قضية جزائرية ـ مغربية بامتياز

قضية جزائرية ـ مغربية بامتياز

المغرب اليوم -

قضية جزائرية ـ مغربية بامتياز

خير الله خير الله

الحاجة اليوم قبل غد إلى مقاربة مختلفة لقضية الصحراء. مقاربة تأخذ في الحسبان أن إضعاف المغرب واستنزاف اقتصاده لا يفيدان أحدا في المنطقة بما في ذلك الجزائر.

انتهت اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العمومية للأمم المتحدة من مناقشة “قضية الصحراء الغربية” وذلك في سياق “تصفية الاستعمار”. كانت النتيجة الوحيدة التي يمكن الخروج بها من النقاش أن القضية التي استمعت خلالها اللجنة إلى ما يزيد على 85 مداخلة هي قضية جزائرية ـ مغربية بامتياز. إنها على الأصح قضية مفتعلة تستخدمها الجزائر لشنّ حرب استنزاف على المغرب عن طريق طرف ثالث اسمه “جبهة البوليساريو” وذلك على حساب الصحراويين أوّلا.

بالنسبة إلى المنظمة الدولية لم يتغيّر شيء في غضون أربعين عاما، أي منذ العام 1975. هذا عائد، بكل بساطة، إلى أنّ المنظمة الدولية غير راغبة في التعاطي مع القضية من زاوية مختلفة ومقاربة جديدة تأخذ في الاعتبار أنّ هناك واقعا لا يمكن تجاهله بأي شكل من الأشكال.

هذا الواقع ليس ناتجا عن حرمان شعب من حقوقه، كما يدّعي بعضهم لتبرير الحرب بالوكالة التي يتعرّض لها المغرب، بمقدار ما أنّه يقوم على تغييرات إيجابية. تصبّ هذه التغييرات في خدمة هذا الشعب، الذي لا يمكن فصل ماضيه عن المغرب، أقلّه في ما يتعلّق بالسكان الأصليين للصحراء عندما كانوا تحت الاستعمار الأسباني.

هذه التغييرات التي بدأت بـ”المسيرة الخضراء” في خريف العام 1975 ليست سوى تعبير عن رغبة وإرادة تجمعان بين المواطنين في المملكة المغربية بعيدا عن أيّ نوع من التعصّب أو العنصرية، أو ما يمكن تسميته بالشوفينية.

يتمثّل هذا الواقع أيضا في أن القضية كلها، باتت ذات طبيعة مُختَلقة من أولها إلى آخرها، وذلك منذ اليوم الأوّل الذي حاولت فيه الجزائر شن حرب بالوكالة على المغرب مستخدمة قضية الصحراء وما تسميه “حق تقرير المصير” للشعب الصحراوي.

ما هو الشعب الصحراوي أوّلا؟ ألا يُعتبر الموريتانيون صحراويين؟ هناك صحراويون منتشرون في كل المنطقة الممتدة من موريتانيا إلى جنوب السودان، مرورا بالجزائر ومالي والنيجر. في حال كان هناك من هو حريص بالفعل على حقّ تقرير المصير للصحراويين، لماذا لا يقيم لهم دولة على أرضه بدل العمل على اقتطاع جزء من الأرض المغربية؟

ليس سرّا أنّه كانت هناك دائما مشاريع تسوية لقضية الصحراء تأخذ في الاعتبار طموح الجزائر إلى أن يكون لها ممرّ إلى المحيط الأطلسي، ولكن من دون خروج الصحراء عن السيادة المغربية. نتذكر هنا مشروع الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز عندما كان لا يزال وليّا للعهد في المملكة العربية السعودية في ثمانينات القرن الماضي.

مثل هذا الممرّ يخدم كلّ الأطراف في المنطقة، ويؤمّن لكل طرف مصالحه. هناك أيضا رغبة لم تفصح الجزائر عنها بشكل علني في أي وقت وذلك من أجل الوصول إلى حلّ يتم بموجبه اقتسام الصحراء بينها وبين المغرب. تستند في ذلك إلى أنّ المغرب قبل في البداية اقتسام الصحراء مع موريتانيا. هذا كلام تجاوزه الزمن وتجاوزته الأحداث.

في نهاية المطاف، ما الذي يمنع الأمم المتحدة من مواجهة الواقع المتمثل في أن القضية هي بين المغرب والجزائر، وأنّ كل كلام عن وضع الـ”بوليساريو” في الواجهة مرتبط برغبة الجزائر في الهرب من تحمّل مسؤولياتها في خلق قضية مفتعلة أكثر من أيّ شيء آخر…

في مقدّمة هذه المسؤوليات الاعتراف بأن أهل الصحراء يعيشون مثلهم مثل أي مواطن مغربي على أرضه. حقوق المواطنين المغاربة مكفولة في ظل دستور معمول به منذ العام 2011. ليس معروفا لماذا الإصرار على تجاهل هذه الحقيقة في وقت يحتجز صحراويون في تندوف، فيما لا وجود لأي معتقل سياسي في المغرب. على العكس من ذلك، هناك مواطنون مغاربة، في الصحراء وغير الصحراء، يتمتعون بحقوقهم الكاملة في ظل القوانين المعمول بها التي تضمن الحرية والكرامة للجميع. لماذا لا يبدأ حقّ تقرير المصير بتندوف ومخيماتها، أي داخل الجزائر؟

لعلّ المنعطف الذي رسم مستقبل قضية الصحراء، والذي ترفض الجزائر الاعتراف بحصوله، هو الانتصار العسكري الذي حقّقه المغرب على الجزائر وجبهة الـ”بوليساريو” التي ليست سوى أداة من أدواتها. هذا المنعطف يتمثل في قيام الجدار الذي بات يحمي الصحراء وأهلها والجيش المغربي من هجمات الـ”بوليساريو” والذين يقفون خلفها. كان ذلك في العام 1984. غيّر الجدار طبيعة المعركة على الأرض. لم يعد في استطاعة الـ”بوليساريو” التي كانت تعتمد في مرحلة معيّنة على مساعدات معمّر القذافي، وفي كلّ وقت على الدعم الجزائري، شن هجمات على مواقع عسكرية مغربية معزولة.

أنهى الجدار الجانب العسكري في قضية الصحراء. استعاضت الجزائر عن هزيمتها العسكرية باللجوء إلى استخدام الدبلوماسية، معتمدة بشكل خاص على العلاقات وشبكة المصالح التي أقامتها مع دول أفريقية معيّنة. لا شكّ أنّها استطاعت تحقيق مكاسب على الورق للـ”بوليساريو”. لكن السؤال الذي بقي يطرح نفسه؛ هل طرأ أي تحسن على وضع الصحراويين المقيمين في تندوف في ظروف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها بائسة؟

في المقابل، هناك حياة طبيعية لدى أهل المحافظات الصحراوية في المغرب. من يزور هذه المحافظات يستطيع مشاهدة ذلك بأمّ العين. لم يعد سرّا أنّ كلّ شيء تغيّر في الصحراء، لكنّ الأمم المتحدة ترفض أخذ العلم بذلك. ترفض أخذ العلم بأن القضية لم تكن يوما قضية حقّ تقرير المصير لشعب ارتبط دائما بأصوله المغربية. الأمثلة على ذلك لا تحصى. في أي جيش خدم والد زعيم الـ”بوليساريو”؟

يُفترض بالأمم المتحدة مرافقة التطورات التي شهدتها القضية بدل البقاء في أسر الشعار الذي طرحته الجزائر. هذا الشعار لا يخدم أهل الصحراء بأي شكل، بمقدار ما أنّه يبقيهم في حال من البؤس، بما يخدم في المدى الطويل كلّ الحركات المتطرفة التي تعمل على زعزعة الاستقرار في شمال أفريقيا وفي الساحل.

من الضروري خروج الأمم المتحدة من مأزق الطرح الجزائري العقيم. هناك حلّ مطروح يحفظ ماء الوجه للجميع. هذا الحل هو الحكم المحلي للصحراء وذلك في إطار اللامركزية الموسّعة التي تُطبّقُ في المغرب. كانت الانتخابات البلدية والجهوية الأخيرة خير دليل على الجدية في تطبيق اللامركزية الموسّعة، وعلى أن الدستور الجديد الذي يضمن الحقوق الكاملة للمواطن المغربي، بغض النظر عن المنطقة التي ينتمي إليها، ليس حبرا على ورق.

يمكن لقضية الصحراء أن تكون منطلقا لتعاون على الصعيد الإقليمي في مواجهة التطرّف والإرهاب بكلّ أشكالهما. كذلك، يمكن أن توفّر هذه القضيّة مساحة واسعة لتعاون مغربي – جزائري في كلّ المجالات بدل الدخول في منافسة لا جدوى منها.

الحاجة اليوم قبل غد إلى مقاربة مختلفة وجديدة لقضية الصحراء.

مقاربة تأخذ في الحسبان أن الحرب الباردة انتهت أوّلا، وأنّ إضعاف المغرب واستنزاف اقتصاده لا يفيدان أحدا في المنطقة كلّها، بما في ذلك الجزائر. الحروب الصغيرة لا تفيد أحدا.

ما يفيد الجميع، خصوصا في هذه المرحلة، حيث دولة مثل ليبيا تحوّلت إلى بؤرة إرهاب كبيرة تهدّد كلّ دول المنطقة، هو التعاون من أجل الخروج من عقد الماضي والتوجه إلى المستقبل انطلاقا من أفكار جديدة. هذه الأفكار موجودة ومطروحة بشكل يومي، كلّ ما تحتاجه هو من يلتقطها ويعمل من أجل تطبيقها. الصحراء يمكن أن توفّر الباب أمام تعاون جزائري – مغربي في العمق، يمكنها أن تفتح أبواب المحيط الأطلسي للجزائر الباحثة باستمرار عن دور إقليمي في شمال أفريقيا، بل في أفريقيا كلّها. هذا الدور ممكن، ولكن من دون التعدي على السيادة المغربية. لا ضرورة للاعتداء على الآخر من أجل أن تحافظ دولة ما على مصالحها المشروعة…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قضية جزائرية ـ مغربية بامتياز قضية جزائرية ـ مغربية بامتياز



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya