شبه انتصار عراقي وشبه هزيمة إيرانية

شبه انتصار عراقي وشبه هزيمة إيرانية

المغرب اليوم -

شبه انتصار عراقي وشبه هزيمة إيرانية

بقلم : خيرالله خيرالله

من الصعب الدفاع عن الراحل صدّام حسين وعن الحرب التي شنّها ابتداء من الثاني والعشرين من أيلول- سبتمبر 1980 على إيران، وهي حرب لم تنته إلا صيف العام 1988 بعد خسائر ضخمة لحقت بالبلدين واضطرار آية الله الخميني، في نهاية المطاف، إلى تجرّع “كأس السمّ”.

من الواضح، بعد ثمانية وثلاثين عاما على اندلاع تلك الحرب العبثية، التي كشفت إلى أي حدّ كان صدّام متهورا وعلى غير معرفة بشؤون المنطقة وشجونها، أن ليس ما يشير إلى أنّ شيئا تغيّر أيضا داخل إيران نفسها. لم يتعلم العراق من تجارب حرب السنوات الثماني ودروسها، ولا يبدو أن إيران مستعدّة لأن تتعلّم على الرغم من شبه الهزيمة التي لحقت بها وشبه الانتصار الذي حقّقه العراق.

مع اندلاع تلك الحرب، كان العراق يقول إنها بدأت في الرابع من أيلول- سبتمبر 1980، في حين ترى إيران أنها بدأت في الثاني والعشرين منه، بهجوم برّي عراقي على محاور عدّة وبغارات على القواعد الجويّة الإيرانية لم تؤد النتائج المتوخاة.

كانت هناك تحرشات إيرانية بالعراق منذ انتصار “الثورة الإسلامية” بقيادة الخميني الذي رفع منذ البداية شعار “تصدير الثورة” من منطلق أن العراق، الذي فيه أكثرية شيعية، يعتبر الحلقة الضعيفة بين الدول القريبة من إيران. لم يكن مستغربا أيضا أن تصل هذه التحرّشات إلى محاولة اغتيال طارق عزيز بصفة كونه مواطنا مسيحيا وصل إلى موقع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في العراق. كان الهدف من محاولة الاغتيال هذه في جامعة المستنصرية التي سبقت الحرب الشاملة بين البلدين إظهار امتلاك إيران لعناصر موالية لها داخل العراق. عناصر قادرة على تنفيذ محاولات اغتيال تستهدف مسؤولا ينتمي إلى الديانة المسيحية، وذلك كي تظهر النظام في العراق، الذي كان نظريا بقيادة حزب البعث، في مظهر النظام الكافر.

ارتكب صدّام حسين بشنه حربا شاملة على إيران كلّ الأخطاء التي يمكن لرجل سياسي، يظنّ أنّه يعرف أيضا في العلوم العسكرية، أن يرتكبها. سمحت الحرب للنظام الجديد في إيران بإثارة الروح الوطنية الفارسية. كذلك، سمحت للخميني بإرسال الجيش الذي كان مشكوكا بولائه لـ”الجمهورية الإسلامية” إلى الجبهات بعيدا عن ثكناته في محيط المدن الكبرى. بدل أن تؤدي الحرب إلى إضعاف النظام في إيران، ساعدت في تقويته وفي تمكين المحيطين مباشرة بالخميني، من المؤمنين بقيام نظام “ولاية الفقيه”، من استبعاد كلّ من ينادي بجمهورية على النسق الحديث تعتمد دستورا مدنيا متطورا في ظلّ تعددية حزبية تسمح بالتداول السلمي للسلطة. باختصار، سمحت الحرب لأنصار الخميني بارتكاب كلّ المجازر التي أرادوا ارتكابها في حقّ معارضيهم من يساريين وعلمانيين وليبيراليين يؤمنون بقيام دولة حضارية.

بعد ثماني سنوات من حرب كانت أقرب إلى حرب الخنادق، أي إلى الحرب العالمية الأولى بين 1914 و1918، لم يدرك العراق أنه لم ينتصر ولم تعترف إيران بأنها هُزمت، لكنّ هزيمتها لم تكن كاملة، وأنّ إطالتها الحرب صبّت في إضعافها وإنهاكها هي والعراق في الوقت ذاته، فضلا بالطبع عن استنزاف ثروات دول المنطقة.

السلوك الإيراني لم يتبدل بعد انتهاء الحرب مع العراق على العكس من ذلك، زاد هذا السلوك سوءا خصوصا بعد الحرب التي شنتها الولايات المتحدة من أجل التخلص من صدّام حسين في العام 2003

لم يتعلّم العراق شيئا من الحرب. لم يستوعب أنّ المستفيد الأول منها كان غريمه البعثي الآخر حافظ الأسد الذي عرف كيف يستغلّ الفخ الذي أوقع الرئيس العراقي نفسه فيه كي يعمّق من تحالفه مع إيران ويزيد من قدراته على ابتزاز أهل الخليج في الوقت ذاته وزيادة نفوذه في لبنان.

لم يستوعب صدّام حسين في آخر الحرب لماذا اضطرت إيران إلى وقف القتال على الرغم من أن الخميني كان مصمما على الذهاب إلى النهاية في اقتلاع النظام العراقي. لم يعرف أن الفضل في ذلك يعود إلى عوامل عدّة، في مقدّمها أن دول الخليج دعمته. لكن العامل الحاسم كان القرار الأميركي بإجبار إيران على وقف الحرب مستخدمة وسائل مختلفة، آخرها إسقاط صاروخ انطلق من مدمّرة في الخليج اسمها “فينسنز” على طائرة ركاب إيرانية من طراز “آرباص” ومقتل جميع ركابها.

دفع صدّام حسين سريعا ثمن عدم تعلمه شيئا من حرب السنوات الثماني. ارتكب الخطأ القاتل المتمثل باحتلال الكويت في العام 1990. لا داعي إلى سرد الأحداث التي تلت تلك المغامرة المجنونة التي أوصلت العراق إلى ما وصل إليه الآن. في المقابل، لم تدرك إيران أن الولايات المتحدة كانت وراء الحؤول دون إلحاق الهزيمة الكاملة بها إنْ في عهد جيمي كارتر، الذي كان في نهايته لدى اندلاع الحرب العراقية- الإيرانية، أو في عهد رونالد ريغان الذي لم يتخذ في أي لحظة موقفا حازما من إيران. وصل الأمر بريغان إلى التغاضي عن تفجير مقر “المارينز” قرب مطار بيروت في تشرين الأوّل- أكتوبر 1983، على الرغم من معرفة إدارته بتفاصيل عملية التفجير تلك والدور الإيراني في التخطيط لها. فوق ذلك كله، تغاضت الولايات المتحدة عن تزويد إسرائيل لإيران بأسلحة وقطع غيار كانت في أشدّ الحاجة إليها خلال الحرب.

يمكن إعطاء عشرات الأدلة على إصرار الولايات المتحدة على دعم إيران في مرحلة ما بعد سقوط الشاه. كان بوب إيمز المسؤول عن الشرق الأوسط في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي.آي.أي) أول من حذّر الإيرانيين في العام 1980 من أن صدّام ينوي مهاجمة إيران. من يريد معرفة المزيد عن هذا التحذير يستطيع العودة إلى كتاب “الجاسوس الطيّب” لكاي بيرد عن حياة بوب إيمز الذي قتل في تفجير السفارة الأميركية في بيروت في نيسان- أبريل 1983 والذي لم تكن إيران بعيدة عنه أيضا.

لم يتبدل السلوك الإيراني بعد انتهاء الحرب مع العراق. على العكس من ذلك، زاد هذا السلوك سوءا خصوصا بعد الحرب التي شنتها الولايات المتحدة من أجل التخلص من صدّام حسين في العام 2003.

من لديه أدنى شكّ في ذلك يمكنه الاستعانة بالكلام الصادر عن الرئيس حسن روحاني والذي يحذر فيه الولايات المتحدة من مصير صدّام حسين. جاء كلام روحاني في اليوم الذي كانت إيران تتذكر فيه بداية حربها مع العراق في 1980، وفي وقت كان هناك من يطلق النار على عرض عسكري في الأحواز أدى إلى مقتل عشرات من “الحرس الثوري”. من الواضح أن إيران لا تريد أن تتعلّم شيئا بعد ثمانية وثلاثين عاما من حربها مع العراق. لا تريد أن تعرف أن من أسقط صدّام حسين كان الولايات المتحدة وليس “الجمهورية الإسلامية” وأن إيران بعد تسعة وثلاثين عاما على سقوط الشاه ما زالت عاجزة عن التصالح مع نفسها. لا تزال إيران في حال هروب مستمرة إلى الأمام رافضة الاعتراف بأن ليس من حقها احتقار أهل الأحواز لمجرد أنهم عرب. هل من مستقبل لبلد يحتقر مواطنيه ويبحث عن قوى خارجية يلقي عليها مسؤولية ما جرى في الأحواز بدل أن يسأل نفسه لماذا لا يوجد في طهران من يريد استيعاب أن هناك الكثير مما يمكن تعلمه من حرب 1980 – 1988… بدءا بأنّ الولايات المتحدة ولا أحد غيرها كانت وراء الحؤول دون الهزيمة الكاملة لإيران في تلك الحرب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شبه انتصار عراقي وشبه هزيمة إيرانية شبه انتصار عراقي وشبه هزيمة إيرانية



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya