حماة 1982… وسوريا الجديدة

حماة 1982… وسوريا الجديدة

المغرب اليوم -

حماة 1982… وسوريا الجديدة

بقلم - خيرالله خيرالله

كل ما يفعله العلويون حاليا بدعم إيراني وروسي هو الخروج بسوريا جديدة من منطلق طائفي ومذهبي ليس لإيران غيره لتبرير تحولها إلى دولة متوسطية تستخدم فيها سوريا جسرا إلى لبنان الذي لم تعد تحتاج فيه إلى الكثير من أجل الإمساك به.

تكشف مأساة الغوطة الشرقية حيث يقتل النظام السوري يوميا بدم بارد العشرات من مواطنيه، بدعم إيراني وروسي، أنّ هناك إصرارا على تكريس التغييرات الديموغرافية في سوريا.

من الواضح أن المطلوب انطلاقا من هذه التغييرات إعادة تشكيل سوريا. هل يمكن أن ينجح النظام في البناء على ذلك مع الذين يقفون خلفه ويوفرون لبشّار الأسد الحماية التي يحتاجها للبقاء في دمشق حاكما صوريا؟

هل سوريا الجديدة ستكوّن نتيجة التحولات التي جرت على الأرض، بما في ذلك تدمير المدن السنّية الكبرى وتدجين دمشق وتغيير طبيعة تركيبتها وتركيبة المنطقة التي تحيط بها؟

ما يتبيّن كلّ يوم أكثر من أيّ وقت أنّ النظام، الذي ليس سوى بيدق يحرّكه الإيراني والروسي، ماض في حربه على شعبه.

لا يدرك النظام، على الرغم من أنّه صار في مزبلة التاريخ، سوى أن الحلّ الذي اعتمده في حماة في العام 1982 سيبقيه في السلطة. هذا منتهى اللاواقعية لا أكثر. كيف يمكن للنظام والذين يفاخرون بأنّه لا يزال قائما بعد مضي سبع سنوات على بدء الثورة الشعبية تصوّر أن بشّار الأسد يمكن أن يعود رئيسا في يوم من الأيّام؟

لا يمكن لتجربة حماة في 1982 أن تتكرّر في 2018 على نطاق سوريا كلّها. كلّ ما تدلّ عليه المجزرة التي يرتكبها النظام مع الإيراني والروسي هو تمهيد لقيام سوريا الجديدة.

في سوريا الجديدة، يبدو أنّ أسس التسوية لن تتبلور قبل أن يقرّر الأميركي ما الذي يريده، بما في ذلك هل سيكون هناك وجود إيراني في الجنوب السوري، وهو وجود تعترض عليه إسرائيل شكلا ومضمونا.

كان متوقّعا أن تكون السنة 2018 سنة التسوية في سوريا. يبدو أنّها ستكون سنة بداية مرحلة جديدة من الحرب التي يخوضها النظام مع الإيراني والروسي على الشعب السوري. ما يمكن قوله الآن إنّ شمال شرق سوريا، الذي يشكّل “سوريا المفيدة” صار تحت السيطرة الأميركية. معظم الثروات السورية في تلك المنطقة التي أفهمت واشنطن كلّ من يعنيه الأمر أن لا مجال للاقتراب منها.

تبدو أميركا، على الرغم من عدم امتلاكها استراتيجية واضحة بالنسبة إلى مصير سوريا في المدى الطويل، جدّية في الاحتفاظ بشمال شرق سوريا، أي بالمنطقة الواقعة شرق الفرات.

بات ثابتا الآن أن الأميركيين حصدوا قبل أسابيع قليلة بواسطة طائرات هليكوبتر من نوع “أباتشي” مجموعة من المرتزقة جنّدتهم شركات نفطية روسية. حاول أفراد المجموعة وكان عددهم نحو 300 الاقتراب من أحد حقول الغاز في منطقة دير الزور. كانت النتيجة، استنادا إلى وسائل إعلام أميركية محترمة، مقتل ما لا يقلّ عن مئة من هؤلاء.

يعطي التصرف الأميركي فكرة عن مدى الإصرار على البقاء في تلك المنطقة التي فيها عرب وأكراد بحجة أن الانسحاب منها قد يسمح بعودة “داعش” إليها.

يستطيع الأميركيون الانتظار طويلا في منطقة شرق الفرات حيث معظم الثروة الزراعية والمائية ومعظم حقول النفط والغاز. لذلك، سيتوجب على من يريد التوصّل إلى تسوية نهائية الدخول في مفاوضات مع إدارة ترامب التي لا تبدو مستعجلة على شيء في سوريا.

يشير إلى ذلك وقوفها موقف المتفرّج من المجزرة اليومية التي تدور في الغوطة، وهي مجزرة تذكّر بحماة 1982 مع فارق كبير يمكن في أنّ مجزرة حماة التي راح ضحيتها ما لا يقلّ عن عشرين ألف سوري نفّذت في الخفاء في غياب الإنترنت.

ما كان سرّا في سوريا منذ تولّي حزب البعث السلطة في العام 1963، صار أكثر من حقيقة في السنة 2018. ما تشهده سوريا هو حرب طائفية لم تعد شعارات البعث، بكلّ تخلّفه، قادرة على تغطيتها

حصيلة الأمر أنّ كلّ ما يقال عن حرب الغوطة ليس سوى غطاء لحقيقة ما يدور في سوريا. كان لا بدّ من انتظار السنة 2018 للتأكّد من أن الحرب على الشعب السوري لن تنتهي غدا. مازالت هذه الحرب طويلة وذات طابع طائفي ومذهبي أوّلا وأخيرا.

كانت ندوة نظمها في بيروت في العشرين من شباط – فبراير “بيت المستقبل” الذي أسسه الرئيس أمين الجميّل مع “مؤسسة كونراد أديناور” الألمانية تحت عنوان “حقيقة ديموغرافية جديدة في سوريا” مناسبة لسماع آراء خبراء دوليين وسوريين ولبنانيين في ما يدور في سوريا انطلاقا من الواقع الذي فرضته التغييرات التي حصلت على الأرض.

من بين ما قيل في الندوة إن العلويين هم الأكثر تعلّقا بالدولة المركزية في سوريا من منطلق أنّهم كانوا الحكام الفعليين لهذه الدولة منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة واحتكاره لها في العام 1970. في الواقع، كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع منذ العام 1966. ما لم يشر إليه أيّ من المشاركين هو دوره في تسليم الجولان إلى إسرائيل في حرب العام 1967.

ما لم يفت المشاركين أنّ إخراج أهل الغوطة الشرقية من أراضيهم يخدم مشروع إبعاد أكبر عدد من السنة عن دمشق. أشار مشارك إلى أن هناك مليون علوي في دمشق حاليا وأنّ تغييرات حصلت داخل المدينة ومحيطها عن طريق شراء الأراضي والممتلكات. ذكر آخر أن معظم أهل حمص هجروا منها وهناك هجمة علوية عليها. تشمل هذه الهجمة الاستيلاء على أملاك أهل حمص.

ذهب مشارك إلى حد القول إنّه إذا كانت هناك من دولة علوية ستقوم في سوريا، ستكون دمشق عاصمة هذه الدولة التي سيكون لها امتداد في اتجاه المناطق التي يسيطر عليها “حزب الله” في لبنان. ستضم الدولة العلوية دمشق وحمص وحماة والقسم الأكبر من الساحل السوري حيث اللاذقية وطرطوس وبانياس. ستبقى حلب خارج هذه الدولة.

كان ملفتا ما ذكره مشارك آخر في الندوة عن احتمالات المواجهة بين الأكراد والعرب في شمال شرق سوريا وعن زوال الوجود المسيحي في تلك المنطقة. لم يعد في دير الزور كلّها سوى مسيحي واحد!

كشفت الندوة حقيقة لم يتحدث عنها أحد في الماضي عن الوجود المسيحي في سوريا عموما. تتمثل هذه الحقيقة أنّ نسبة المسيحيين في بداية العام 2011، أي قبل اندلاع الثورة في شهر آذار – مارس من تلك السنة كانت 4.6 في المئة من عدد السكان وليس 10 في المئة كما هو شائع. هجّر حافظ الأسد ثمّ بشّار الأسد المسيحيين من سوريا على دفعات وذلك قبل اندلاع الثورة الشعبية التي كانت ثورة على نظام حرم المواطن السوري من كرامته.

ما كان سرّا في سوريا منذ تولّي حزب البعث السلطة في العام 1963، صار أكثر من حقيقة في السنة 2018. ما تشهده سوريا هو حرب طائفية لم تعد شعارات البعث، بكلّ تخلّفه، قادرة على تغطيتها.

كلّ ما يفعله العلويون حاليا بدعم إيراني وروسي هو الخروج بسوريا جديدة من منطلق طائفي ومذهبي ليس لإيران غيره لتبرير تحولّها إلى دولة متوسطية تستخدم فيها سوريا جسرا إلى لبنان الذي لم تعد تحتاج فيه إلى الكثير من أجل الإمساك به.

تبقى علامة استفهام تتعلّق بالموقف الأميركي وما إذا كانت هناك استراتيجية أميركية تتجاوز الاكتفاء بالاحتفاظ بـ”سوريا المفيدة” والتفرّج على إحدى أفظع الجرائم منذ بداية هذا القرن، أي جريمة الغوطة الشرقية… هذه الجريمة المرتبطة بالحقيقة الديموغرافية الجديدة في سوريا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حماة 1982… وسوريا الجديدة حماة 1982… وسوريا الجديدة



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya