مُنح بك اللبناني، العربي،العثماني

مُنح بك... اللبناني، العربي،العثماني

المغرب اليوم -

مُنح بك اللبناني، العربي،العثماني

خيرالله خيرالله

كان منح الصلح من الشخصيات اللبنانية القليلة التي يصلح اطلاق صفة مفكّر عليها. كان لبنانيا حتّى العظم وعروبيا، بالمعنى الحضاري للكلمة، حتّى العظم ايضا. قلائل هم الذين استطاعوا التوفيق بين عشقهم للبنان وعشقهم للعروبة في الوقت ذاته من دون تجاهل ايجابيات الدولة العثمانية على صعيد المشرق العربي.

قد يكون ذلك عائدا إلى أنّه  لم يكن لديه أي تعصّبمن أيّ نوع كان باستثناء أنّه كان بين اوائل الذين ادركو باكرا، بل باكرا جدا، خطورة النظام السوري على لبنان وتركيبته وعلى المنطقة ككلّ، وذلك منذ تولي حافظ الأسد السلطة كلّها في العام١٩٧٠.

ربّما كان غياب التعصّب لدى منح الصلح عائدا أيضا إلى أنّه ابن مدينتين هما بيروت، حيث ولد، وصيدا التي تعود اليها أصول العائلة، مع خلفية عربية وعثمانية(والدته من اصول تركية). وهذا يولّد لدى المرء شعورا اكيدا وعميقا بالطمأنينة في هذا البحر السنّي.

عفوا، كان "البك"، كما كان يُعرف منح الصلح، الذي غيّبه الموت السبت الماضي، متعصبا. تعصّب لرأس بيروت التي لم يفارقها طوال حياته. لازم رأس بيروتلأنّه كان متعصّبا لفكرة العيش المشترك بين اللبنانيين، هذا العيش الذي شاركته فيه، في مرحلة معيّنة، صفوة من الشخصيات العربية من كلّ حدب وصوب.

كانت شخصيات من فلسطين وسوريا والعراق والأردن والكويت والمملكة العربية السعودية والبحرين وكلّ دول الخليج قرّرت الإنتماء إلى مجتمع رأس بيروت.

كان هناك ايضا يمنيون وليبيون ومغاربة وآخرون. كانت تلك شخصيات التحقت بالجامعة الأميركية (تأسّست في العام ١٨٦٦)أو بما يحيط بها وما ارتبط بها.

بين الأماكن التي ارتبطت بالجامعة، والتي كادت أن تكون جزءا لا يتجزّأ منها، "مطعم فيصل" الذي كان عنوان "البك" في بيروت.كان المطعم في شارع بلسّ قبالة المدخل الرئيسي للجامعة.

كان هناك منح الصلح الدائم الحنين إلى الشرق الكبير والذي كان يزور اسطنبول مرّة في السنة لقضاء بعضالوقت فيها لأسباب مرتبطة باملاك عائلية جرى تأميمها في مرحلة ما بعد انهيار الدولة العثمانية.

كان "البك" يشيد باستمرار بالمدن العربية وتركيبتها في ايام العثمانيين، ولكن من دون أن يتجاهل في أي وقت البعد العربي لتفكيره ودور آل الصلح على رأسهم رياض وتقي الدين وكاظم وعادل الصلح في النهضة العربيةوفي بناء لبنان المستقلّ وصياغة الصيغة اللبنانية، خصوصا الميثاق الوطني (النص لتقيّ الدين الصلح) الذي هو بمثابة عقد اجتماعي بين اللبنانيين. كان الميثاق بمثابة الدستور الحقيقي الذي يوفّر الضمانات التي يحتاجها الجميع من مسلمين ومسيحيين وأقلّيات.

لم يكن منح الصلح شخصا عاديا بأي مقياس. كان استثنائيا، إن في تواضعه وبساطة العيش وإن في فهمه للواقع اللبناني والعربي وإن في سخريته اللاذعة التي تنمّ عن معرفة بالأشخاص ونفسياتهم.

لذلك، اختار منح الصلح ـ الصحافي أن يكون مقاله الحقيقي مقالا من دون توقيع في مجلة "الحوادث" التي عرفت عصرها الذهبي أيّام كان سليم اللوزي، الذي اغتاله النظام السوري، صاحبها ورئيس تحريرها ولولبها.

كان منح الصلح وراء غلاف مشهور لأحد اعداد"الحوادث" صدر بعيد اندلاع احداث الثالث عشر من نيسان ـ ابريل ١٩٧٥ في لبنان. كان على الغلاف ياسر عرفات وبيار الجميّل في صورتين لهما. وكانت تحت الصورتين كلمة واحدة هي "المظلومان".

أدرك منح الصلح منذ اليوم الأوّل لبدء الحرب في لبنان أن النظام السوري كان خلفها وأن الفلسطينيين والمسيحيين كانوا، في البداية،مجرّد أدوات استخدمها النظام السوري في تلك الحرب التي استهدفت وضع اليد على الوطن الصغير.

كشف منذ البداية لعبة النظام السوري القائمة على تشكيل حلف الأقليات في المنطقة كي يتمكّن من البقاء في سوريا نفسها. كان كلام سليم اللوزي عن هذا الموضوع وعن الفتنة بين السنّة والعلويين في طرابلس كفيلا بقتله. وثمّة من يقول أن الكاتب الحقيقي للمقالين اللذين يرويان كيف صار هناك فجأة تفريق بين السنّي والعلوي والمسيحي في طرابلس هو منح الصلح نفسه وذلك انطلاقا من تجربة شخصية وعائلية لسليم اللوزي.

كان منح الصلح، الذي عمل مع الرئيس فؤاد شهاب، شغوفا بملاحقة الأخبار اللبنانية والعربية بأدق تفاصيلها. كان يمرّ، في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، بشكل شبه يومي على مكاتب "النهار" في أوّل شارع الحمراء في رأس بيروت. كان يزور في معظم الأحيان ميشال ابو جوده رئيس التحرير، الذي لم يكن يمارس هذا الدور بمقدار ما أنّه كان صاحب صالون سياسي تحضر فيه شخصيات مرموقة من بينها الرئيس حسين الحسيني، اطال الله عمره، والرئيس تقي الدين الصلح، فيما كان العميد ريمون اده يحضر بين حين وآخر، إلى أن اضطرّ إلى الإنتقال إلى منفاه الباريسي.

كان لمنح الصلح الساخر تلامذته وخلّانه الكثر. كانوا يتحلّقون حوله في مطعم "فيصل" ثمّ في "سيتي كافي" وفي مقاه أخرى. كان يتناولهم احيانا فور ادارة ظهرهم ولكن بطريقة خاصة تمزج بين التهكّم والفكاهة والودّ...

كان من بين التلامذة ثلاثة بعثيين. كانوا يأتون معا ويذهبون معا. كان يسمّيهم "الدورية". لم يوفّر حتى بعض الذين كانوا يُعتبرون من اصدقائه. قال، مازحا، عن احدهم لدى سؤاله عن  رأيه في مقالات هذا الصديق: "إذا كانت الفلسفة تحويل المجهول إلى معلوم، فإنّ الكلفسة (المشتقة من اسم الشخص المعني) هي تحويل المعلوم إلى مجهول".

لمن كان معروفا باسم "البك" أو "منح بك" عبارات ومزحات كثيرة تختصر شخصا ما. لا مجال لذكر ما كان يقوله عن هذا الشخص أو ذاك، نظرا إلى أنّه كان حادا ولاذعا في بعض الأحيان.

أمّا أهمّ ما تميّز به "البك"فهو حسه السياسي الذي لم يكن يخطئ من جهة ومعرفته بالناس في العمق من جهة أخرى. كان يعرف تماما ما في داخل الذين يتقرّبون منه ومآرب هؤلاء. لم يكن يرفضهم، بل كان يسايرهم. كان فقط يتحفّظ في الكلام في اثناء وجودهم قربه.

لم يقل كلاما صريحا وجدّيا إلّا أمام اشخاص محددين قليلين جدا يثق بهم، هذا إذا وثق بأحد، أو في مقالاته غير الموقّعة في "الحوادث". أمّا معظم مقالاته الأخرى التي حملت اسمه، من بينها مقالاته في "النهار"،فلم تكن تدخل سوى في اطار العلاقات العامة.

كان منح الصلح أحد معالم رأس بيروت عندما كانت رأس بيروت عاصمة العالم العربي والجامعة الأميركية، التي درس فيها، عاصمة رأس بيروت.

رحيل "البك" ليس مجرّد رحيل لشخص استثنائي. رحيله أكثر من ذلك بكثير. يطوي رحيله صفحة من تاريخ لبنان ومن تاريخ بيروت ورأس بيروت في وقت هناك من يسعى إلى اعادة كتابة تاريخ بيروت على طريقته عبر تغيير طبيعة المدينة وتركيبتها السكّانية، بما في ذلك رأس بيروت.

إنّها بيروت، المدينة التي لا تزال تقاوم بعدما اعاد الحياة اليها رفيق الحريري، ابن بيروت وابن صيدا في آن. هل صدفة أن في طليعة المدافعين عن بيروت ولبنان وعن ثقافة الحياة ابناء هاتين المدينتين اللتين هما صيدا وبيروت؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مُنح بك اللبناني، العربي،العثماني مُنح بك اللبناني، العربي،العثماني



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 12:09 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 12:01 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 17:49 2020 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

GMT 19:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الدلو

GMT 19:31 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

مناقشة رواية "غيوم فرنسية" في معرض الكتاب

GMT 04:30 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

باتاكي ترتدي بكيني أحمر متوهج وتتباهى بجسدها

GMT 06:55 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على كيفية معرفة الفرق بين الألماس الحقيقي والصناعي

GMT 02:40 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الأعمال الفنية الحديثة تخلو من الراقصة الممثلة الموهوبة

GMT 02:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

استكمال جمال سليمان ومنة فضالي وياسر فرج "أفراح إبليس2"

GMT 13:55 2016 الخميس ,15 أيلول / سبتمبر

استنفار أمني في زايو بعد العثور على فتاة مقيدة

GMT 23:33 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة ريم مصطفى تنضم إلى فريق عمل "اللهم إني صائم"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya