السعودية الجديدة من يريد أخذ العلم

السعودية الجديدة.. من يريد أخذ العلم؟

المغرب اليوم -

السعودية الجديدة من يريد أخذ العلم

بقلم - خيرالله خيرالله

هناك مملكة عربية سعودية جديدة بكلّ مقياس من المقاييس. هذا ما يغيب عن كثيرين يرفضون رؤية ما يحصل في المملكة. هل من يريد أخذ العلم بذلك؟

لم تكن الجولة الآسيوية للملك سلمان بن عبدالعزيز التعبير الوحيد عن وجود هذه السعودية الجديدة فحسب، بل جاء أيضا اجتماع الأمير محمّد بن سلمان وليّ وليّ العهد السعودي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليؤكّد أن تغييرات عميقة كثيرة طرأت على المملكة. وهذا يعني بكلّ بساطة أن لا بدّ من إعادة اكتشاف السعودية من جهة، والتخلي عن أفكار قديمة راسخة في ذهن بعض الناس، بما في ذلك جهات عربية معروفة، من جهة أخرى.

يعتبر تحرّك الملك سلمان تجاه آسيا الأوّل من نوعه إذا أخذنا في الاعتبار طول الجولة وعدد الدول التي زارها العاهل السعودي، فضلا عن طبيعة هذه الدول التي اختيرت كلّ منها بعناية فائقة ولأسباب محدّدة. جمع هذا التحرّك، الذي تمثله الجولة الطويلة للعاهل السعودي، بين دول ذات أكثرية إسلامية حققت نجاحات اقتصادية وأعطت صورة مشرقة عن الإسلام وبين ثاني وثالث أكبر اقتصاديْن عالميين هما الصين واليابان (تمثل الصين 14 في المئة من اقتصاد العالم واليابان أقلّ بقليل من ستة في المئة منه).

جمع العاهل السعودي بين مجموعة من الدول الإسلامية الناجحة مثل ماليزيا وإندونيسيا، ودول متقدّمة اقتصاديا وتكنولوجيا كالصين واليابان، وذلك بهدف واضح كلّ الوضوح. يتمثّل هذا الهدف في أن المملكة العربية السعـودية قادرة على التعاطي مع التغييرات التي يشهدها العالم، بما في ذلك الثقل الآسيوي الذي باتت تمثّله دولة مثل الصين تطمح إلى لعـب دور أكبر في محيطها، فيما لا تزال اليابان من بين أكثر دول العالم تقدّما من الناحية التكنولوجية، إضافة إلى أنّ لديها قصة نجاح خاصة بها.

ليس سرّا أن اليابان التي لا تمتلك ثروات طبيعية والتي خرجت مدمّرة من الحرب العالمية الثانية والتي تعرضت لإلقاء قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناغازاكي، استطاعت النهوض. نهضت من دون عقد ومن دون شعارات مرتبطة بالسيادة والاستقلال والقيود التي فرضتها عليها الهزيمة. نهضت اليابان لأنهّا اعتمدت على الإنسان وعلى قيم راسخة في المجتمع الياباني في مقدّمها تقديس فكرة العمل الجدّي في ظلّ الانضباط. نهضت اليابان لأنّها استفادت من تجارب الماضي، بما في ذلك ما مرت به في الحرب العالمية الثانية.

لدى اليابان التي تحتاج إلى الطاقة، مثلها مثل الصين، مصالح مشتركة مع المملكة العربية السعودية. أين المشكلة في تطوير هذه المصالح وفي جعلها تخدم البلدين بطريقة أفضل؟

كشفت جولة الملك سلمان أنّ هناك هوامش كثيرة للتحرّك السعودي على الصعيد العالمي، وأنّ المملكة لاعب في الساحة الدولية، خصوصا أنّها تعي مواقع ضعفها كما تعي مواقع قوتها. تعي خصوصا أنّ الجمود لم يعد مقبولا وأنّ لا بدّ من سعودية جديدة تتعاطى مع عالم جديد يتكوّن. من أبرز عناوين هذا العالم الجديد الصعود الآسيوي والتراجع الأوروبي في ظلّ الأزمات الكبيرة التي تعاني منها دول القارة القديمة والتهديدات التي يتعرّض لها الاتحاد الأوروبي المتصدّع الذي لم يعد مضمونا استمراره، في ظلّ صعود اليمين المتطرّف في غير بلد من بلدان الاتحاد.

كان الملك سلمان في طوكيو عندما استقبل ترامب محمّد بن سلمان في البيت الأبيض. لا حاجة إلى وصف أجواء اللقاء. الصور كانت أكثر من معبّرة عن التغيير الذي طرأ على جوّ العلاقات السعودية ـ الأميركية في ضوء انتهاء عهد باراك أوباما.من كان لديه أدنى شكّ في وجود سعودية جديدة، يستطيع التمعّن في التصريحات التي صدرت عن أحد مستشاري وليّ وليّ العهد السعودي، الأمير فيصل الفرحان، الذي لم يستخدم اللغة الملتوية للتعبير عن الموقف السعودي. وهذا مغزى الوضوح في الرسالة التي عبر عنها محمد بن سلمان أمام ترامب.

توجّه محمّد بن سلمان، استنادا إلى مستشاره، بكلام مباشر إلى الرئيس الأميركي، فالاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني “سيء وخطير” وإيران تدعم كلّ أنواع التطرّف بما في ذلك “القاعدة” و“داعش”. الأهمّ من ذلك كلّه أن السعودية مستعدة للمساهمة بالرجال في الحرب على الإرهاب.

أدت زيارة محمد بن سلمان لواشنطن إلى تغيير كبير في الموقف الأميركي، أو على الأصحّ، سمحت الزيارة بالتأكد من حصول التغيير الكبير في السياسة الأميركية التي بدأت تعي خطورة المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة وعلاقة إيران بكلّ أنواع التطرّف أكان شيعيا أو سنّيا. هذا ليس عائدا، فقط، إلى أنّ الإدارة الأميـركية الجـديدة مختلفـة. بل الأمـر عائد أصلا إلى أن السعـودية قامت بمـا يجـب أن تقوم به ولم تكتف بالتفرّج على مـا يـدور في محيطها. ليس سرّا أن إيران تشّن حربا على المملكة. ليس سرّا أن السعودية لم تدفن رأسها في الرمال، بل قالت الأمور كما هي من دون مواربة. ترافق كلامها مع الأفعال المحدّدة. استكشفت المملكة ما إذا كان هناك تغيير في لبنان في ضوء انتخاب رئيس للجمهـورية هـو الجنرال ميشال عون. سيكون على لبنان تنفيذ ما تعهّده الرئيس اللبناني خلال وجوده في الرياض في حال كان راغبا في الخروج من تحت الهيمنة الإيرانية… وإقامة علاقات طبيعية مع الخليج العربي. لم تكتف السعودية بالتفرّج على ما يدور في العراق. أرسلت وزير الخارجية عادل الجبير لجس نبض الحكومة العراقية، واستكشاف إلى أي حدّ يمكن أن تخرج حكومة حيدر العبادي من تحت سيطرة الميليشيات المذهبية.

وفي اليمن، أكدّت السعودية أنها لا تحارب الشعب اليمني، بل إن “عاصفة الحزم” تستهدف تأكيد رفضها تحوّل هذا البلد المهمّ شوكة إيرانية أخرى في خاصرتها وخاصرة دول مجلس التعاون الخليجي عموما.

يبقى أنّه بالنسبة إلى سوريا، سيكون للسعودية خصوصا وللعرب عموما دور في قيام “المناطق الآمنة”. المرجح أن تكون “المنطقة الآمنة” الأولى في منطقة الحدود الأردنية – السورية. هناك علاقة أخذ وردّ مع أميركا وليس مجرّد تقديم طلبات عربية وإطلاق تمنيات إلى الإدارة في واشنطن. لا بدّ من تخليص الشعب السوري من هذا النظام الأقلّوي الذي استعبده منذ العام 1970. لا بدّ من خطوات عملية تصبّ في البحث الجدّي عن تسوية سياسية من شروطها رحيل بشّار الأسد ونظامه المتورط في دعم الإرهاب إلى ما فوق أذنيه.

يخطئ بين العرب وغير العرب من يتعاطى مع السعودية من دون أخذ في الاعتبار لما تغيّر فيها جذريا، خصوصا بعد طرح “رؤية 2030”. الماضي مضى. من كان يتصوّر أن الكلام الجريء سيحل مكان الصمت، وأنّ ما كان صالحا في التعامل مع المملكة لم يعد له فائدة تذكر الآن. اللغة السعودية الجديدة هي لغة الأرقام والمصالح المشتركة والحسابات الدقيقة لا أكثر ولا أقلّ، ولكن من دون أن يعني ذلك انتفاء الحاجة إلى إصلاحات في العمق في الداخل السعودي. إنّها إصلاحات على صعيد بناء الإنسان بعيدا عن ثقافة التطرّف والتزمّت في ظلّ برامج تربوية مرتبطة بالعصر والانفتاح ونشر ثقافة العمل لساعات طويلة يوميا…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية الجديدة من يريد أخذ العلم السعودية الجديدة من يريد أخذ العلم



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya