن شعب وعن دولة وعن مليون ونصف المليون لاجئ سوري. إنّه مسؤول عن بلد بكامله، وهو مسؤول في هذا الإطار عن إيجاد مصادر الطاقة للمملكة التي تعدّ نفسها للمزيد من الاعتماد على الطاقة الشمسية وغيرها من الخيارات في المستقبل. ولكن بين الوضع الراهن، وبين الوصول إلى مرحلة يمكن فيها الاستغناء عن الغاز كلّيا، هناك سنوات وسنوات.

مرّة أخرى، يرحّب الأردن بمن يستطيع إيجاد بديل من الغاز الإسرائيلي بسعر منافس لهذا الغاز. لغة الأرقام لا تخطئ. من يخطئ هم أولئك الذين لم يدركوا يوما أن الأردن في سعي دائم إلى خفض عجز الموازنة. الأكيد أن تظاهرة من هنا وأخرى من هناك لا تخفض هذا العجز. ما يخفضه هو التخلص من عقد الماضي والتعاطي مع الواقع كما هو، وليس مع أوهام لم تجلب على الدول العربية سوى الكوارث بكلّ أنواعها.

صمد الأردن في وجه عواصف كثيرة. أثبت المرّة تلو الأخرى أنّه دولة حقيقية تمتلك مؤسسات راسخة ذات تاريخ عريق وأفكار “الثورة العربية الكبرى” التي صار عمرها مئة عام. في الأردن، هناك ملك يقود الشارع ولا ينقاد من الشارع. هذا كلّ ما في الأمر لا أكثر ولا أقلّ وباختصار شديد…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأردن والغاز الإسرائيلي… من لديه أفضل الأردن والغاز الإسرائيلي… من لديه أفضل



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 11:45 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 11:31 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 14:02 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ٰ مواطن يمني يبحث عن وطن بدون حواجز

GMT 06:40 2018 السبت ,23 حزيران / يونيو

تألّق ناعومي كامبل خلال أمسيّة بعد عرض فويتون

GMT 19:23 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

شراكة مرتقبة بين الرجاء ومجموعة بنكية رائدة

GMT 20:16 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل مكرونة بالثوم والخضار

GMT 19:24 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البطل الويلزي أوليفر فار يتوج بدوري للالة عائشة للغولف

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 20:59 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

بوطازوت تنجح في إخافة مُنتحلي شخصيتها بتهديدٍ رادع
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya