لا شيء يحدث بالصدفة منذ تسليم الجولان

لا شيء يحدث بالصدفة منذ تسليم الجولان

المغرب اليوم -

لا شيء يحدث بالصدفة منذ تسليم الجولان

بقلم : خيرالله خيرالله

أكد رئيس النظام السوري بشار الأسد في حديث إلى محطة تلفزيونية بيلاروسية، وما أدراك ما بيلاروسيا، أنه ينوي “تحرير كل سوريا” وأنه لم تبق سوى نسبة عشرين في المئة من الأراضي السورية في يد “الإرهابيين”.

الواضح أن الأسد الابن يعني كلّ كلمة يقولها، وهو يعتمد في كلامه على الواقع المتمثل في أن ما يجري على الأرض هو تحرير لسوريا من السوريين. هذا ما باشره منذ اليوم الأوّل لخلافته والده، بل قبل ذلك عندما أصبح الحاكم الفعلي لسوريا في العام 1998 عندما بدأ المرض ينهش جسم الأسد الأب.

كل ما في الأمر أن الابن يتابع مهمّة تكفّل بها حافظ الأسد الذي كان وزيرا للدفاع في سوريا عندما احتلت إسرائيل الجولان من دون مقاومة تذكر في حرب حزيران ـ يونيو 1967.

على هامش كلام بشار الأسد عن “تحرير سوريا” لا بدّ من ملاحظة تلك العلاقة العجيبة الغريبة بين رجال النظام السوري المعروفين ودولة مثل بيلاروسيا لا تشبه سوى روسيا الستالينية. استطاع بشّار الأسد حصر علاقات سوريا التي كان يمكن أن تكون من أكثر الدول تقدما في المنطقة في ضوء ما تملكه من ثروات بدول مثل بيلاروسيا ورومانيا… أو روسيا وإيران. لا يعود هناك ما هو مستغرب عندما تتحكّم عائلة ببلد، وعندما يرفض رئيس النظام الاعتراف بما يدور حقيقة في سوريا وفي مناطق قريبة من سوريا.

هناك واقع مؤلم في سوريا والعراق في آن. هناك عملية تدمير ممنهجة لمدن كبيرة وهناك عملية تبادل للسكان استنادا للدين والطائفة. قبل أن يتحدث بشار الأسد عن “تحرير سوريا”، ليشرح ماذا يعني نقل سكان مقيمين في أحياء معينة من دمشق إلى إدلب وغير إدلب. وماذا يعني الإتيان بمن يحل مكان هؤلاء في سياق عملية واضحة كل الوضوح تصب في تحقيق هدف محدّد. هذا الهدف هو تطويق دمشق وتغيير طبيعة المدينة وتركيبتها لمصلحة إيران الطامحة إلى أن تكون لديها منطقة نفوذ في سوريا، على غرار مناطق النفوذ الروسية والتركية والإسرائيلية والكردية…

ما هو مؤلم أكثر من ذلك أن عملية تطويق دمشق بعد تدمير أجزاء من حلب وحمص وحماة، بصفة كونها مدنا سنية كبيرة، لن يستطيع النظام إخضاعها يوما، تتمّ بموازاة تهجير سكّان الموصل العراقية. هناك آلاف من أبناء هذه المدينة صاروا خارجها وليس من يسأل عن مصيرهم. هناك كلام جميل لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن مساواة بين المواطنين العراقيين وعن دور للجيش العراقي. الحقيقة أن لا يمكن أن تكون هناك مساواة بين مواطن وآخر ما دامت هناك ميليشيات تابعة لأحزاب مذهبية عراقية، تابعة بدورها لإيران، تنفّذ عمليات تطهير ذات طابع مذهبي في مناطق معيّنة. هذه الميليشيات التي تعمل تحت عنوان “الحشد الشعبي” باتت تمثّل الدولة العراقية الجديدة التي وصل حكامها إلى السلطة على دبابة أميركية قبل أن يتنكروا للولايات المتحدة ويصفونها بأبشع الأوصاف. أكثر من ذلك، هذه الميليشيات تتحكم حاليا بالقرار العراقي ويتباهى أحد قادتها بقيام “البدر الشيعي”.

هناك إذا تحرير لسوريا من السوريين وهناك تحرير للعراق من قسم من أبناء شعبه، فيما يعمل الأكراد على الدفاع عما يعتبرونه مصالحهم المشروعة. هذا كلّ ما في الأمر. لذلك، لا يمكن لوم دولة تحترم نفسها مثل المملكة الأردنية الهاشمية قرّرت اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة من أجل حماية حدودها والمناطق المحاذية لسوريا والعراق. كان الملك عبدالله الثاني على حق عندما أشار حديثا إلى أن “الحرس الثوري” الإيراني موجود في مناطق غير بعيدة عن الحدود الأردنية. ليس سرّا أن إيران مستعدّة لكل شيء من أجل تهديد الأردن، لا لشيء سوى لأنه وقف دائما حجر عثرة في وجه مطامعها ومطامع ميليشياتها اللبنانية والعراقية، ورفض أن تكون أراضيه هدفا سهلا لهذه الميليشيات التي أرادت استخدام الأردن في لعبة تمرير الأسلحة لـ“حماس” وغير “حماس” في مراحل معيّنة.

لا يمنع الابتعاد عن نظرية المؤامرة التي لا يؤمن بها سوى السذج، الاعتراف بأنّ معالم ما بدأته إسرائيل قبل خمسين عاما، عندما احتلّت الجولان في العام 1967، صارت واضحة الآن. تريد إسرائيل، مثلها مثل بشّار، تحرير سوريا من السوريين والقضاء على كلّ مدينة عربية في سوريا والعراق. كان الحلم الدائم لإسرائيل تفتيت سوريا ومنع قيام جيش عراقي فعال. عندما خرج الجيش العراقي من الحرب مع إيران بشبه انتصار، في العام 1988، ظهرت مخاوف إسرائيلية من إمكان استخدام هذا الجيش ضدّها في يوم من الأيام. لكن صدام حسين أراحها إلى أبعد حدود عندما أرسل جيشه إلى الكويت في مغامرة مجنونة ما زالت المنطقة كلّها تدفع ثمنها إلى اليوم.

بعد خمسين عاما على هزيمة 1967، بدأت الصورة تكتمل على الصعيد الإقليمي. هناك رئيس لنظام في سوريا قتل نصف مليون من أبناء شعبه وهجر نحو عشرة ملايين منهم ولا يزال يعتقد أن في استطاعته حكم البلد. ما يقوله بشار الأسد هذه الأيام جزء من السيناريو المرسوم للمنطقة والذي كانت بين فصوله عملية توريط الفلسطينيين في حرب على لبنان واللبنانيين ومؤسسات الدولة وقيام ميليشيات مسيحية تبرّر للفلسطينيين ارتكاب مزيد من المجازر بحق اللبنانيين وبحق بيروت بالذات. لم يكن النظام السوري بعيدا عن كلّ ما جرى في لبنان، بما في ذلك تسليح ميليشيات الأحزاب المسيحية في 1975 و1976 خصوصا. كان المحرّك الأول للأحداث اللبنانية من تهجير أهل الدامور المسيحيين إلى تدمير مخيّم تلّ الزعتر الفلسطيني. ليس صدفة أنه لعب دائما كلّ الأدوار المطلوبة منه في مراحل معيّنة، بما في ذلك الوقوف إلى جانب إيران في حربها مع العراق، والطلب من معمّر القذافي تزويدها صواريخ تقصف بها المدن العراقية، وصولا إلى إدخاله “الحرس الثوري” الإيراني إلى لبنان من أجل المتاجرة بالبلد وإبقاء جنوبه جرحا ينزف إرضاء لإسرائيل.

كلّما مرّ يوم توضّحت الصورة أكثر. لم يحدث شيء بالصدفة منذ تسليم الجولان ولم تستمرّ حال اللاحرب واللاسلم بين سوريا وإسرائيل وحصر التعامل بينهما عبر جنوب لبنان طوال نصف قرن من أجل لا شيء. كان هناك شيء مطلوب تحقيقه. هذا الشيء يتحقق الآن. مصير لبنان على كف عفريت، فيما سوريا التي عرفناها صارت جزءا من التاريخ. أمّا العراق، فحدّث ولا حرج. من يستطيع الرهان على أنّه يمكن أن تقوم له قيامة يوما؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا شيء يحدث بالصدفة منذ تسليم الجولان لا شيء يحدث بالصدفة منذ تسليم الجولان



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya