أوباما شاهد زور في سوريا

أوباما شاهد زور في سوريا

المغرب اليوم -

أوباما شاهد زور في سوريا

بقلم : خيرالله خيرالله

ما هو الموضوع السوري الأساسي الذي ترفض الإدارة الأميركية التعاطي معه؟ الموضوع بكل بساطة هو تفتيت سوريا أكثر ممّا هي مفتتة. إلى الآن، تلعب إدارة باراك أوباما دور الشريك في عملية التفتيت هذه لا أكثر.

سيكون كافيا التصعيد الروسي بالأفعال والكلام في الوقت ذاته، حتّى تبقى إدارة أوباما في موقف المتفرّج على مأساة مدينة عريقة مثل حلب، تحديدا، التي تعتبر أكبر مآسي القرن الواحد والعشرين.

تبقى مأساة حلب جزءا من مأساة سوريا الدولة المهددة بالزوال بسبب إدارة أميركية لا تمتلك سوى سياسة واحدة تقوم على القيام تماما بعكس ما قامت به إدارة جورج بوش الابن.

ارتكبت إدارة بوش الابن بين 2000 و2008 كلّ الأخطاء التي يمكن ارتكابها في الشرق الأوسط وذلك عندما انتقمت من صدّام حسين وياسر عرفات ردّا على “غزوتي نيويورك وواشنطن” أي ما يعرف بأحداث الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر 2001.

أنهت ياسر عرفات على يد أرييل شارون، علما أن لا علاقة له من قريب أو بعيد بـ”الغزوتين” وقررت الردّ على “القاعدة” وأسامة بن لادن في أفغانستان والعراق، علما أن في الإمكان اتهام صدّام حسين بكلّ شيء باستثناء أحداث الحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر.

كان احتلال العراق وتسليمه على صحن من فضّة إلى إيران بداية زلزال ما زالت ارتجاجاته تتردّد في كلّ أنحاء الشرق الأوسط. كانت الكارثة الكبرى في إسقاط صدّام حسين ونظامه من دون التفكير بالبديل في منطقة كان العراق يشكّل فيها عامل توازن مع إيران.

لم تكن الحدود بين العراق وإيران حدودا بين بلدين، بل كانت “حدودا بين حضارتين كبيرتين”، وهي تتحكّم بالتوازن الإقليمي، على حدّ تعبير الرئيس فرنسوا ميتران مطلع ثمانينات القرن الماضي. وقتذاك، أعطى الرئيس الفرنسي الراحل هذا التفسير لأسباب تدخل فرنسا إلى جانب العراق في حربه مع إيران عندما بدأت الكفة تميل عسكريا لمصلحة الأخيرة.

لم يكن جورج بوش الابن يعرف شيئا عن الشرق الأوسط. ذهب بعيدا في تورّطه في عملية إعادة تشكيل المنطقة. يبدو أن باراك أوباما سيذهب إلى أبعد ما ذهب إليه سلفه في عملية الإخلال بالتوازن وذلك بإعطاء روسيا وإيران دورا حاسما في تحديد مستقبل سوريا بعدما أعطى بوش الابن إيران دورا مفصليا في الانتهاء من العراق.

من الواضح أن كلّ الكلام عن رد أميركي على ما ترتكبه روسيا وإيران في حلب سيظلّ كلاما بكلام. المهمّ ما يجري على الأرض وليس في أروقة الأمم المتحدة. هناك سياسة أمر واقع تفرضها روسيا وإيران تشبه إلى حد كبير الأسلوب الإسرائيلي في وضع المنطقة والعالم أمام حقائق جديدة على الأرض تسمّى الاحتلال.

تمارس إسرائيل سياسة تقوم على التظاهر بالتفاوض من جهة ومتابعة الاستيطان من جهة أخرى. شيئا فشيئا تبتلع إسرائيل الضفّة الغربية كي لا يبقى للفلسطينيين مكان يقيمون فيه دولة مستقلّة “قابلة للحياة” في يوم من الأيام.

لعلّ أخطر ما في المواقف الأخيرة الصادرة عن موسكو تحذير واشنطن من مغبّة أيّ تدخل في سوريا ردّا على المجازر التي ترتكب في حلب. صارت روسيا تهدد الطرف الذي هزمها في الحرب الباردة.

كلّ ما يريده فلاديمير بوتين من باراك أوباما هو أن يكون شاهد زور على المجازر وعلى عمليات التدمير التي ترتكب في سوريا. الهدف يبدو واضحا كلّ الوضوح ويتمثّل في تغيير طبيعة المجتمع السوري عن طريق تهجير أكبر عدد من السكان من المدن الكبرى والإتيان بآخرين يحلّون مكانهم.

لا مجال لأدنى شكّ في أن موسكو وطهران تمتلكان، على الصعيد السوري، خطّة محددة المعالم، فيما إدارة أوباما في حال ضياع واستسلام لما تقرّره روسيا وإيران.

لا يمتلك باراك أوباما حدّا أدنى من الشعور الإنساني ليسأل فلاديمير بوتين أو علي خامنئي كم عدد السوريين الذين يجب أن يموتوا أو أن يُهجّروا من أرضهم وبيوتهم كي تصبح سوريا منطقة نفوذ روسية ـ إيرانية بغطاء تركي وإسرائيلي؟

ليس سرّا أن التنسيق الروسي ـ الإسرائيلي على قدم وساق، فيما تبدو تركيا وكأنها نسيت شيئا اسمه مدينة حلب. في الأمس القريب كانت حلب خطا أحمر بالنسبة إلى تركيا. اليوم لم يعد رجب طيب أردوغان ينظر إلى سوريا إلّا من خلال الورقة الكردية التي يمكن أن تلعبها أميركا وروسيا وإيران ضدّه. كان كافيا استرضاء أردوغان وتحييده بإظهار هذه الورقة حتى يتحول، بدوره، إلى دور المتفرّج تجاه عملية تدمير حلب.

يبقى أنّ أغرب ما في المشهد السوري حاليا أن روسيا قرّرت أن يكون لها وجود عسكري دائم في سوريا. هل يحقّ لنظام لا يمتلك أيّ شرعية من أيّ نوع كان الإتيان باستعمارين لحمايته؟

جورج بوش الابن لم يكن يعرف شيئا عن الشرق الأوسط. ذهب بعيدا في تورطه في عملية إعادة تشكيل المنطقة. يبدو أن باراك أوباما سيذهب إلى أبعد ما ذهب إليه سلفه في عملية الإخلال بالتوازن وذلك بإعطاء روسيا وإيران دورا حاسما في تحديد مستقبل سوريا بعدما أعطى بوش الابن إيران دورا مفصليا في الانتهاء من العراق

بوجود إدارة مثل إدارة باراك أوباما، أصبح كلّ شيء ممكنا، بما في ذلك تجميع أكبر عدد من المهجّرين السوريين في إدلب من أجل تنفيذ عملية إبادة شاملة لهؤلاء في مرحلة لاحقة. لا يمكن فهم تهجير أهل داريا إلى إدلب ودعوة بشّار الأسد سكان حلب إلى مغادرة مدينتهم والانتقال إلى مكان آخر، سوى بالإعداد للمجزرة الكبرى في إدلب..

نشهد حاليا الفصول الأخيرة من كارثة اسمها جورج بوش الابن الذي تدخل في العراق.. وصولا إلى كارثة أكبر اسمها باراك أوباما الذي يرفض التدخل في سوريا. ليس مطلوبا إرسال قوات أميركية إلى هذا البلد.

المطلوب أكثر من أيّ وقت إفهام روسيا أن كلّ كلام عن التمييز بين “النصرة” وبقية المقاتلين “المعتدلين” لا معنى له، إلا إذا كان الهدف إيجاد مبرّر للمجازر التي ترتكب.

ما مغزى التركيز على مجموعات إرهابية مثل “النصرة” وتجاهل المجموعات الإرهابية، من نوع الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية، التي تدعم النظام السوري؟ هل إرهاب “النصرة”، الذي لا يمكن الدفاع عنه في أيّ شكل، إرهاب مدان، فيما إرهاب الميليشيات الشيعية والقصف الروسي والبراميل المتفجرة التي يلجأ إليها النظام إرهاب من النوع المستحبّ والمتمدّن؟

انتهت الإدارة الأميركية الحالية إلى أن تكون مجرّد فرصة كي تنفذ روسيا وإيران مشروعهما في سوريا. إنّه مشروع استعماري قائم على عملية تطهير سوريا من السنّة العرب الذين يشكّلون نسبة تفوق ثلاثة أرباع السكّان.

سيظل السؤال المطروح في المستقبل المنظور هل تمكن إعادة تشكيل سوريا من دون السوريين، أم كلّ ما في الأمر أن المطلوب الانتهاء من سوريا التي عرفناها؟ هذا ما يحصل تدريجيا في الوقت الذي يستعدّ فيه باراك أوباما لمغادرة البيت الأبيض.

لن تجد الإدارة الجديدة أكانت برئاسة هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب سوى أمر واقع جديد. في أساس هذا الأمر الواقع تفريغ سوريا من السوريين وتدمير المدن الكبيرة مثل حلب وحمص وحماة وتطويق دمشق بأحزمة ذات طبيعة مذهبية من أجل تحويلها إلى مجرّد جزيرة صغيرة يقيم فيها بشّار الأسد الذي سيقتصر دوره على توفير “شرعية” للاستعمارين الروسي والإيراني.

كيف لنظام لا يمتلك شرعية من أيّ نوع توفير شرعية لقوّتين أجنبيتين تلعبان دور المستعمر؟ تلك هي ثمرة سياسة باراك أوباما في الشرق الأوسط!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوباما شاهد زور في سوريا أوباما شاهد زور في سوريا



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya