من فتح الإسلام إلى داعش

من 'فتح الإسلام'.. إلى 'داعش'

المغرب اليوم -

من فتح الإسلام إلى داعش

بقلم : خيرالله خيرالله

ليس تبخر تنظيم “داعش” من الموصل الحدث الأول الغريب الذي تشهده المنطقة الممتدة من العراق، إلى سوريا، إلى لبنان. سبق لـ“داعش” أن ظهر في تدمر ثم اختفى. عاد وظهر ثانية في تلك المدينة الأثرية، كي يختفي مرة أخرى في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها غامضة.

في كل مرة ظهر “داعش”، كان هناك بحث عن سبب يبرر هذا الظهور وذلك منذ استطاع السيطرة على الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية، قبل ثلاث سنوات. كان نوري المالكي رئيسا للوزراء العراقي وقتذاك.

كان يجمع بين رئاسة الوزارة وكلّ المواقع ذات الطابع الأمني والعسكري في البلد. استطاع ستة آلاف مقاتل من “داعش” اجتياح الموصل التي كان يدافع عنها نحو ثلاثين ألفا من القوات العراقية المختلفة، من جيش وشرطة وقوات خاصة، وما شابه ذلك. كان هؤلاء مسلّحين تسليحا جيّدا.

لجأ الذين أرادوا تفسير السهولة التي سيطر بها “داعش” على الموصل إلى أنّه وجد حاضنة مذهبية مواتية له، واستفاد خصوصا من خبرات جنود وضباط كانوا في الجيش العراقي الذي أمر بحلّه بول بريمر عندما كان مفوضا أميركيا ساميا للعراق بعد الاحتلال الأميركي في العام 2003.

بعد حرب استمرّ الاستعداد لها ثلاث سنوات، استعادت القوات العراقية الموصل من “داعش”. كانت السنوات الثلاث تلك كافية كي يتشكل “الحشد الشعبي” من ميليشيات تابعة لأحزاب مذهبية عراقية تابعة بدورها لإيران، وكي يصبح معظم الموصل أرضا طاردة لأهلها. توّج “الحشد الشعبي” انتصاره على الموصل بمشاركته في عرض عسكري أقيم في بغداد احتفالا بالانتصار على “داعش”. تأكد أن “الحشد الشعبي” صار جزءا لا يتجزأ من الدولة العراقية الجديدة التي أقامتها إيران في العراق.

صار في استطاعة مسؤولين إيرانيين القول إن الجيش العراقي في طريقه إلى أن يصبح “جيشا عقائديا”، أي جيشا ملحقا بـ“الحشد الشعبي” الذي يؤمن قادته بنظرية ولاية الفقيه.

تحت عنوان عريض اسمه “داعش”، استطاعت إيران الإقدام على خطوات كبيرة على طريق إعادة بناء الدولة العراقية بما يناسب طموحاتها. كان خلق “داعش”، بمشاركة من النظام السوري ذي الخبرة القديمة في تجارة الإرهاب والاستثمار فيه، ذا فوائد كثيرة بالنسبة إليها.

أكثر من ذلك، استطاعت إيران التي تسعى إلى تدمير الموصل جلب الولايات المتحدة إلى المعركة التي استهدفت في نهاية المطاف تحقيق انتصار على المدينة. كانت الموصل تمثل في الماضي الفسيفساء العراقية. صارت الآن مجرّد مدينة مهجورة يبحث أهلها عن مكان آمن يلجأون إليه. لا أسرار عندما يتعلّق الأمر بكيفية سيطرة “داعش” على الموصل، وذلك بعدما تأكّد أنّ القوات العراقية التي كانت مكلّفة حماية المدينة في العام 2014 انسحبت من دون مقاومة لـ“داعش”. بل كان انسحابها منظّما. السرّ الكبير الآن ما الوجهة المقبلة لـ“داعش”، وهل تجري عملية إحياء لـ“داعش” تحت اسم آخر بعدما أدى التنظيم المهمّة المطلوبة عراقيا؟

في مرحلة معيّنة، لم يكن كلام في سوريا سوى عن وجود “داعش” في تدمر، وعن تدمير آثار المدينة. جاء “داعش” إلى تدمر، انسحب “داعش”، عاد “داعش”، اختفى “داعش”. كان مطلوبا في مرحلة معيّنة إظهار النظام السوري في مظهر من يقاتل الإرهاب، لذلك جرى استحضار لـ“داعش”. لم يوجد حتى، من يقصف قافلة مقاتليها التي اجتازت مسافة طويلة في أرض مكشوفة في الطريق إلى تدمر.

كما في الموصل، كان انسحاب القوات التابعة للنظام السوري من تدمر منظما. خدم “داعش” النظام السوري في وقت كانت هناك إدارة أميركية برئاسة باراك أوباما لا همّ لها سوى استرضاء إيران.

أدى “داعش” الخدمة التي وجد من أجلها، بعدما عثرت إدارة أوباما على مبرّر لتفادي توجيه ضربة للنظام السوري الذي استخدم السلاح الكيميائي والبراميل المتفجّرة في الحرب التي يشنها على شعبه. لم تكن روسيا غريبة عن كل ما حصل، ذلك أنّ تدخلها المباشر في سوريا من أجل محاولة إنقاذ النظام كانت تحت عنوان “الحرب على الإرهاب”، متجاهلة من يصنع الإرهاب ولماذا هناك صناعة من هذا النوع.

في لبنان، كان “داعش” كتنظيم إرهابي من صنع النظام السوري موجودا في كلّ وقت، وذلك تحت مسميات مختلفة. في ربيع العام 2007، وفي سياق الحرب على مؤسسات الدولة اللبنانية والمحاولات الهادفة إلى تغطية جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، ظهر فجأة تنظيم اسمه “فتح الإسلام”.

حط الفلسطينيّ شاكر العبسي الخارج من السجون السورية في مخيّم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، وهو غير بعيد عن مدينة طرابلس. بدأ الكلام عن دعم من “تيّار المستقبل” للعبسي وجماعته من أجل تصوير سنّة الشمال بأنّهم “إرهابيون”. كانت هناك محاولة واضحة لإيجاد شرخ سني – مسيحي في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري وخروج القوّات السورية من لبنان. بدأت بعض وسائل الإعلام ذات الانتماء المعروف تتحدّث عن “إمارة إسلامية” في منطقة شمال لبنان!

ما لبثت الأمور أن تكشّفت بعد إصرار الحكومة اللبنانية، وكانت وقتذاك برئاسة فؤاد السنيورة، على القضاء على “فتح الإسلام” وذلك على الرغم من إعلان الأمين العام لـ“حزب الله” السيّد حسن نصرالله في خطاب علني أن مخيّم نهر البارد “خط أحمر”.

دفع الجيش اللبناني ضريبة عالية ثمنا للانتصار على “فتح الإسلام”. سقط له ما يزيد على مئة وسبعين شهيدا وعشرات الجرحى في حرب استمرّت ثلاثة أشهر ونصف شهر.

انتصر الجيش في تلك الحرب على الرغم من إمكاناته المتواضعة. لقي دعما من العرب الشرفاء مثل دولة الإمارات العربية المتّحدة التي ساعدت في تطوير طائرات هليكوبتر من نوع “بوما” وتمكينها من قصف الإرهابيين الذين سيطروا على المخيّم تحت تسمية “فتح الإسلام”. كانت تلك الحرب واضحة المعالم والأهداف. اختفى بعدها شاكر العبسي، تماما كما ظهر، إذ عاد إلى المكان الذي أتى منه، أي إلى أحضان النظام السوري. حصل ذلك بقدرة قادر. أين شاكر العبسي الآن، هل انتهى مع انتهاء المهمّة التي كان مكلّفا بها؟

من “فتح الإسلام”… إلى “داعش”. لم يتغيّر شيء. السؤال هل يستخدم “داعش” لتبرير حملة على بلدة عرسال اللبنانية بما يرضي النظام السوري وإيران الساعية إلى إثبات أنّها لا تزال لاعبا في سوريا؟

ليس معروفا متى ستنتهي صلاحية تنظيم “داعش”. المعروف أنّ لا فائدة تذكر من أي معالجة لموضوع “داعش” من دون الذهاب إلى الجذور، أي إلى الذين أوجدوا “داعش” واستثمروا فيه. إنّهم أنفسهم الذين أوجدوا قبل ذلك “فتح الإسلام” لا أكثر ولا أقل…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من فتح الإسلام إلى داعش من فتح الإسلام إلى داعش



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya