حماس تهزم العقل العربي مجددا

حماس تهزم العقل العربي مجددا

المغرب اليوم -

حماس تهزم العقل العربي مجددا

بقلم : خيرالله خيرالله

صدر عن حركة “حماس” وثيقة جديدة أم لم يصدر، ذلك لا يقدم ولا يؤخر لا فلسطينيا ولا عربيا، ولا يغير شيئا في أوضاع منطقة الشرق الأوسط ولعبة التوازنات فيها.

يأتي الكلام عن الوثيقة الجديدة مع اقتراب الذكرى الخمسين لهزيمة الخامس من حزيران – يونيو 1967 التي كانت قبل أيّ شيء آخر هزيمة للعقل العربي، هزيمة يبدو أنّه لم يشف منها بعد. لو كان العقل العربي شفي من هذه الهزيمة، لكانت “حماس” صارحت العرب عموما والفلسطينيين على وجه التحديد بأنها تريد وراثة السلطة الوطنية الفلسطينية والحلول مكانها في الضفة الغربية. فالسلطة الوطنية الفلسطينية تعاني حالا من الهلهلة لأسباب داخلية أوّلا، ولانسداد آفاق التسوية السياسية ثانيا وأخيرا. لماذا لا تستغل “حماس” هذا الوضع؟

يحصل ذلك في وقت، تحوّلت حركة “فتح” إلى موضوع هامشي، لا لشيء سوى لأن “فتح” بوضعها الراهن لم تعد على علاقة بـ“فتح”. وهذا ما تعيه “حماس” جيّدا مع اقتراب ذكرى مرور عشر سنوات على استيلائها على قطاع غزة وإخراج السلطة الوطنية وأجهزتها منها وحرصها على المسّ بما يمثّل تاريخ “فتح”، بما في ذلك منزل ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، ومحتوياته.

باتت “حماس”، التي أقامت “إمارة إسلامية” في القطاع وخاضت حروبا مع إسرائيل، تمتلك ما يكفي من الخبرة في ممارسة السلطة في ظروف في غاية الصعوبة. لماذا لا تنقل تجربتها إلى الضفّة الغربية مستخدمة هذه المرّة الوسائل المشروعة وبرنامجا مقبولا من المجتمع الدولي.

يقوم هذا البرنامج الجديد، الذي أعلنته “حماس”، على التخلي عن فكرة تدمير إسرائيل من جهة، وقبول قيام دولة فلسطينية في حدود العام 1967 من جهة أخرى. إضافة إلى ذلك، سعت “حماس” إلى طمأنة مصر وذلك عن طريق إعلان فك الارتباط بحركة الإخوان المسلمين، علما أن الطفل يدرك أن هذا ليس ممكنا وليس صحيحا، لأن في داخل كل حمساوي أخ مسلم صغير يعرف جيّدا متى يخبّئ ما يؤمن به حقيقة وراء بذلة غالية الثمن وربطة عنق شبه أنيقة، بل مشكوك بأناقتها، متظاهرا بأنه يريد دولة مدنية منفتحة. الواضح أن مصر تعرف ذلك جيدا ولذلك وضعت العلاقة مع “حماس” في إطار محدد بدقة. حصرت هذه العلاقة بجهاز الاستخبارات لديها، أي أنّ موضوع العلاقة مع “حماس” موضوع أمني بالدرجة الأولى.

لا يمكن الاستخفاف بالطريقة التي تعدّ بها “حماس” نفسها لتولي أمور الضفة الغربية. استعانت بشخصيات أوروبية نافذة تولت التـوسط مع الإدارة الأميركية التي يبدو أنّها اطلعت على النصّ الذي تنوي الحركة اعتماده من أجل الإطلالة على العالم بطريقة مختلفة عن تلك التي أطلت بها عليه من غزّة.

من هذا المنطلق، لا بدّ من وضع الوثيقة الجديدة التي أعلنت عنها في إطارها الصحيح، أي السعي إلى السلطة. هناك شبق للسلطة، ليس بعده شبق، لدى الإخوان المسلمين وكل التنظيمات التي خرجت من عباءتهم. المهمّ السلطة. هذا ما بدا واضحا من خلال ممارسات “حماس” في غزة.

أمضت “حماس” عشر سنوات في حكم القطاع بعد الاستيلاء عليه بالقوّة في منتصف حزيران – يونيو 2007 وبعدما أخلت بكل الاتفاقات التي وقعتها مع “فتح”، بما في ذلك اتفاق مكّة. نجحت في أمر واحد هو الاحتفاظ بالسلطة بعدما جعلت همّ كلّ فلسطيني مقيم في القطاع الهرب منه. أكثر من ذلك، استفادت إلى أبعد حدود من الحصار الذي فرضته إسرائيل على أهل القطّاع. وفّرت إسرائيل لـ“حماس” كلّ ما تريده من أجل الاستمرار في التحكّم برقاب الغزّاويين. كان استمرار الحصار جزءا من استراتيجية الحركة الإسلامية التي أرادت تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني، وليس الانتهاء من الاحتلال الذي رحل بالفعل عن غزّة صيف العام 2005.

كانت الصواريخ المضحكة – المبكية التي تطلقها “حماس” بين وقت وآخر تجاه إسرائيل أكبر خدمة قدمّتها لها كي يقول أرييل شارون والذين خلفوه، على رأسهم بنيامين نتانياهو، إن لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه.

بعد عشر سنوات من الخدمات الجليلة لإسرائيل، آن الأوان لـ“حماس” كي تقدّم أوراق اعتمادها لنتانياهو في الضفة الغربية. كيف لا ترحّب حكومة إسرائيل بمثل هذا التطوّر ما دامت “حماس” ترفض الاعتراف بإسرائيل. ستقول إسرائيل إن على من يريد التوصّل إلى حل الاعتراف بالطرف الآخر. لماذا إذا طرح موضوع المفاوضات، اللهمّ إلا إذا كانت “حماس” ستسعى إلى ذلك من أجل تحقيق “هدنة طويلة”، تحدّثت عنها في الماضي. مثل هذه الهدنة تظل هدفا إسرائيليا بحد ذاته نظرا إلى أنّ ما تريده في المدى المنظور هو التركيز على زرع المزيد من المستوطنات في الضفّة الغربية ومحاصرة القدس الشرقية من كلّ حدب وصوب بغية تكريس احتلالها لها.

لا شيء يمنع “حماس” من القول صراحة إنّها تريد السلطة ووضع اليد على منظمة التحرير الفلسطينية وعلى الضفّة الغربية. أمّا القول إنّ الوثيقة الجديدة ستشكّل تطوّرا على الصعيدين الفلسطيني والإقليمي، فهذا كلام لا معنى له ولا يصدّقه إلا الساذجون الذين يجهلون أن ياسر عرفات ناضل طويلا من أجل الوصول إلى إقرار البرنامج الوطني الفلسطيني الذي مهّد، بعد توقيع اتفاق أوسلو، لدخوله البيت الأبيض.

بين اللقاء الأوّل بين “أبوعمّار” ووزير الخارجية الفرنسي جان سوفانيارغ، وإقرار البرنامج الوطني الفلسطيني الذي يتضمن اعترافا بإسرائيل وبالقرار 242، انقضت أربع عشرة سنة. عقد اللقاء مع الوزير الفرنسي، وكان الأول من نوعه بين مسؤول أوروبي في هذا المستوى يمثّل دولة لديها عضوية دائمة في مجلس الأمن، في العام 1974 في مقر السفير الفرنسي في بيروت. في العام 1988، انطلقت رحلة التفاوض مع إسرائيل بعد بدء الحوار بين منظمة التحرير والولايات المتحدة، مرورا بنبذ “أبوعمّار” للإرهاب في مؤتمر صحافي عقده في جنيف.

كان الهدف الوصول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة وليس ممارسة السلطة في ظلّ الاحتلال أو الحصار كما هو حاصل حاليا في غزّة والضفّة الغربية. لتكن “حماس” صريحة ومباشرة مع الفلسطينيين وتعلن ما الذي تريده، أي حكم الضفّة الغربية. لن تجد عندئذ أي مشكلة مع إسرائيل، لا لشيء سوى لأنّ الأخيرة تفضل مئة مرّة أن تكون “حماس” واجهة الشعب الفلسطيني، والمجتمع الذي تسعى الحركة إلى إقامته البديل من المجتمع الفلسطيني المنفتح على كلّ ما هو حضاري في العالم.

تتكرّر هزيمة العقل العربي بعد نصف قرن على هزيمة 1967. ثمّة من لا يريد أن يتعلّم من تجارب الأمس القريب التي أوصلت الفلسطينيين إلى أبواب القدس لو أحسنوا التصرّف في العام 2000، عندما عرض عليهم بيل كلينتون إطارا عاما لحلّ كان مفترضا بهم قبوله، بدل اتخاذ قرار بـ“عسكرة الانتفاضة”.

تعيد “حماس” السير في تجربة فاشلة لا أمل لها بالنجاح لا أكثر ولا أقل. إنّها تحتقر العقل السليم وكل ما له علاقة بالمنطق وتجارب التاريخ الحديث والقديم في آن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حماس تهزم العقل العربي مجددا حماس تهزم العقل العربي مجددا



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya