أفيون بوتين

أفيون بوتين

المغرب اليوم -

أفيون بوتين

بقلم - خيرالله خيرالله

في كلّ ما يفعله بوتين في سوريا ما يذكّر بسياسة شرق أوسطية فاشلة لم تجرّ سوى الخراب على دول المنطقة.

العيش على وهم البارحة
كان من الأفضل لو لم يهدّد الرئيس فلاديمير بوتين الولايات المتحدة والعالم بصاروخ جديد بعيد المدى قادر على بلوغ أي نقطة في العالم… وبالخبرات التي اكتسبها الجيش الروسي من خلال تجربة أسلحته في سوريا.

يبدو كلّ الكلام الصادر عن بوتين للاستهلاك الداخلي الروسي عشية خوضه انتخابات رئاسية ليس لديه ما يقدمه فيها لمواطنيه سوى إثارة المشاعر الوطنية بالفخر والاعتزاز والقوّة.بكلام أوضح يراهن بوتين، الذي يعرف تماما طبيعة المواطن الروسي، على أنّ استعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي وروسيا القيصرية تجعل الأكثرية الساحقة تلتفّ حوله. لا يزال الشعور الوطني الروسي والحماسة التي يثيرها من أهمّ عوامل القوّة لدى بوتين الذي انتخب رئيسا للمرّة الأولى في العام 2000.

لماذا من الأفضل لبوتين، الذي يحكم روسيا فعليا منذ ثمانية عشر عاما، الابتعاد عن التهديدات الفارغة التي تستهوي المواطن الروسي الباحث دائما عمّن يثير لديه غريزة الانتماء إلى أمّة قويّة متفوّقة لا تقهر؟

قبل كلّ شيء، لا يريد الرئيس الروسي الذي سيفوز بسهولة في الثامن عشر من الشهر الجاري بولاية رئاسية جديدة، الاستفادة من تجارب الماضي القريب. لعلّ التجربة الأولى التي يرفض الاعتراف بأنّها موجودة أصلا هي تجربة الاتحاد السوفييتي.

لم يسقط الاتحاد السوفييتي لأنّه لم يكن يمتلك أسلحة متطورة وترسانة نووية وصواريخ عابرة للقارات. سقط بسبب الاقتصاد أوّلا وأخيرا. لا يستطيع أي بلد، مهما امتلك من أسلحة، أن يعتبر نفسه قويّا وأن يلعب دور القوّة العظمى على الصعيد العالمي من دون اقتصاد يقوم على قواعد صلبة.

تدلّ كلّ الأرقام على أن روسيا، من داخل، ليست على ما يرام. المجتمع الروسي نفسه ليس مجتمعا سليما. روسيا من البلدان القليلة في العالم التي يتناقص فيها عدد السكان فيما يزداد عدد المواطنين الذين هم في مرحلة الشيخوخة.

هناك لائحة طويلة من الوقائع التي تستند إلى أرقام تؤكد أن العزف على وتر الشعور الوطني ليس كافيا لاستعادة روسيا أمجادها وتحولّها مجددا بين ليلة وضحاها إلى قوّة عظمى.

سيعود فلاديمير رئيسا لروسيا بعد أيّام. يفترض أن تكون هذه ولايته الأخيرة. سيكون الرئيس الروسي أكثر عدوانية في ظلّ الضياع الأميركي بعد نجاحه في إيجاد أفيون جديد للروس يساعد في تأجيج شعورهم الوطني والقومي ويغنيهم عن الغوص في الأسباب التي جعلت حجم اقتصاد بلدهم لا يتجاوز نسبة 1.8 في المئة من الاقتصاد العالمي

لن يكون في استطاعة روسيا العودة بالعالم إلى أيّام الحرب الباردة، على الرغم من التجاذبات الدائرة في داخل واشنطن بين أركان إدارة دونالد ترامب، وهذه تجاذبات جعلت من الرئيس الأميركي شخصا عاجزا عن اتخاذ أي قرار كبير على صعيد السياسة الخارجية عندما يتعلّق الأمر بإيران أو كوريا الشمالية أو سوريا.

هناك تحرّش أميركي بين وقت وآخر بروسيا التي تعاني من العقوبات الأوروبية والأميركية، كما حدث أخيرا عندما قرّرت واشنطن بيع أوكرانيا كمية من الصواريخ المضادة للدبابات.

عاجلا أم آجلا، ستكشف سوريا روسيا. ستكشف أنّ البقاء في السلطة شيء وممارسة دور القوّة العظمى، من دون امتلاك الموارد التي تسمح بذلك، شيء آخر.

يستطيع بوتين لعب دور الدكتاتور الروسي، لكنّه لا يستطيع ممارسة أحلام الدكتاتور. تبقى الأحلام أحلاما في نهاية المطاف. ويبقى زعيم الكرملين يردّد، كبدل عن ضائع من القدرة على نقل الحلم إلى حقيقة، أغنية شهيرة لفرقة “البيتلز” عنوانها “البارحة” (yesterday). هذه الأغنية هي المفضلة لدى الرئيس الروسي الذي يتقن الإنكليزية بشهادة مصور عالمي كبير التقاه من أجل أخذ صور شخصية له. سأل ذلك المصوّر الذي أجرت معه “هيئة الإذاعة البريطانية” حديثا عن الحوار الذي دار بينه وبين بوتين. كان الجواب أنّه قال إن أغنيته المفضّلة هي “البارحة”. وراح يرددها أمام المصوّر بحنين واضح إلى الماضي، أيّام كان الاتحاد السوفييتي قوّة عظمى.

الأهمّ من ذلك كلّه أن بوتين، الذي يريد ممارسة سياسة تليق بدولة عظمى، عاجز عن فهم ما هي سوريا. يستطيع تجربة كلّ الأسلحة التي لديه وتطويرها، لكنّه سيجد نفسه عاجزا عن تحقيق أي انتصار من أيّ نوع كان. هذا عائد إلى سبب في غاية البساطة، وهو أن النظام الذي يدعمه الكرملين لا يمتلك أيّ شرعية من أيّ نوع. لو كان هذا النظام قادرا على هزيمة الشعب السوري، على الرغم من كلّ الدعم الإيراني والروسي، لما كانت سوريا تعاني مما تعاني منه بعد سبعة أعوام كاملة على انطلاق الثورة الشعبية، وهي ثورة حقيقية عميقة الجذور، في آذار – مارس من العام 2011.

قبل الكلام عن صواريخ وأسلحة تنتمي إلى جيل جديد لا تكشفه الرادارات، من الأجدى برجل مثل فلاديمير بوتين يتمتع بذكاء حاد، التفكير بطريقة مختلفة. يفترض به الخروج بأسئلة بدل إعطاء أجوبة تدغدغ أحاسيس المواطن الروسي العادي.

من بين هذه الأسئلة هل توفّر هذه الأسلحة الطعام للروسي الفقير وحتّى للمواطن العادي الذي بدأ يعاني من العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا؟ في الإمكان الانتقال إلى أسئلة من مستوى آخر مثل لماذا لم يبق شيء من الإمبراطورية السوفييتية ولماذا عجزت هذه الإمبراطورية عن تقديم أيّ نموذج يحتذى به أكان ذلك لبولندا أو هنغاريا أو تشيكوسلوفاكيا، التي صارت دولتين، أو ألمانيا الشرقية أو بلغاريا… أو رومانيا؟

في كلّ ما يفعله بوتين في سوريا ما يذكّر بسياسة شرق أوسطية فاشلة لم تجرّ سوى الخراب على دول المنطقة. حسنا، يمكن التباهي ببناء الاتحاد السوفييتي للسدّ العالي في مصر. إذا وضعنا ذلك جانبا، لا يمكن بأي شكل تجاهل الدور الذي لعبته موسكو في إيصال العرب إلى هزيمة 1967.

لا داعي للعودة إلى كارثة اليمن الجنوبية وعدن بالذات التي تسبب بها الاتحاد السوفييتي الذي أراد إيجاد موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية. ولا داعي بالطبع لاستعادة الأوهام التي عاش في ظلها الفلسطينيون الذين كانوا يعتقدون أن السلاح السوفييتي سيعيد لهم حقوقهم.

كانت النتيجة أن المسلّحين الفلسطينيين لعبوا في سبعينات القرن الماضي الدور المطلوب منهم في تدمير بيروت ومؤسسات الدولة اللبنانية. لبّوا عمليا طموحات رجل مريض اسمه حافظ الأسد كان حلمه الدائم وضع اليد على لبنان وعلى منظمة التحرير الفلسطينية من منطلق أن “القرار الفلسطيني المستقلّ مجرّد بدعة”.

ليس الكلام عن السلاح الروسي المتطور هذه الأيّام سوى أفيون يوزعه فلاديمير بوتين على أبناء شعبه. أمّا في خارج روسيا، صار هذا السلاح في خدمة النظام الإيراني الذي يسعى إلى إبقاء بشّار الأسد في دمشق من أجل الإمعان في تفتيت سوريا أكثر…

سيعود فلاديمير رئيسا لروسيا بعد أيّام. هناك ولاية جديدة تنتظره. يُفترض أن تكون هذه ولايته الأخيرة. سيكون الرئيس الروسي أكثر عدوانية في ظلّ الضياع الأميركي بعد نجاحه في إيجاد أفيون جديد للروس يساعد في تأجيج شعورهم الوطني والقومي ويغنيهم عن الغوص في الأسباب التي جعلت حجم اقتصاد بلدهم لا يتجاوز نسبة 1.8  في المئة من الاقتصاد العالمي، أي أقلّ من حجم الاقتصاد الإيطالي، في حين يصل حجم الاقتصاد الأميركي إلى نحو ربع الاقتصاد العالمي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفيون بوتين أفيون بوتين



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya