معركة الحديدة في إطارها الأوسع

معركة الحديدة في إطارها الأوسع

المغرب اليوم -

معركة الحديدة في إطارها الأوسع

بقلم : خير الله خير الله

ما حصل في الحديدة ليس مجرد معركة عسكرية خطط لها بطريقة جيدة فحسب، بل هناك أيضا ما هو أبعد من ذلك بكثير. اليمن وساحله ليسا معزولين عن التهديدات التي تتعرّض لها شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج كلها.

خطوة لاستعادة الحديدة والميناء الاستراتيجي

خلافا لرهانات إيران وأدواتها وأبواقها، ستتحرّر الحديدة من الحوثيين (أنصارالله). ليست سيطرة القوات التي تعمل تحت راية الشرعية على مطار المدينة سوى خطوة أخرى على طريق استعادة الحديدة والميناء الاستراتيجي على البحر الأحمر. هذا الميناء الذي يستميت الحوثيون في الدفاع عنه متجاهلين أنهم أصبحوا جسما غريبا، أينما حلّوا، حتى داخل صنعاء نفسها.

يعود الفضل في وجودهم في صنعاء إلى ما يسمّى “قبائل الطوق” التي استثمروا فيها طويلا. هذه قبائل مستعدة لتغيير مواقفها عندما تجد ذلك مناسبا لها، خصوصا أنّها من النوع الذي يُمكن استئجاره وليس شراءه. متى ينتهي عقد الإيجار بين الحوثيين وهذه القبائل؟ كل شيء يعتمد على الأموال التي في حوزة “أنصارالله” أو الجهات التي تدعمهم هذه الأيّام.

وهذا لا ينطبق على الجانب الإيراني وحده، بل على قوى عربية لديها حسابات تريد تصفيتها مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية تحديدا. تدعم هذه القوى هذه القبائل كي تبقى على ولائها للحوثيين، حتّى لو كان ذلك ولاء بالإيجار ليس إلّا!

مكّن هذا الاستثمار الناجح في قبائل الطوق الحوثيين من السيطرة على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 بعدما رفض الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي سماع نصيحة علي عبدالله صالح التصدي لهم في محافظة عمران، أي قبل وصولهم إلى مشارف العاصمة.

دفع علي عبدالله صالح نفسه في مرحلة لاحقة، في الرابع من كانون الأوّل – ديسمبر2017 ثمن دخول الحوثيين صنعاء. واجههم بشجاعة نادرة مع مجموعة قليلة من حراسه بعدما اتخذوا قرارا باغتياله إثر استنفاد الغرض من التحالف الشكلي والموقت الذي أقاموه معه.

ليس هناك، في الوقت الراهن، من هو في عجلة من أمره في دخول مدينة الحديدة والميناء ما دام كلّ شيء يسير حسب الخطة المرسومة. تقضي الخطة المرسومة بتوجيه ضربات متتالية إلى المشروع الإيراني في اليمن، وصولا إلى محاصرته كليا تمهيدا لتوجيه الضربة القاضية في صنعاء.

تكمن أهمّية الحديدة في أنّ الميناء يؤمن لـ“أنصارالله” موارد مالية كبيرة، عن طريق الخوات والضرائب التي يفرضونها على كلّ ما يمرّ في الميناء ويأتي عبره. كذلك أن ميناء الحديدة الذي يستخدمه الحوثيون لتهديد الملاحة في البحر الأحمر، هو المكان الذي تأتي منه الأسلحة التي مصدرها إيران، بما في ذلك الصواريخ الباليستية التي تطلق في اتجاه الأراضي السعودية.

الأهمّ من ذلك كلّه، أن الحديدة هو آخر منفذ بحري أساسي للحوثيين. ستبقى لدى هؤلاء من دون شكّ بعض المنافذ الصغيرة التي تستطيع استقبال قوارب تنقل أسلحة خفيفة مهرّبة لا قيمة تذكر لها.

 ساعة الحسم تقترب، لكنها لن تكون غدا أو بعده. يستطيع المهاجمون الانتظار، خصوصا أن الطفل في اليمن يعرف أنّ الحديدة ليست بيئة حاضنة للحوثيين

كذلك، ستبقى لديهم طرق برّية لتمرير أسلحة خفيفة وذخائر، لكنّ لا شيء يعوّض خسارتهم الحديدة. فوق ذلك كله، تندرج استعادة الحديدة ضمن رؤية ذات طابع استراتيجي لمنظومة الأمن الإقليمي الذي يشمل ضفتي القرن الأفريقي، أي إثيوبيا وإريتريا والصومال أيضا.

 ليس سرّا أن من يعتقد أن الحديدة لن يستعاد، عليه أن يتذكر أنّ ميناء عدن كان في يد الحوثيين أيضا، كذلك ميناء المخا الذي يتحكّم بمضيق باب المندب. استعيد الميناءان، كما استعيد ميناء المكلا. هناك قوى جدّية تقاتل على الأرض، هي لواء العمالقة ومجموعات بقيادة هيثم قاسم طاهر، وزير الدفاع السابق. انضمت إلى هذه القوى مجموعات من “حراس الجمهورية” بقيادة العميد طارق محمّد عبدالله صالح ابن شقيق علي عبدالله صالح.

 يقاتل طارق محمد عبدالله صالح، على الرغم من وجود أخيه محمّد محمّد عبدالله صالح ونجله عفاش أسيريْن لدى الحوثيين. كذلك، لا يزال هؤلاء يحتجزون في صنعاء اثنين من أبناء علي عبدالله صالح هما صلاح ومدين وعددا من أفراد العائلة.

في النهاية، كان القرار القاضي بمنع سقوط اليمن في يد إيران قرارا جديا اتخذه التحالف العربي الذي شنّ “عاصفة الحزم” في آذار – مارس 2015. حققت “عاصفة الحزم” القسم الأكبر من أهدافها وستحقّق القسم الباقي قريبا، خصوصا إذا أمكن تفادي أخطاء ارتكبت بين حين وآخر.

 لا تقتصر هذه الأخطاء على قصف أهداف مدنية عن طريق الخطأ فحسب، بل على عدم فعالية ما يسمّى “الشرعية” أيضا. فالمستغرب أن التقدم العسكري الذي تحقّق على طول الساحل اليمني، والذي سيستكمل بتحرير الحديدة، لم يرافقه تقدّم برّي يذكر في اتجاه صنعاء انطلاقا من نهم ومأرب.

إضافة إلى ذلك، أن الوضع في تعز لا يزال يراوح مكانه منذ فترة طويلة. هل المشكلة في “الشرعية” التي على رأسها عبدربه منصور هادي فقط… أم هناك مشكلة في مكان آخر مرتبطة بحزب الإصلاح، أي بالإخوان المسلمين والحسابات الخاصة بهم وكيفية تحريك القوات التابعة لهؤلاء؟

في كلّ الأحوال لا يعني التريث في حسم معركة الحديدة أي ضعف لدى القوات التي تتولى أمر هذه المعركة. كلّ ما هناك أنّه توجد رغبة في التمهل والتريث تفاديا لسقوط خسائر كبيرة لدى المهاجمين وفي صفوف السكان المدنيين.

 ساعة الحسم تقترب، لكنها لن تكون غدا أو بعده. يستطيع المهاجمون الانتظار، خصوصا أن الطفل في اليمن يعرف أنّ الحديدة ليست بيئة حاضنة للحوثيين. لكنّ أهل الحديدة المعروفون بأنهم مسالمون لن يمارسوا أي مقاومة مسلحة في انتظار مزيد من التقدم للقوات التي تعمل تحت راية “الشرعية”.

إذا كانت “عاصفة الحزم” أظهرت شيئا، فهي أظهرت أن هناك قوى عربية مستعدة لخوض معركة طويلة في مواجهة الخطر الإيراني الذي يجسّده مشروع توسّعي من بين ضحاياه العراق وسوريا ولبنان.

سعى هذا المشروع إلى تدمير البحرين. إضافة إلى ذلك، أراد هذا المشروع التمدد في مصر أيّام كان محمد مرسي رئيسا، كما لم يعد خافيا أن المغرب وضع له حدّا نهائيا عندما وصل به الأمر بالقيمين على المشروع الإيراني إلى الدخول على خطّ المسّ بالسيادة على الصحراء المغربية.

ليست معركة الحديدة سوى خطوة أخرى مهمّة في طريق طويل اسمه التصدّي لمشروع يقوم على مبدأ تفتيت العالم العربي عن طريق إثارة الغرائز المذهبية. كان السؤال دائما هل من سيتصدى لهذا المشروع أم لا؟ الجواب نعم كبيرة يؤكدها ما يدور حاليا في الحديدة التي سيكون استعادة ميناءها ومطارها والمدينة نفسها نقطة تحوّل ليس على الصعيد اليمني فحسب، بل على الصعيد الإقليمي أيضا.

ما حصل في الحديدة ليس مجرد معركة عسكرية خطط لها بطريقة جيدة فحسب، بل هناك أيضا ما هو أبعد من ذلك بكثير. اليمن وساحله ليسا معزولين عن التهديدات التي تتعرّض لها شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج كلّها، بما في ذلك منطقة القرن الأفريقي.

 وجد أخيرا بين العرب من يمتلك تلك النظرة الإستراتيجية التي تضع معركة الحديدة في إطار أوسع من اليمن ومعركة اليمن في إطارها الصحيح.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة الحديدة في إطارها الأوسع معركة الحديدة في إطارها الأوسع



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya