توفيق بو عشرين
منذ أسبوعين والزعيم الاتحادي، إدريس لشكر، يوظف كل أبواقه الإعلامية وكتائبه الحزبية لسب وقذف كاتب هذه السطور، وشيطنته ووصفه بكل النعوت القدحية التي وجدها أمامه، لا لشيء سوى لأنني كتبت بضع كلمات طيبة في حق زميل وصديق اسمه أحمد الزايدي، رحمه الله، وقلت إن المياه التي جرفته إلى أعماقها في بوزنيقة كانت أرحم به من مياه السياسة الضحلة التي لا حدود لانحطاطها، وإن الرجل كان يمثل ما بقي من أخلاق في السياسة، وإن موته وجنازته كانا بمثابة استفتاء على سيرة الرجل، وعلى ما تمثله حركة تصحيحية قامت في وسط الاتحاد من أجل إنقاذ ما بقي منه ومن تراثه ورموزه، وفي الأخير عبرت عن مجرد رأي يقول إن على السيد إدريس لشكر أن يقدم استقالته من رئاسة الحزب، وأن يضع الاتحاد والاتحاديين أمام ضميرهم وأمام التاريخ، وقلت إن القيادة الجديدة فشلت في توحيد الحزب، وعلى يدها أصبح الفريق البرلماني فريقين، والشبيبة شبيبتين، والنقابة نقابتين، والحزب حزبين، أما الجريدة فتقف في وسط الطريق، لا نعرف هل مازالت ناطقة باسم الحزب الذي دعا، في بلاغ رسمي لمكتبه السياسي، إلى صيانة ممتلكات الحزب ومؤسسته الإعلامية وكأن عبد الهادي خيرات سطا عليها، وهو الذي فعل المستحيل من أجل إنقاذها من أزمة مالية كبيرة…
هل ما كتبناه جريمة توجب العقاب؟ وهل «حفّظ» لشكر وأتباعه الحزب بأسمائهم في المحافظة العقارية، وصار شأنا عائليا يدخل في حرمات الزعيم التي لا يحق لأحد أن يقترب منها؟ هل هذا حزب أم «سراي حريم» لا يجب الاقتراب منه ومن أخباره ووقائعه وحياته الداخلية ومن التعليق على سلوكه وفكره وسياسته؟
منذ ثلاثة أسابيع وقيادة الاتحاد تجيش الأقلام التي تكتب تحت الطلب، وتأمرها بسب هذه الجريدة وصاحبها ظنا من القائد أنه يخلق جوا للتعبئة وسط الحزب، وذلك من خلال إعطاء الانطباع للمغفلين بأن الحزب في خطر، وأن هناك مؤامرة حيكت ضد لشكر عند قبر الزايدي، وأن مواجهة الخطر تمر عبر نظم قصائد هجاء في صحافي لا يملك غير رأيه واستقلاليته ومهنيته. أصبحت كل كلمة طيبة في حق الزايدي كلمة إساءة في وجه لشكر، وكل دمعة من أجل الفقيد طعنة في ظهر الزعيم. لا أعرف كيف وصلت «البرانويا» في عقل لشكر وأتباعه إلى هذه الدرجة…
خلية الإعلام والتواصل التابعة للمكتب السياسي للحزب أصدرت بيانا يقطر بكلام السوق، والذي لا يمكن أن ننشره في هذا الركن احتراما للقراء وللذوق العام الذي نزل به القادة الجدد للاتحاد إلى مستوى غير مسبوق، لكن ما يهمنا هنا ليس الرد على السب والقذف، فهذا مما اعتدناه في الساحة الإعلامية والسياسية، ولم يعد يثير فينا حتى مجرد الإحساس بالظلم. المهم هو أن خلية الزعيم، التي تنام طويلا وتستيقظ عندما يأمرها بذلك، غضبت من موقع الجريدة عندما كتبنا أن رئيس المجلس البلدي لكلميم اتحادي، وأن لشكر ربما نسي هذه الحقيقة وهو يهاجم الحكومة لتقاعسها عن نجدة منكوبي الجنوب، وقلنا إن العامل مسؤول والحكومة مسؤولة والوقاية المدنية مسؤولة، لكن رئيس المجلس البلدي هو أيضاً مسؤول لأنه لم يوفر سيارات الإسعاف الضرورية لنقل الأموات إلى قبورهم وكرامتهم محفوظة كما أمر الله…
ولأن حزب الاتحاد الاشتراكي في نسخته الجديدة يحترم حرية الرأي والتعبير، ويؤمن بدور الصحافة في التنبيه إلى الاختلالات، فإنه أمر خلاياه الإعلامية وانكشاريته السياسية وقال لهم: «هيا سبوا هذا الصحافي، وقولوا إن بعض الأقلام الصحافية تحولت إلى أقلام مرتزقة مثل توفيق بوعشرين، وإن مآلها هو مطرح النفايات».
كرم الله وجهك يا سيد لشكر، لدي سؤال واحد واعذرني على هذه الوقاحة: إذا كنت أنا مرتزقا فماذا تسمي الذي دخل إلى حكومة عباس الفاسي على ظهر التراكتور ليجلس على مقعد تافه في ربع وزارة بعد أن سب ولعن الوافد الجديد، ووضع يده في يد العدالة والتنمية، وقال لهم «هيا نحو كتلة تاريخية للتصدي لحزب السلطة الجديد (الأصالة والمعاصرة)»، وعندما وثقوا به نزل في نصف الطريق، وركب الجرار ونسي الكتلة والجابري وغرامشي والوافد الجديد وكل تلك العنتريات، ودخل بوجه أحمر إلى حكومة ميتة في الوقت الضائع…