بين خلاص سورية والخلاص من سورية

بين خلاص سورية والخلاص من سورية

المغرب اليوم -

بين خلاص سورية والخلاص من سورية

بقلم : خيرالله خيرالله

ليس في استطاعة الولايات المتحدة وروسيا التحكّم بمجريات الأزمة السورية، حتّى لو حظي التفاهم بينهما بغطاء إيراني وتركي وإسرائيلي. هناك عامل لا يمكن تجاهله بأي شكل اسمه الشعب السوري الذي صبر طويلا على النظام الذي أقامه حافظ الأسد واستطاع توريثه إلى بشّار الأسد.

تمر هذه الأيّام خمس سنوات ونصف سنة على اندلاع الثورة السورية التي تعبّر عن رفض شعب بكامله لنظام أراد إذلاله من جهة، وإعادة البلد سنوات طويلة إلى الخلف من جهة أخرى.

يختزل شبان سوريون مغزى الثورة السورية. هؤلاء الشبان، الذين كانوا في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من العمر عندما اندلعت الثورة، قالوا لآبائهم إنهم يرفضون العيش في ظل نظام لا يحترم مواطنيه، بل يحتقرهم يوميا. كانت الثورة في بدايتها ثورة الأولاد على آبائهم الذين ارتضوا طوال أربعة عقود أن يكونوا عبيدا لدى آل الأسد والضباط الآتين من الطائفة الحاكمة. كلّ ما في الأمر أن شباب سوريا يرفض ما قبل به الآباء، أي أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في بلد هيمن عليه العلويون عندما كان حافظ الأسد رئيسا، وأفراد العائلة والحاشية الملحقة بهؤلاء عندما انتقلت الرئاسة إلى بشار الأسد.

لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الخلف في سوريا. هناك أكثرية شعبية ساحقة تريد التغيير والانتهاء من النظام، بغض النظر عما تريده أميركا وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل.

انتهى النظام فعلا، لكن روسيا لا تزال غير مقتنعة بذلك، كذلك إيران، في حـين تفضّل إسرائيل التفرّج نظرا إلى أن كل الأطراف المعنية تعمـل منذ ما يـزيد على خمس سنـوات ونصـف سنة على الانتهـاء من سـوريا التي عرفناهـا. لـم تكن سـوريا تلك معادية لإسرائيل، بل كانت أداة إسرائيلية، ذلـك أن حـافظ الأسد نفّذ لإسرائيل كلّ ما تريده منذ كان وزيرا للدفاع في العام 1967. لكنّ تطوّر الظروف يفرض على إسرائيل استخدام النظام الذي أقامه حافظ الأسد من أجل الانتهاء من بلد كان يمكن أن يكون جوهرة المنطقة في ضوء ما يمتلكه من ثروات، في مقدّمها الثروة الإنسانية.

انتهى الدور المرسوم للنظام السوري. وحده الشعب السوري يفهم معنى ذلك، ويفهم في الوقت ذاته معنى أن يتحول النظام إلى مجرّد أداة إيرانية استخدمت في مرحلة معيّنة غطاء لتنفيذ عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط – فبراير من العام 2005 بغية التمهيد لوضع اليد الإيرانية على لبنان. سئم الشعب السوري من تحوّل بلده إلى بقرة حلوب للعائلة الحاكمة والمحيطين بها، ومجرّد تابع لإيران في عهد بشّار الأسد بعدما كانت وسيلة إسرائيلية وإيرانية لابتزاز العرب في عهد الأب المؤسس.

لدى عرض تاريخ النظام السوري، نجد أنّه كان منذ العام 1970، حين احتكر حافظ الأسد السلطة وقبض ثمن الخدمات التي أدّاها لإسرائيل في العام 1967 عندما سلّم الجولان، في حرب دائمة مع شعبه. كان النظام السوري في حرب دائمة مع كلّ مدينة سورية؛ مع دمشق وحماة وحمص وحلب واللاذقية وإدلب ودير الزور. استطاع حافظ الأسد إيجاد هدنة مع درعا، ومع دمشق إلى حدّ ما. لكنّ الذي تبيّن، مع مرور الوقت، أنّ هذه الهدنة كانت هشّة وعن طريق شخصيات سنّية وُضعت في الواجهة لتغطية الحملة التي تعرّض لها سنّة المدن الكبيرة التي كان الأسد الأب يكنّ لها كرها شديدا.

صدّق بعض السوريين أنّ النظام خاض حربا مع إسرائيل في العام 1973. لو كان صحيحا أنّه خاض تلك الحرب وحقّق مكاسب معيّنة، لكان قبض ثمن انتصاراته بطريقة مختلفة متجاوزا اتفاق فكّ الارتباط مع إسرائيل في العام 1974، وصولا إلى استعادة الجولان المحتل. هل هناك ما هو أهمّ من أن تستعاد الأرض المحتلة من إسرائيل، أم المطلوب في كلّ وقت كان إبقاء الجولان محتلا مقابل السكوت الإسرائيلي عن احتلال النظام السوري للبنان؟

لم يكن لدى النظام من همّ في يوم من الأيّام سوى المتاجرة بالجولان. رفض دائما استعادة الجولان لأنّه كان يخشى على ما يعتبره الشرعية الوحيدة التي يمتلكها، وهي الشرعية المستمدّة من الرضا الإسرائيلي. هل من خدمة تقدّم إلى إسرائيل أكبر من خدمة زجّ الفلسطينيين في الحرب اللبنانية، وتحويلهم أعداء لمسيحيي لبنان؟

دفع الفلسطينيون، الذين لم تمتلك قيادتهم في مطلع سبعينات القرن الماضي أي وعي سياسي، ثمنا غاليا جدا للوقوع في المستنقع اللبناني بتشجيع من النظام السوري. كان هدف النظام إقناع الإدارة الأميركية بأنّه الوحيد القادر على “وضع اليد على مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان” بغية وضع حدّ لتجاوزاتهم والحؤول دون حصول نزاع ذي طابع إقليمي انطلاقا من لبنان. انتهى الأمر بالدخول العسكري السوري إلى لبنان بضوء أخضر إسرائيلي وأميركي وفّره هنري كيسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة وقتذاك.

كان لبنان جائزة إسرائيلية أخرى للنظام السوري الذي قبل في الوقت ذاته بقاء جبهة الجنوب مفتوحة تلبية لرغبات إسرائيل التي كانت تريد “مناوشة الفلسطينيين بين حين وآخر”، وليس لسبب آخر.

بين كلّ الثورات العربية التي بدأت في تونس أواخر العام 2010، تظل الثورة السورية الثورة الحقيقية الوحيدة تحت مسمّى “الربيع العربي”. صحيح أنّ هناك عوامل كثيرة أدت إلى خلط الأمور، بما في ذلك ظهور “داعش” الحليف الأساسي للنظام وإيران، لكن الصحيح أيضا أن الشعب السوري لا يزال يعرف اتجاه البوصلة.

يعرف السوريون، بأكثريتهم الساحقة، أن لا بديل من رحيل النظام. هذا في حال لا تزال هناك بقية من أمل في استعادة سوريا لوحدتها. هدف النظام الانتهاء من سوريا. تلك هي المهمة التي نذر نفسه لها حافظ الأسد منذ تولّي وزارة الدفاع في العام 1966 في سياق انقلاب عسكري آخر على البعث المدني الذي وصل إلى السلطة في يوم مشؤوم هو الثامن من آذار ـ مارس 1963.

لو كان لدى السوريين أمل آخر يتعلّقون به، غير الخلاص من النظام، لما كانت ثورتهم مستمرّة مع كلّ ما يحيط بها من شوائب. فما نشهده كلّ يوم يقدّم دليلا على استعداد الشعب للتضحية بكلّ ما عنده، بل بأغلى ما عنده، من أجل الوصول إلى يوم الخلاص. إنّه يوم الخلاص الذي ينشده الشعب السوري في مواجهة من يريد الخلاص من سوريا بأي سبيل كان، بما في ذلك السبيل الآيل إلى تقسيم البلد إلى مناطق نفوذ تركية وروسية وإيرانية بمباركة إسرائيلية طبعا… فيما تكتفي الإدارة الأميركية بدور المتفرّج على المأساة الأكبر التي يشهدها العالم منذ نهاية القرن العشرين.

بعد خمس سنوات على ثورة الشعب السوري، الخيار يبدو واضحا بين خلاص سوريا والخلاص من سوريا لا أكثر ولا أقلّ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين خلاص سورية والخلاص من سورية بين خلاص سورية والخلاص من سورية



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 11:45 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 11:31 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 14:02 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ٰ مواطن يمني يبحث عن وطن بدون حواجز

GMT 06:40 2018 السبت ,23 حزيران / يونيو

تألّق ناعومي كامبل خلال أمسيّة بعد عرض فويتون

GMT 19:23 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

شراكة مرتقبة بين الرجاء ومجموعة بنكية رائدة

GMT 20:16 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل مكرونة بالثوم والخضار

GMT 19:24 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البطل الويلزي أوليفر فار يتوج بدوري للالة عائشة للغولف

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 20:59 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

بوطازوت تنجح في إخافة مُنتحلي شخصيتها بتهديدٍ رادع
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya