حماية لبنان

حماية لبنان

المغرب اليوم -

حماية لبنان

بقلم - خيرالله خيرالله

ما الذي يستطيع لبنان عمله، وما الذي لا يستطيع عمله في الظروف المعقدة التي يجد نفسه أمامها بعدما تبين أن هناك ميليشيا مذهبية تريد الحلول مكان الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وفرض أجندة إيرانية عليها.

من المفيد التذكير بأنّ سعد الحريري، رئيس مجلس الوزراء في لبنان، زار واشنطن وباريس وموسكو أخيرا. التقى الرؤساء دونالد ترامب وإيمانويل ماكرون وفلاديمير بوتين من أجل أن لا يكون أي حلّ أو تسوية في سوريا على حساب لبنان، خصوصا في ما يتعلّق بقضية النازحين.

ثمّة من يقول أن لا ثقل يذكر للبنان وأنّ الأحداث التي تشهدها المنطقة تتجاوزه، خصوصا أنّه تحت رحمة “حزب الله”، أي إيران. ما يدعم من يقولون ذلك أنّ الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، لم يأخذ رأي الحكومة اللبنانية عندما قرر إلغاء الحدود بين لبنان وسوريا والمشاركة في الحرب على الشعب السوري.

جزء من مشكلة النازحين السوريين إلى لبنان سببها “حزب الله” المشارك في عمليات تطهير ذات طابع مذهبي على طول الحدود اللبنانية – السورية، وصولا إلى الشمال السوري.

الأخطر من ذلك كلّه أن “حزب الله” بدخوله طرفا في الحرب على الشعب السوري، ألغى الحدود بين دولتين مستقلتين وجعل الرابط المذهبي فوق كل ما عداه. كان ما قام به الحزب مقدمة لما أقدم عليه، لاحقا، تنظيم “داعش” الذي ربط بدوره بين أراض سورية وأخرى عراقية من منطلق مذهبي أيضا.

ألم يكن الشعار الذي رفعه الحزب لتبرير تورّطه في الحرب السورية، في البداية، حماية القرى الشيعية اللبنانية في داخل الأراضي السورية ثم “حماية” مقام السيّدة زينب؟

ما الذي يستطيع لبنان عمله، وما الذي لا يستطيع عمله في الظروف المعقّدة التي يجد نفسه أمامها بعدما تبيّن أنّ هناك ميليشيا مذهبية تريد الحلول مكان الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وفرض أجندة إيرانية عليها. لعلّ أوّل ما يُفترض بلبنان عمله رفض الأمر الواقع، لا لشيء سوى من أجل حماية شعبه ومصالحه.

الخيار واضح. إنّه بين الرضوخ للأمر الواقع والسعي إلى التغلب عليه. يشمل الأمر الواقع، الذي تسعى قوى معيّنة إلى فرضه على لبنان، التطبيع مع النظام السوري الذي لا يمتلك أيّ شرعية من أي نوع.


هل كان على رئيس الحكومة الذهاب إلى أبعد مما ذهب إليه في اعتراضه على زيارة وزراء لبنانيين لدمشق، علما أن مجلس الوزراء كان حاسما لجهة أنّ لا علاقة له بتصرفات عشوائية من هذا النوع لا هدف لها سوى تبييض بضاعة غير قابلة للتبييض اسمها النظام السوري؟

يعني رفض سعد الحريري الرضوخ للأمر الواقع، قبل أيّ شيء آخر، التحرّك في كلّ الاتجاهات، خصوصا في اتجاه القوى الدولية التي لديها ما تستطيع تقديمه من أجل حماية لبنان والمحافظة على الحدّ الأدنى من الاستقرار في البلد. يأتي ذلك في وقت هناك محاولات كثيرة لجرّ البلد إلى معسكر “قوى الممانعة”. تراهن هذه القوى “الممانعة” قبل أي شيء على أن إسرائيل لا يمكن أن تتخلى عن النظام السوري بأي شكل من الأشكال وفي أيّ ظرف من الظروف.

بغض النظر عن التعقيدات الإقليمية وما تشهده اجتماعات أستانة من محاولات لإضفاء شرعية على احتلالات القوى الخارجية لسوريا، ليس أمام لبنان من خيار آخر غير رفض دفع فاتورة فرض الاحتلالات الخمسة على سوريا والتصدي لذلك. لبنان ليس مستعدا لأن يكون جائزة ترضية لإبعاد إيران وميليشياتها عن ما كان يسمّى جبهة الجولان ومنطقة الحدود السورية- الأردنية.

لم يعد سرّا أن الولايات المتحدة تدعم مؤسسة الجيش الذي أظهر قدرة كبيرة على مواجهة الإرهاب وطرد “داعش” من الأراضي اللبنانية، في حين تبيّن أن هدف “حزب الله” الدخول في صفقات مع “داعش” من جهة، واستخدام هذا التنظيم في جعل النظام السوري يظهر في مظهر من يحارب الإرهاب من جهة أخرى.

كيف يمكن لمن ينقل مقاتلي “داعش” وعائلاتهم من الحدود اللبنانية إلى الداخل السوري بسلام وأمان أن يكون بالفعل في مواجهة مثل هذا التنظيم الإرهابي؟

يستطيع لبنان الاستفادة إلى حد كبير من الدعم الأميركي للجيش، وهو دعم واضح تؤكّده الأرقام وليس مجردّ الكلام العام عن التصدي للمشروع الأميركي في المنطقة. لا مشروع محددا بعد لإدارة ترامب على الصعيد الإقليمي، خصوصا بالنسبة إلى سوريا.

ما زالت الإدارة تبحث عن طريقها، في حين أن المشروع الوحيد الذي كان لدى إدارة باراك أوباما كان يقوم على استرضاء إيران. جعل باراك أوباما هدفه الأول حماية الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني، حتّى لو كان معنى ذلك ترك الشعب السوري يعيش تحت تهديد السلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة.

من المفيد أن يكون لبنان على الأجندة الأميركية. من المفيد أيضا أن تبقى فرنسا على علاقة مميزة مع لبنان لمساعدته في تذكير العالم بأن هناك عبئا ثقيلا جدا على البلد اسمه أزمة النزوح السوري.

فمن يريد بالفعل مساعدة لبنان واللبنانيين لا يساهم بزيادة عدد النازحين السوريين، بل يبحث في كيفية إيجاد مخارج لهذه المشكلة الضخمة من دون السقوط في العنصرية ولغة الكلام الرخيص والمبتذل والتصرفات الشائنة.

في مرحلة تزداد فيها أهمية الوجود الروسي في سوريا والدور الذي تلعبه موسكو على كلّ صعيد، لا مفرّ من الاجتماع بفلاديمير بوتين. أقلّه من أجل السعي إلى معرفة هل يمكن الحؤول دون أن يدفع لبنان ثمن التقاء المصالح الروسية- الإيرانية؟

لا يمكن الهرب من واقع يتمثّل في أن روسيا تدخلت عسكريا وبشكل مباشر في مثل هذه الأيام من العام 2015 من أجل إنقاذ النظام السوري. حالت دون سقوط النظام رسميا، علما أنّه نظام صار في مزبلة التاريخ. استطاعت روسيا الحؤول دون دخول المعارضة لدمشق ودون اجتياح للساحل السوري وذلك بناء على طلب إيراني.

لكنّ على روسيا في هذه الأيّام أن تأخذ في الاعتبار، إضافة إلى طبيعة علاقتها بإيران التغييرات التي طرأت على علاقتها بتركيا. هناك تقارب روسي- تركي لا يمكن تجاهله، مثلما لا يمكن تجاهل العلاقة العميقة بين إيران وروسيا. فوق ذلك، لا يمكن تجاهل أيضا العلاقة المتينة القائمة على كل الصعد بين روسيا وإسرائيل في وقت يبدو أن إدارة ترامب لا تعترض على توسيع الدور الروسي في سوريا.

صحيح أن لبنان بلد صغير مغلوب على أمره، لكن الصحيح أيضا أنّه يمتلك نقاط قوّة. من بين هذه النقاط فعالية جيشه وقدرة رئيس مجلس الوزراء على التحرّك دوليا، أقلّه من أجل معرفة ما الذي يخطط لسوريا.

ليس في استطاعة أيّ مسؤول حتّى لو كان رئيس الولايات المتحدة، التكهن بما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا، لكن معرفة ما يدور في المحافل الدولية خصوصا في واشنطن وباريس وموسكو، أفضل من البقاء في بيروت في انتظار ما ستقرّره طهران.

على لبنان حماية نفسه، أو على الأصحّ بذل كل ما يستطيع من أجل ذلك في انتظار الانتهاء من المخاض الذي تمرّ به المنطقة، وهو مخاض لا يشبه سوى مرحلة ما بعد انهيار الدولة العثمانية في عشرينات القرن الماضي تمهيدا لقيام النظام الإقليمي الجديد الذي نرى اليوم فصولا من نهاياته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حماية لبنان حماية لبنان



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya