المفقود والمفتقد في لبنان

المفقود والمفتقد في لبنان

المغرب اليوم -

المفقود والمفتقد في لبنان

بقلم : خيرالله خيرالله

في منطقة تغلي من أقصاها إلى أقصاها، تبدو بيروت في هذه الأيام، وهي الأيام الأولى من شهر رمضان، مكانا شبه آمن. شوارعها مزدحمة ليلا نهارا ومطاعمها مليئة في المساء، إلى حدّ ما طبعا، على الرغم من الظلم الذي تعرّض له ولا يزال يتعرّض له وسط بيروت الذي لا يزال قسم منه مهجورا بحجة حماية مقر مجلس النوّاب. هناك تعلّق بثقافة الحياة في بيروت. هذا التعلّق يجعل المرء يحتفظ ببعض الأمل بأن المدينة لم تمت ولن تموت وأنها ستبقى رمزا للمقاومة الحقيقية في لبنان.

جرت انتخابات نيابية أم لم تجر مثل هذه الانتخابات. هناك قناعة لدى المواطن العادي أن شيئا ما بات مفقودا ومفتقدا في البلد. لم تعد هناك مؤسسات تعمل بشكل جدّي، ولم تعد هناك مواعيد تحترم. لم يعد هناك بكلّ بساطة احترام للقانون والدستور والمهل كما في البلدان المتحضّرة، وذلك منذ إغلاق مجلس النواب لمنعه من انتخاب رئيس للجمهورية.

هناك محاولة جدّية لوضع اليد على البلد بعد سبعة عشر عاما من الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في الخامس والعشرين من آيار- مايو من العام 2000. انسحب الإسرائيلي تنفيذا للقرار الرقم 425 الصادر عن مجلس الأمن في العام 1978. على الرغم من ذلك، لم يجد لبنان طريقه للعودة إلى حياة ديمقراطية سليمة وإلى إجراء عملية نقد للذات في العمق.

لا يزال النفاق سيّد الموقف، بدل أن يكون هناك من يقول للناس العاديين إن بلدهم أضاع كلّ الفرص التي كانت متاحة له واستعاض عن ذلك، منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969، بشعارات من نوع “المقاومة” وما شابه ذلك.

في ذكرى الاحتفال بالانسحاب الإسرائيلي التي تميّزت بالإشادة بـ“المقاومة”، أي بـ”حزب الله” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني عناصره لبنانية، وبالكلام عن “تحرير” مزارع شبعا بدل إيجاد طريقة لاستعادتها سلميا، لا بدّ من وقفة مع الذات. تفرض مثل هذه الوقفة الاعتراف بأن اتفاق القاهرة كان أكبر جريمة في حق لبنان، وأن القبول باتفاق القاهرة الذي شرع السلاح الفلسطيني سمح في وقت لاحق بوجود دولة أخرى على أرض لبنان بسلاح غير شرعي هو سلاح “حزب الله”. مثل هذا السلاح، الذي هو امتداد طبيعي للسلاح الفلسطيني والميليشيوي، في أساس كلّ علّة في لبنان.

ليست مشكلة قانون الانتخابات الذي سيولد قريبا مشكلة لبنانية كبيرة. المشكلة الكبيرة في من جعل قانون الانتخابات مشكلة، وفي من أوصل البلد إلى ما وصل إليه من تجاوز للمواعيد الانتخابية. صار رفض النزول إلى مجلس النواب قبل أن يقرّر سلاح “حزب الله” من هو رئيس الجمهورية خيارا ديمقراطيا. هل من مهزلة أكبر من هذه المهزلة. نعم، هناك مهزلة أكبر. هذه المهزلة الأكبر هي في إلغاء الحدود اللبنانية والتصرف من منطلق أن الدفاع عن النظام القائم في سوريا من منطلق مذهبي، ليس إلّا، هو خيار الدولة اللبنانية. هذا خيار إيراني مفروض على الدولة اللبنانية يعني بين ما يعنيه أن لبنان تابع لإيران وأن الشرق الأوسط الجديد كما تتخيله إيران هو “البدر الشيعي”. في هذا الشرق الأوسط الجديد، لا شيء يعلو على الرابط المذهبي بأي شكل من الأشكال، أقله من وجهة النظر الإيرانية.

في مثل هذه الأيّام التي اغتيل فيها الصديق سمير قصير، الذي كان يرمز إلى كلّ ما هو حيّ في بيروت ولبنان وإلى ثقافة الحياة فيه، لا بد من وقفة مع الذات للبنانيين جميعا. اغتيل سمير قصير في الثاني من حزيران- يونيو من العام 2005، جاء اغتياله لأن النظام السوري الذي غطّى جريمة تفجير رفيق الحريري ورفاقه كان يريد القضاء على لبنان وعلى بيروت بالذات.

في مثل هذه الأيام، تعني الوقفة مع الذات التساؤل هل كان الشيخ بيار الجميل مؤسس حزب الكتائب عظيما أم لا؟ نعم كان عظيما عندما كان يقول إن “قوّة لبنان في ضعفه”. ضعف لبنان حماه من الانخراط في حرب 1967، فلم يخسر شبرا من أرضه. كل كلام آخر عن أنّه كان مستهدفا من إسرائيل خزعبلات. إسرائيل تعرف ماذا تريد. عدوانيتها موجّهة إلى الشعب الفلسطيني. تريد القدس وأجزاء من الضفّة الغربية. هذا واضح كلّ الوضوح. لو كانت تريد شيئا آخر، لما انسحبت من جنوب لبنان في السنة 2000 ومن سيناء كلّها، بما في ذلك آبار النفط والغاز فيها، ولما كانت تخلّت عن قطاع غزّة في صيف العام 2005 متمنّية أن يبتلعه البحر يوما.

هناك أخطاء ارتكبها زعماء لبنان، بمن في ذلك الزعماء المسيحيون مثل بيار الجميّل وكميل شمعون، الذين كان عليهم السير على خطى ريمون أدّه، الزعيم الوحيد الذي رفض اتفاق القاهرة وصوّت ضده ورفض الدخول في لعبة الميليشيات.

في السنة 2017، يفترض للبنان البحث عن كيفية حماية نفسه مستفيدا من أخطاء الماضي بدل التبجح بكلام لا معنى له عن “المقاومة”. ثمّة حاجة إلى شجاعة كبيرة للقول إن السلاح الفلسطيني الذي كان كمال جنبلاط يعتقد أنه سيخلصه من المارونية السياسية عاد بالويلات على الدروز وعلى كل لبناني بغض النظر عن طائفته ومنطقته. ثمة حاجة إلى شجاعة كبيرة لدى السنّة للقول إن اعتبارهم الفلسطينيين جيشهم كان خطأ كبيرا، بل جريمة في حق لبنان الذي صار الآن بالنسبة إليهم “لبنان أوّلا”. ثمّة حاجة لدى المسيحيين للاعتراف بأن دخولهم لعبة إقامة ميليشيات، بدل حصر دعمهم بالجيش اللبناني، خدمت النظام السوري الذي أسس له حافظ الأسد. استخدم الأسد الأب الحرب المسيحية- الفلسطينية لتدمير لبنان وبيروت بالذات، وإرسال جيشه إليه بهدف وضع اليد على منظمة التحرير الفلسطينية.

الحاجة الأكبر الآن هي إلى ارتفاع صوت شيعي يقول إن “حزب الله” لم يكن يوما سوى ورقة إيرانية- سورية، ثم ورقة إيرانية كي يبقى جنوب لبنان رهينة في مساومات طهران مع “الشيطان الأكبر” أو “الشيطان الأصغر”، وكي يتحوّل لبنان “ساحة”، لا أكثر، بدل أن يكون منفتحا على محيطه العربي ومكانا آمنا للاستثمارات المثمرة بدل الاستثمار في ثقافة الموت والحزن والبؤس وفي إثارة الغرائز المذهبية.

يكون الدفاع عن لبنان بقول الأشياء كما هي وبتسمية الأمور بأسمائها. ليست مشكلة لبنان في قانون الانتخابات. فالانتخابات في لبنان لم تعد ميزة للبلد الذي سقط في امتحان الديمقراطية منذ صار يبحث عمّن يستطيع استعادة حقوق هذه الطائفة أو تلك. مشكلة لبنان حاليا في سلاح “حزب الله” الذي يسعى إلى استخدام الانتخابات كي يستولي على مجلس النوّاب والوصول إلى مؤتمر تأسيسي يعاد على أساسه تشكيل البلد.

ليس اتفاق الطائف مقدّسا. ما هو مقدّس اعتراف اللبنانيين بكلّ طوائفهم ومذاهبهم بأنّهم أقليات وأن حاجتهم الأولى إلى بلد يحميهم من العاصفة الإقليمية، بدل المرور في مواسم تعتقد فيها إحدى الطوائف أن في استطاعتها الاستقواء على الآخرين بالسلاح غير الشرعي وليس بقوة المنطق والحجة والتمسّك بالأصول الديمقراطية ومؤسسات الدولة بدل العمل على تدميرها أو تسخيفها عن طريق حشوها بالأزلام والعاطلين عن العمل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المفقود والمفتقد في لبنان المفقود والمفتقد في لبنان



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya