أزمة ميشال عون وأزمة المسيحيين

أزمة ميشال عون... وأزمة المسيحيين

المغرب اليوم -

أزمة ميشال عون وأزمة المسيحيين

خيرالله خيرالله

مشكلة ميشال عون تكمن في أن مستقبله صار وراءه. لا يريد الاعتراف بذلك. الرجل على استعداد لتدمير لبنان على رؤوس أبنائه في حال لم يصل إلى رئاسة الجمهورية.

في وقت تزداد تعقيدات الوضع الإقليمي، خصوصا في سوريا، يعمل النائب المسيحي ميشال عون على تحويل أزمته إلى أزمة مسيحية، بل لبنانية. ينسى ميشال عون أن لبنان في غنى عن أزمات جديدة وأن أزمته ذات طابع شخصي. أزمة ميشال عون مرتبطة أساسا بتقدّمه في السنّ أولا، كما إنّها أزمة عائلية عائدة إلى طموحات اثنين من أصهاره. فوق ذلك، إنها أزمة مرتبطة بالتيّار السياسي الذي يقف على رأسه، أي “التيّار الوطني الحر” الذي يسمّيه الناس التيّار “العوني”.

يُفترض في ميشال عون، استيعاب أنّه لن يكون في استطاعته هذه المرّة تحويل أزمته إلى أزمة المسيحيين… أو إلى أزمة وطنية. إذا كان من وصف دقيق للمرحلة التي يمرّ بها المسيحيون الآن، فهذا الوصف هو أن ما نشهده هو أزمة وراثة ميشال عون التي يحاول حلّها على حساب لبنان واللبنانيين، خصوصا على حساب المسيحيين. من يرث ميشال عون داخل العائلة ومن يرثه على رأس “التيار” الذي انتهى أداة لدى أداة إيرانية اسمها “حزب الله”؟

في ظلّ التطورات الإقليمية التي تهدْد الكيانين السوري والعراقي، والمخاطر التي يتعرّض لها المسيحيون خصوصا والأقليات عموما في هذين البلدين المفكّكين، يبدو مسيحيو لبنان بألف خير. هذا أمر نسبي طبعا. ما يهدّد المسيحيين بالفعل هو حليف ميشال عون. هذا الحليف ذهب يقاتل في سوريا. انضم إلى الحرب التي يشنّها نظام أقلّوي على شعبه. هل فكّر ميشال عون، ولو للحظة، في النتائج التي ستترتب على مشاركة “حزب الله” من منطلق مذهبي بحت، على العلاقة المستقبلية بين سوريا ولبنان، أو على الأصح بين ما سيبقى من سوريا ولبنان؟
    
هل سينسى المواطنون السوريون أن فريقا مذهبيا لبنانيا شارك في إبادتهم بغطاء من مسيحي لبناني اسمه ميشال عون؟

في حال كان ميشال عون حريصا بالفعل على المسيحيين في لبنان، لكان أوّل ما فعله المشاركة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية. من حقّه طبعا الترشّح ليكون رئيسا، ولكن ما العمل عندما تكون هناك أكثرية في مجلس النوّاب تعترض على أدائه من منطلق أنّه مجرّد أداة لدى “حزب الله” من جهة وأن ماضيه لا يطمئن اللبنانيين على مستقبلهم.

وعد في أثناء وجوده في قصر بعبدا، كرئيس لحكومة مؤقتة، بين 1988 و1990 بأنّه سيكون آخر من يغادر القصر الرئاسي. انتهى الأمر بأنّه كان أول الهاربين تاركا الجيش السوري يدخل قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية، للمرّة الأولى منذ استقلال البلد.

تكمن مشكلة ميشال عون في أنّ مستقبله صار وراءه. لا يريد الاعتراف بذلك. الرجل على استعداد لتدمير لبنان على رؤوس أبنائه في حال لم يصل إلى رئاسة الجمهورية. نسي حتّى أنّه نجح في أثناء وجوده في قصر بعبدا، بعد خوضه حربي “التحرير” و“الإلغاء”، في تهجير أكبر عدد من المسيحيين من لبنان. الأرقام تؤكّد ذلك. والأرقام لا تخطئ. إنهّا اللغة الوحيدة التي لا يختلف اثنان في شأنها.

ليس ذنب اللبنانيين أن ميشال لم يستطع أن يكون في يوم من الأيّام رجل دولة، وحتّى ما يشبه ذلك.

هذا لا يعني تجاهل أن لـ”الجنرال” حيثية ما. وهذا عائد إلى سببين. الأوّل أنّ “حزب الله” أمّن له في انتخابات العام 2009 أن يكون على رأس كتلة نيابية كبيرة. في كلّ منطقة لبنانية نجح فيها نوّاب تابعون لميشال عون، كان الفضل في ذلك للحزب الإيراني الذي حوّل الطائفة الشيعية، في معظمها، رهينة لديه. معظم نوّاب ميشال عون انتخبوا بأصوات شيعية وليس بأصوات مسيحية. كذلك، لا يمكن تجاهل أصوات حزب الطاشناق الأرمني الذي هو في إمرة طهران لأسباب كثيرة معروفة جيّدا، بل أكثر من اللزوم، من الذين يتابعون العلاقة بين إيران وأرمينيا والأرمن…

أمّا السبب الآخر الذي يجعل لميشال عون حيثية، ففي أساسه كمّية الانتهازيين المحيطين به، وهؤلاء انتهازيون من سقط المتاع يخجل المرء حتّى من ذكر أسمائهم صاروا نوابا ووزراء.

كذلك، يستفيد ميشال عون من الجهل الذي يعاني منه مسيحيون كثر، وهو جهل عائد، قبل كلّ شيء، إلى التعصّب الأعمى لدى أبناء الطبقة المسيحية ما دون الوسطى التي تشكّل العمود الفقري لـ”التيار”. هذا التعصّب الأعمى جعل كلّ من ينتمي إلى “التيّار” أو يسمّي نفسه بـ”العوني” يعاني من عقدة اللبناني السنّي أو الدرزي. لا يريد “العوني” رؤية التحوّل الكبير الذي طرأ على أهل السنّة في لبنان، خصوصا منذ اغتيال النظام السوري بأدوات إيرانية الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.

مع تجاوزه الثمانين، يجد ميشال عون نفسه في حال لا يحسد عليها. صار أشبه بفيل هائج وُضع في غرفة من زجاج. استطاع الحزبان المسيحيان الآخران اللذان يمتلكان قواعد في معظم المناطق اللبنانية ضمان مستقبلهما. استطاع الرئيس أمين الجميّل توريث نجله سامي على رأس “الكتائب”. يمثّل سامي الجميّل نوعا من الاستمرارية لدى حزب عريق ارتبط اسمه بقيام الجمهورية اللبنانية والاستقلال. أمّا حزب “القوات اللبنانية”، فلم يعان من مشكلة التوريث، أقلّه إلى الآن. وهذا عائد أساسا إلى أنّ الدكتور سمير جعجع لا يزال في عمر يسمح له بممارسة السياسة وإدارة شؤون الحزب طويلا. فضلا عن ذلك إنّ “إعلان النيات” الذي توصل إليه “التيّار” و”القوات” أخيرا يزيل أي ذريعة ذات طابع عدائي لدى العونيين الذين لديهم حساسيات تجاه سمير جعجع.

هناك جانب أخير من الأزمة التي يعاني منها ميشال عون. يتلخّص هذا الجانب في من يرث ميشال عون. إذا كان من صراع حاليا بين سمير جعجع وسامي الجميّل، فإنّ محور هذا الصراع هو تركة ميشال عون. من المؤهل أكثر من غيره بين الاثنين للأخذ من هذه التركة؟

يصعّد ميشال عون ويهدّد بالنزول إلى الشارع. ينسى أنّه لم يكن يوما سوى أداة استخدمها النظام السوري، أيّام حافظ الأسد، لتدمير مناطق المسيحيين وتهجيرهم، ووضع كلّ لبنان في جيبه، وتنفيذ اتفاق الطائف بالطريقة التي تناسبه. حدث ذلك، بعدما دخل ميشال عون في حرب مسيحية – مسيحية وبعدما سهّل اغتيال الرئيس رينيه معوّض في خريف العام 1989، إذ منعه من الوصول إلى مكان آمن هو قصر بعبدا. تركه فريسة للقتلة، أي تحت رحمة الأجهزة السورية التي كانت منتشرة وقتذاك في بيروت.

قد تكون هناك فائدة أخيرة لميشال عون. التصعيد الذي يمارسه يمنع انتخاب رئيس للجمهورية ويربك الحكومة. إنّهما هدفان من أهداف “حزب الله” الذي وضع نصب عينيه تغيير النظام في لبنان من المناصفة بين المسيحيين والمسلمين… إلى المثالثة بين المسيحيين والشيعة والسنّة.

هل هناك أفضل من ميشال عون يؤدي الدور المطلوب من وهو دور يساعده أيضا في الهرب من أزمته الداخلية بجوانبها المتعددة؟

هذه الأزمة أزمة ميشال عون وليست أزمة المسيحيين في لبنان. لن يكون في استطاعته، في أيّ شكل، إيجاد حلّ لها بتحويلها إلى أزمة حكومية أو أزمة مسيحية أو أزمة وطنية. عمره لا يسمح له بذلك!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة ميشال عون وأزمة المسيحيين أزمة ميشال عون وأزمة المسيحيين



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya