لبنان والعراق… والعقل الميليشيوي

لبنان والعراق… والعقل الميليشيوي

المغرب اليوم -

لبنان والعراق… والعقل الميليشيوي

خيرالله خيرالله
بقلم : خيرالله خيرالله

تقبل الميليشيات المذهبية نتائج الانتخابات عندما تروق لها وتعتقد أن في استطاعتها التلاعب بها خدمة لمن تعمل هذه الميليشيات على استرضائه. ترفض هذه الميليشيات نتائج الانتخابات عندما ترى فيها صحوة شعبية لا تصبّ في مصلحة من يسيّرها من طهران.

من أغرب ما يشهده العالم العربي حاليا، أو على الأصحّ العوالم العربية، سيطرة العقل الميليشيوي على دول معيّنة مثل العراق ولبنان. هناك بالطبع في سوريا ما هو أسوأ من العقل الميليشيوي بعدما صار البلد محكوما، أقلّه ظاهرا، من طرف لا همّ له سوى تلبية ما يطلبه الاحتلال الإسرائيلي، أو المشروع التوسّعي الإيراني ذي الطابع المذهبي البحت.

يَحولُ هذا العقل الميليشيوي دون وجود أي مكان للمنطق. ما المنطق وراء عدم قيام حكومة لبنانية تضمّ كفاءات برئاسة سعد الحريري المكلف بتشكيل مثل هذه الحكومة منذ ما يزيد على شهرين؟ ما المنطق الذي يحول دون ظهور النتائج الحقيقية للانتخابات العراقية والانطلاق منها لقيام حكومة جديدة برئاسة حيدر العبادي أو غيره من السياسيين العراقيين؟

الجواب عن هذين السؤاليْن المرتبطيْن بلبنان والعراق أن لا حياة سياسية طبيعية في أي بلد تكون فيه ميليشيات مذهبية مسلّحة تريد فرض رأيها وخياراتها السياسية بالقوّة على الآخرين… إلّا إذا حصلت معجزة في لبنان يستطيع سعد الحريري في ضوئها تشكيل حكومة تساعد في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلد ومؤسساته واقتصاده ونظامه المصرفي.

لا بدّ من التوقف طويلا عند الذي يجري في لبنان والعراق. يمكن الذهاب حتّى إلى الربط بين لبنان والعراق في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ فيها البلدان

في الواقع، أُجريت انتخابات نيابية في لبنان يوم السادس من أيّار – مايو الماضي. بعد ذلك بستة أيام، كانت الانتخابات العراقية. معروف من فاز ومن خسر في الانتخابات اللبنانية التي اعتمد فيها على قانون عجيب غريب استهدف قبل أيّ شيء آخر توفير فرصة الوصول إلى مجلس النوّاب لشخصيات معيّنة تنتمي إلى الطائفة المسيحية لا وجود لقاعدة شعبية لها. سبق لإحدى هذه الشخصيات المارونية أن سقطت في كلّ انتخابات خاضتها في الماضي، في ظروف طبيعية، بسبب وجود رفض لها من الناس العاديين. كان مطلوبا أن تدخل هذه الشخصية مجلس النواب على رأس كتلة تضمّ مجموعة لا بأس بها من الانتهازيين وسطحيي التفكير الذين لا يحسنون سوى قول كلمة نعم.

حصل ذلك بالفعل، وصارت هذه الشخصية تستخدم في مهمّة واضحة المعالم تصبّ في إيجاد غطاء مسيحي لما يطالب به “حزب الله”. في مقدّم ما يطالب به الحزب ترجمة كلام الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني عن ميزان القوى داخل مجلس النواب اللبناني الجديد إلى واقع. قال سليماني إن إيران تمتلك أكثرية من 74 نائبا في مجلس النواب اللبناني الذي عدد أعضائه 128. يتمثل ما تسعى إليه إيران حاليا في لبنان في تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري تكون فيها صاحبة الكلمة الفصل. تريد من رئيس مجلس الوزراء في لبنان أن يكون مجرّد “مدير” لجلسات الحكومة.

يعتبر “حزب الله” بكل بساطة أنّه استطاع، عن طريق قانون الانتخابات الذي فرضه على اللبنانيين، تقليص حجم كتلة “تيار المستقبل”. بات يدّعي، للأسف الشديد، أنّ هناك أصواتا سنّية أخرى في البلد، في حين يسيطر الحزب تماما على الكتلة الشيعية في مجلس النوّاب.هذه حسابات إيرانية خاطئة لا تدرك أنّ سعد الحريري، وهو زعيم وطني لبناني بالفعل، لا يمكن أن يكون مجرّد رئيس صوري لمجلس الوزراء. الدستور واضح كلّ الوضوح في شأن من يشكّل الحكومة في لبنان، وكيف تشكّل هذه الحكومة.

ولكن هل هناك من يريد استيعاب أنّ لغة السلاح الميليشيوي غير الشرعي لا تبني دولا، بل تدمّر ما بقي من مؤسسات الدولة، أيّ دولة. فكيف الأمر مع بلد مثل لبنان يعاني من كلّ أنواع الانهيارات ويحتاج أوّل ما يحتاج إلى الاستفادة من مؤتمر “سيدر” الذي انعقد في باريس في نيسان – أبريل الماضي. لن يستفيد لبنان من نتائج “سيدر” وغير “سيدر” من دون حكومة متوازنة، حكومة وفاقية، ترفض ما تحاول إيران فرضه على لبنان مستخدمة سلاح “حزب الله” والغطاء المسيحي لهذا السلاح الذي يساهم في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري.

في لبنان، تفسّر إيران نتائج الانتخابات على طريقتها. في العراق، حيث تمتلك أكثر من ميليشيا مذهبية، نجدها ترفض نتائج الانتخابات. ألغت عمليا هذه الانتخابات معتمدة على ميليشياتها. بقدرة قادر، لم يعد في العراق من هو قادر على تشكيل حكومة. تبيّن بوضوح ليس بعده وضوح أنّ الميليشيات لا تبني دولا ولا مؤسسات ناجحة.

"حزب الله" يعتبر بكل بساطة أنّه استطاع، عن طريق قانون الانتخابات الذي فرضه على اللبنانيين، تقليص حجم كتلة "تيار المستقبل"

هذه الميليشيات، بغض النظر عمّا إذا كانت تابعة لإيران أو لغير إيران، هي الطريق الأقصر إلى القضاء على ما بقي من العراق. لم يعد السؤال هل ستكون هناك حكومة عراقية جديدة؟ صار السؤال ما العمل بالعراق حيث كشفت التظاهرات الشعبية عجزا على كلّ المستويات لنظام فاشل أصلا قائم على المحاصصة الطائفية. نظام فاشل في بلد تتحكم به عمليا الميليشيات المذهبية ولا شيء آخر غير ذلك.

لا تبني الميليشيات المذهبية وغير المذهبية، أي الميليشيات بكلّ أنواعها دولا ولا تطعم الناس خبزا. ما يبني الدول احترام المؤسسات والمواعيد الدستورية. لا يعود هناك معنى للقوانين والممارسة الديمقراطية حيث سلاح آخر غير سلاح الدولة. سلاح يفسّر نتائج الانتخابات كما يريد، وسلاح آخر يلغي نتائج الانتخابات عندما لا تعجبه.

لا بدّ من التوقف طويلا عند الذي يجري في لبنان والعراق. يمكن الذهاب حتّى إلى الربط بين لبنان والعراق في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ فيها البلدان. ما يربط بين العراق ولبنان هو سيطرة الميليشيات المذهبية على الحياة السياسية في البلدين. لا مفرّ من الاعتراف بأن لبنان لا يزال يقاوم. لا يزال سعد الحريري، مع كلّ ما يظهره من مرونة رمزا للمقاومة اللبنانية التي ترفض الاستسلام للأمر الواقع الذي يسعى قاسم سليماني، بكل ما يمثله، فرضه على لبنان واللبنانيين.

للمرّة الألف، هناك معركة دائرة في غير بلد عربي بين ثقافة الحياة وثقافة الموت. من بين ما يساعد ثقافة الحياة على الانتصار وجود مؤسسات لدولة تعمل بكلّ حرية في ظلّ احترام للدستور والقوانين المعمول بها واحترام لنتائج الانتخابات، بعيدا عن محاولة التفسير الإيراني لها، كما الحال في لبنان.

أمّا ثقافة الموت، فهي تتمثل في ما تعمل الميليشيات المذهبية من أجل فرضه على اللبنانيين والعراقيين. تعمل هذه الميليشيات التي ليس لديها ما تقدّمه غير نشر البؤس، حيثما حلّت، سوى على القضاء على أمل في أيّ مستقبل أفضل للمواطن العادي. تعمل هذه الميليشيات على أن يكون لبنان والعراق أرضا طاردة لأهل البلدين… لمصلحة مشروع لا وجود لأي أفق حضاري له باستثناء تفتيت المنطقة العربية إربا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان والعراق… والعقل الميليشيوي لبنان والعراق… والعقل الميليشيوي



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 20:21 2016 السبت ,16 تموز / يوليو

حقائق تقرير تشيلكوت ودلالاته..!!

GMT 02:52 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تجهيزات الفنادق لاستقبال موسم العطلات وعيد الميلاد المجيد

GMT 06:40 2018 الخميس ,03 أيار / مايو

طرق إختيار الزيت المناسب لنوع الشعر

GMT 02:44 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

أسباب اختيار المرأة الخليجية ماسك الذهب

GMT 05:48 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

جان كلود جونكر يرغب في بقاء بريطانيا داخل "اليورو"

GMT 10:56 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ننشر 10 تساؤلات بشأن تعويم الدرهم

GMT 13:09 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

العلمي يقرر اعفاء مدير مركز الاستقبال الرياضي بوركون

GMT 14:58 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منتخب الكاميرون يصل إلى الدار البيضاء للمشاركة في "الشان"

GMT 22:43 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

الحرب الليبية تطيح بقطار الزواج والعنوسة باتت أزمة متفاقمة

GMT 04:20 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

رامافوسا يترأس حزب المؤتمر الوطني الجنوب أفريقي

GMT 17:45 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الوداد يربك حسابات المغرب التطواني ويبعثر أوراق فرتوت

GMT 08:40 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الطقس و الحالة الجوية في جبل العياشي

GMT 06:20 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عون يُخلي مسؤولية لبنان في صراعات دول عربية
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya