تغيّر الأردن… هل يتغيّر الأردنيون

تغيّر الأردن… هل يتغيّر الأردنيون

المغرب اليوم -

تغيّر الأردن… هل يتغيّر الأردنيون

بقلم : خيرالله خيرالله

الأردن معتاد على الأزمات. بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي أدت إلى سقوط حكومة هاني الملقي وتشكيل حكومة جديدة برئاسة عمر الرزاز. أطلّ الإرهاب برأسه مجددا. إرهاب تكمن خطورته في أنّه يمتلك جذورا في الداخل الأردني مرّة أخرى، يواجه الأردن في ضوء ما حدث في السلط والفحيص وضعا صعبا ناجما عن الظروف الإقليمية والداخلية في الوقت ذاته.

 مرّة أخرى سيتغلب الأردن على هذه الصعوبات ويتجاوزها بفضل تركيبته الداخلية ومؤسساته القويّة. تلك المؤسسات سمحت بالانتقال السلس للسلطة من الملك حسين إلى عبدالله الثاني بعدما قرر العاهل الأردني الراحل، في الأيّام الأخيرة من حياته، أن يكون وريثه ابنه البكر، وليس شقيقه الحسن الذي بقي وليّا للعهد طوال خمسة وثلاثين عاما.

تعود الثقة إلى قدرة الأردن على تجاوز الأزمة الأخيرة إلى تجارب الماضي القريب. في أقلّ من عشرين عاما، أظهر عبدالله الثاني أنّه شخص يمتلك المؤهلات التي تسمح له بالتعاطي مع المتغيّرات الإقليمية والتحديات الداخلية للمملكة، وهي تحديات ذات طبيعة مختلفة لتلك التي واجهت الملك حسين بين 1952 ومطلع 1999، تاريخ وفاته نتيجة المرض الذي تعرّض له في سنّ مبكرة نسبيا. توفى الحسين عن أربعة وستين عاما في وقت كان في ذروة عطائه.

أقلّ ما يمكن قوله إن عبدالله الثاني استطاع ملء الفراغ الكبير الذي خلفه الحسين، على الرغم من أنّه رجل مختلف عن والده في أمور كثيرة، وعلى الرغم أيضا من كلّ ما تغيّر على الصعيد الإقليمي. تغيّرت التوازنات في المنطقة كلّيا بعد سقوط العراق كدولة عربية داعمة للأردن وتحوله إلى بلد ذي هوية ضائعة يدور في الفلك الإيراني. إنه وضع قد يكون العراق قادرا على الخروج منه، كما قد يفشل في ذلك في مرحلة تشهد تجاذبا قويا على مستوى العلاقات بين واشنطن وطهران.

يعود الفضل الكبير في قدرة عبدالله الثاني على ملء الفراغ الذي خلفه والده إلى امتلاكه لقدرة كبيرة على التكيف واستيعاب المعادلات الإقليمية والدولية وطبيعة التحديات الجديدة، في مقدّمها تلك الناتجة عن الحدث السوري، بعد الحدث العراقي، وانتقال ما يزيد على مليون مواطن سوري إلى مخيمات في الأردن. يضاف إلى هؤلاء عشرات آلاف السوريين كانوا يقيمون في الأردن أو يعملون فيه منذ سنوات طويلة. الأهمّ من ذلك كلّه أن عبدالله الثاني استطاع البناء على تركة الملك حسين، خصوصا في ظلّ القرار الجريء الذي اتخذه العاهل الأردني الراحل والقاضي بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل في تشرين الأوّل – أكتوبر 1994. رسم الحسين بذلك حدودا نهائية لكيان المملكة الهاشمية، وقطع الطريق نهائيا على فكرة الوطن البديل التي كان يوجد في إسرائيل من يروّج لها.

في السنوات الـ47 التي أمضاها الحسين بن طلال على عرش المملكة الهاشمية، كان الشرق الأوسط مختلفا. لم يكن التطرف الديني بلغ المرحلة التي بلغها الآن. واجه الأردن بين 1952 و1999 سلسلة من التحديات كان كلّ منها كافيا للانتهاء من الكيان الأردني. واجه الملك حسين جمال عبدالناصر الذي كان يمتلك القدرة على تحريك الشارع العربي من المحيط إلى الخليج عبر خطاب غوغائي، خصوصا بعد خروج مصر سالمة من العدوان الثلاثي في العام 1956. كان الفضل الأوّل في ذلك الخروج المصري السالم من العدوان الثلاثي للولايات المتحدة، في عهد إدارة دوايت إيزنهاور، وليس لأي طرف آخر.

استطاع الأردن، على العكس من العراق، حيث قُضي على العائلة الهاشمية صيف العام 1958، مواجهة المدّ الناصري الذي جعله يدفع ثمنا كبيرا يتمثل في خسارة القدس والضفّة الغربية. تحمّل بعد ذلك عبء الوجود الفلسطيني المسلّح الذي ما لبث أن انتقل إلى لبنان وتكفل بتدمير مؤسساته والتوازن الطائفي والمذهبي فيه، وصولا إلى المرحلة الراهنة التي تحاول فيها إيران وضع يدها نهائيا على البلد عبر ميليشيا مذهبية موالية لها. تفادى الأردن بفضل الملك حسين ومؤسساته أن يكون لبنان آخر.

يترافق الإرهاب الذي يمارسه تنظيم “داعش” في الأردن حاليا، والذي استهدف الفحيص والسلط حيث هناك وجود مسيحي، مع أزمة اقتصادية عميقة في ظلّ استيعاب واضح في عمّان لمعنى الجمود الاقتصادي في منطقة الخليج وتأثير ذلك على تحويلات الأردنيين العاملين في دول تلك المنطقة. هناك شئنا أم أبينا حصار للأردن.

 حصار ذو جوانب متعددة، على الرغم من أن دول الخليج سارعت في حزيران – يونيو الماضي إلى عقد مؤتمر رباعي لدعم الأردن بمليارين ونصف مليار دولار وذلك بمبادرة من الملك سلمان بن عبدالعزيز. كان الهدف توفير متنفس، وإن مؤقت للأردن، كي يعيد ترتيب أوضاعه الداخلية في ظلّ إدارة أميركية عاجزة عن استيعاب أهمية المملكة والدور الذي يفترض أن تلعبه.

 لا اهتمام أميركيا كبيرا، كما في الماضي في واشنطن بالدور الأردني إنْ في مجال البحث عن تسوية ما في فلسطين، أو على صعيد الحرب على الإرهاب. لا وجود لأي تقدير أميركي للأخطار الناجمة عن السير إلى النهاية في دعم سياسة إسرائيلية تقوم على التمييز العنصري وتكريس الاحتلال.

يمرّ الأردن في مرحلة لا مكان فيها سوى للاعتماد على الذات. فعل ذلك في الماضي وإن في ظروف أفضل من الظروف الراهنة بسبب وجود البوابة العراقية التي أمّنتَ له حتّى العام 2003 متنفسا في غاية الأهمية على غير صعيد.

كان مهمّا أن يظهر الأردن مجددا، عبر الطريقة التي تعاطى بها مع أحداث السلط، أنّ مؤسساته، خصوصا المؤسسات الأمنية، مؤهلة للتعاطي مع الإرهاب الداخلي والعمل من أجل القضاء عليه.

لكنّ ذلك لا يمنع ضرورة الاعتراف بأنّ الأردن يعاني من تراكمات جعلت من السهل قيام بؤر إرهابية في داخل المملكة. هذا يعني في طبيعة الحال أن على الأردنيين أن يستوعبوا بدورهم طبيعة التحديات الجديدة للمملكة. المهمّ أن يعوا أيضا أن العبء كلّه لا يمكن أن يقع على عبدالله الثاني وحده الذي يعتبر أن كلّ شهيد أردني، من “الجيش العربي” أو من أحد الأجهزة الأمنية الأخرى، هو بمثابة ابن من أبنائه.

ثمّة حاجة إلى ارتقاء المواطن الأردني إلى مستوى التحديات التي تفرضها المرحلة. وهذا يعني أنّ عليه أن يتغيّر. الأمر لا يقتصر على تفوق “داعش” على إرهاب “القاعدة”، ولا على وجود أزمة اقتصادية حقيقية، ولا على السياسة الأميركية الجديدة الرافضة لفهم أهمّية المحافظة على الأردن. هناك تغيّر في العمق طرأ على المجتمع الأردني وذلك منذ الاحتلال العراقي للكويت ولجوء آلاف العائلات الفلسطينية إلى الأردن… وصولا إلى المعاناة من اللاجئين السوريين والانسداد الكامل لأبواب التسوية في فلسطين.

 هناك في الواقع تحديات جديدة أمام الأردن لا مفرّ من أن تتحسسها القاعدة الشعبية أيضا وألاّ يقتصر الأمر على ترديد أن “سيدنا يدبّرها”، أي أن الملك قادر على ترتيب الأمور بعلاقاته العربية والدولية. هذه أيام تنتمي إلى الماضي عندما كانت عمّان لا تزال مدينة صغيرة، حتّى لا نقول بلدة، وليست مدينة شاسعة الأطراف يزيد عدد سكانها على أربعة ملايين نسمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تغيّر الأردن… هل يتغيّر الأردنيون تغيّر الأردن… هل يتغيّر الأردنيون



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya