رهان أميركي على روسيا… في سوريا

رهان أميركي على روسيا… في سوريا

المغرب اليوم -

رهان أميركي على روسيا… في سوريا

بقلم : خيرالله خيرالله

ليس الرهان على روسيا رهانا أميركيا فقط، بل يبدو أنه رهان إسرائيلي أيضا، ذلك أن إسرائيل تفضل حصول هذا الانسحاب الإيراني من دون أن تضطر إلى خوض حرب يمكن أن تكلفها غاليا.
تطرح معركة درعا مجموعة من الأسئلة، خصوصا في ضوء التغيير في الموقف الأميركي من تقدّم القوات التابعة للنظام من المدينة القريبة من الحدود الأردنية والتي منها انطلقت الثورة السورية. ليس معروفا ما الذي تبدل حتّى يبلغ الأميركيون الفصائل المسلحة المعارضة للنظام في تلك المنطقة رسالة من بين ما جاء فيها “نفهم أنه يجب أن تتخذوا قراركم حسب مصالحكم ومصالح الأهالي والفصائل. ينبغي ألا تستندوا في قراركم إلى افتراض تدخل عسكري من قبلنا أو توقع ذلك”.

الرسالة التي تلقّتها الفصائل التي تدافع عن درعا والمنطقة المحيطة بها، والتي بات الأميركيون يسمّونها الجنوب السوري الغربي للتفريق بينها وبين جبهة الجولان الممنوع الاقتراب منها، أكثر من واضحة. يبدو أن كلّ الكـلام الأميركي عن المحافظة على خفض التوتر في الجنوب السوري صار من الماضي. لم تعد من قيمة تذكر للاتفاقات التي أمكن التوصل إليها في هذا الشأن بين أميركا وروسيا والأردن. كانت هناك من دون شكّ موافقة إسرائيلية ضمنية على هذه الاتفاقات التي يبدو أنّها لم تعد تصلح لأيّامنا هذه.

هناك سياسة أميركية جديدة في ما يخص التعاطي مع سوريا. تقوم هذه السياسة على تلزيم الجنوب السوري إلى روسيا في ظلّ اتفاق أميركي – روسي – إسرائيلي. ليس معروفا هل يستطيع الجانب الروسي الساعي منذ فترة طويلة إلى عقد صفقة مع إدارة دونالد ترامب تنفيذ المطلوب منه سوريا، أي التخلّص من الوجود الإيراني في هذا البلد الذي كان حكامه يزايدون عربيا على كلّ من تسوّل نفسه الكلام عن تسوية ما مع إسرائيل، فيما كانوا يتولون بالفعل المحافظة على أمنها.

في أساس السياسة الأميركية الجديدة التي بدأت تتبلور، ثمّة رهان على روسيا وقدرتها على اقتلاع إيران من سوريا، علما أن الإيرانيين والميليشيات المذهبية التابعة لهم تغلغلوا في الوحدات النظامية لجيش النظام وبدأوا يرتدون بدلاته العسكرية. هل هو رهان أميركي في محلّه أم أن روسيا ستتمكن مرّة أخرى من أخذ الإدارة الأميركية إلى حيث تريد، كما فعل الرئيس فلاديمير بوتين في مثل هذه الأيّام من صيف العام 2013؟

في آب – أغسطس من العام 2013، استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي في سياق حربه على شعبه. حدث ذلك في محيط دمشق بعد أيّام من كلام الرئيس باراك أوباما عن “خطوط حمر” رسمها لبشّار الأسد في مقدمها استخدامه السلاح الكيميائي. تدخل الرئيس الروسي ونجح في إقناع أوباما بتفادي توجيه أي ضربة للنظام السوري. أدّى ذلك إلى إنقاذ النظام. كان كافيا توجيه سلسلة ضربات إلى مواقع حساسة، من بينها المطارات العسكرية، كي يذهب رئيس النظام السوري إلى حيث يجب أن يذهب، أي إلى منفى ما خارج سوريا.

لكن بوتين، الذي أظهر مقدارا كبيرا من الحنكة والمعرفة بكيفية تفكير المقيم وقتذاك في البيت الأبيض، عرف كيف يناور. أخرج لأوباما من جيبه فكرة التخلّص من مخزون السلاح الكيميائي بإشراف دولي. هدأ الرئيس الأميركي، لكنه تبيّن مع مرور الوقت أن النظام السوري لم يتخلص من كلّ ما لديه من مخزون كيميائي. صار اللجوء إلى هذا السلاح بين وقت وآخر مسألة أقلّ من عادية. وكي يظهر دونالد ترامب أنّه مختلف عن باراك أوباما وجّه ضربتين إلى النظام السوري إثر لجوئه مجددا إلى السلاح الكيميائي. كان للضربتين طابع فولكلوري، لا أكثر. كشفتا غياب أي جدّية أميركية في إضعاف النظام وكفّ شرّه عن شعبه. هذا لم يمنع الإدارة الأميركية من الإقدام على خطوات أخرى ذات بعد استراتيجي تمثلت في السيطرة على سوريا المفيدة، أي على شرق الفرات، حيث الماء والثروة الزراعية والنفط والغاز، فضلا عن الموقع الاستراتيجي، إنْ من ناحية القرب من الأكراد، أو التحكم بالطريق الذي يربط العراق بسوريا والذي تطمح إيران إلى أن يكون في تصرّفها.

الأكيد أن إسرائيل ليست الطرف الوحيد الذي لا يستطيع التعايش مع الوجود الإيراني في سوريا
 إسرائيل ليست الطرف الوحيد الذي لا يستطيع التعايش مع الوجود الإيراني في سوريا.
هل يكون دونالد ترامب مختلفا عن باراك أوباما في سوريا؟ هذا ما ستكشفه معركة درعا التي تعني أوّل ما تعني هل ستتمكن إيران من البقاء في سوريا تحت غطاء من النظام وجيشه أم لا؟ ذلك هو بكلّ بساطة ما على المحكّ في هذه الأيّام في ظل كلام عن لقاء قريب بين ترامب وبوتين.

ستظهر معركة درعا هل يمكن الرهان على روسيا في عملية إخراج الإيراني من سوريا. ليس الرهان على روسيا رهانا أميركيا فقط، بل يبدو أنّه رهان إسرائيلي أيضا، ذلك أن إسرائيل تفضّل حصول هذا الانسحاب الإيراني من دون أن تضطر إلى خوض حرب يمكن أن تكلّفها غاليا، خصوصا إذا اتخذت إيران قرارا بفتح جبهة جنوب لبنان عن طريق “حزب الله”.

في كلّ الأحوال، لا يمكن لإيران أن تبقى في سوريا. الثابت أن روسيا أوّل من يفهم هذه المعادلة ويستوعبها. من لا يبدو قادرا على التعاطي مع هذه المعادلة هو النظام السوري الذي يعرف تماما أنّه لن يكون لديه أي هامش للمناورة في حال الانسحاب الإيراني. من دون إيران، لن يكون أمام بشّار الأسـد من خيار آخر غير خيار التلميذ المطيع. هذا الخيار أقرب إلى دور عرف رئيس النظام السوري كيف يلعبه عندما اضطر إلى ذلك في مناسبة إحدى زيارات فلاديمير بوتين لقاعدة حميميم قرب اللاذقية. من يتذكر كيف منع ضابط روسي بشّار من أن يكون إلى جانب الرئيس الروسي حين تفقّد القاعدة؟

يمكن للخيار الأميركي في سوريا أن يكون في محلّه، كما يمكن لروسيا استخدام الرهان عليها من أجل أن تفتح سياسة على حسابها. مثل هذا الأمر يبقى مستبعدا لسببين. الأوّل الحاجة التي لدى الكرملين إلى التفاهم مع واشنطن، والآخر الرغبة في تفادي حرب تبدو من النوع الذي لا مفرّ منه في حال إصرار إيران على البقاء في سوريا.

الأكيد أن إسرائيل ليست الطرف الوحيد الذي لا يستطيع التعايش مع الوجود الإيراني في سوريا. هناك مشكلة أخرى اسمها الأردن الذي يعرف، تماما، معنى أن تكون القوات التابعة للنظام السوري والتي ستقترب من حدوده، في حال سقوط درعا، مخترقة إيرانيا وميليشياويا.

في الواقع، سيكون على روسيا أن تكون للمرّة الأولى في غـاية الوضوح. هل هي قادرة على تنفيذ تعهداتها في الجنوب السوري، أم ستترك إسرائيل تضرب الإيرانيين وغير الإيرانيين حيثما وجدوا في سوريا؟

سيـوفر تغيير السياسة الأميركية بالنسبة إلى ما يحدث في درعا ومحيطها مناسبة لمعرفة المدى الذي بلغه التنسيق الأميركي – الروسي – الإسرائيلي. الأهمّ من ذلك كلّه، سيظهر هل لدى إيران الرغبة في تحمل نتائج الانسحاب من سوريا وما سيترتب على تحول النظام السوري إلى مجرد دمية روسية بعدما أمضى سنوات عدّة يلعب على الإيـراني والروسي في الوقت ذاته؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رهان أميركي على روسيا… في سوريا رهان أميركي على روسيا… في سوريا



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 20:21 2016 السبت ,16 تموز / يوليو

حقائق تقرير تشيلكوت ودلالاته..!!

GMT 02:52 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تجهيزات الفنادق لاستقبال موسم العطلات وعيد الميلاد المجيد

GMT 06:40 2018 الخميس ,03 أيار / مايو

طرق إختيار الزيت المناسب لنوع الشعر

GMT 02:44 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

أسباب اختيار المرأة الخليجية ماسك الذهب

GMT 05:48 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

جان كلود جونكر يرغب في بقاء بريطانيا داخل "اليورو"

GMT 10:56 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ننشر 10 تساؤلات بشأن تعويم الدرهم

GMT 13:09 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

العلمي يقرر اعفاء مدير مركز الاستقبال الرياضي بوركون

GMT 14:58 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منتخب الكاميرون يصل إلى الدار البيضاء للمشاركة في "الشان"

GMT 22:43 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

الحرب الليبية تطيح بقطار الزواج والعنوسة باتت أزمة متفاقمة

GMT 04:20 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

رامافوسا يترأس حزب المؤتمر الوطني الجنوب أفريقي

GMT 17:45 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الوداد يربك حسابات المغرب التطواني ويبعثر أوراق فرتوت

GMT 08:40 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الطقس و الحالة الجوية في جبل العياشي

GMT 06:20 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عون يُخلي مسؤولية لبنان في صراعات دول عربية
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya