كلام في السياسة

كلام في السياسة

المغرب اليوم -

كلام في السياسة

توفيق بو عشرين


تنزلق الحياة السياسية في المغرب إلى أن تصير حياة بوليميك وسجال وحيل، وفخاخ وفخاخ مضادة، و«قوالب وحشيان الهضرة»، وضرب تحت الحزام… لا برامج، ولا حوار سياسي وفكري، ولا بدائل عن السياسات القائمة، ولا مشاريع، ولا هم يحزنون…

 والبداية من الحكومة التي تتوفر على الإدارة وعلى السلطة وعلى القرار.. الذي يطلع على جدول أعمال المجالس الحكومية الأخيرة يلحظ أنها مجالس فارغة تقريبا، باستثناء مشاريع قوانين ومراسيم الانتخابات. لا شيء في ماكينة التشريع التي تدفع النصوص إلى البرلمان، لا مشاريع كبرى، لا أفكار جديدة، لا تدابير ذكية لاحتواء البطالة وإنعاش الشغل والحد من التهميش والفقر. لا إجراءات جديدة لإطلاق ديناميات للتنمية لاستيعاب الخصاص المهول الموجود في مناطق كثيرة، حيث خرجت نتائج الإحصاء العام بأرقام مخيفة عن انتقال ثلثي المغاربة إلى العيش في المدن.. وأية مدن! كلها غارقة في فوضى المجالس المنتخبة، وفساد الإدارة، وتواطؤ السلطة الوصية، لكن أرقام الإحصاء لم تحرك شعرة واحدة في رأس الحكومة، ورئيسها مهتم هذه الأيام بدك أسوار المعارضة، والرد على منتقدي زيارته للسيسي، والرأي العام مشغول عن آخره بالبحث عن بطلي قصة حب في الحكومة، وكأن العريسين الجديدين سيحلان ربع مشاكل المغرب إذا ضربا الكحل في الأبيض. إننا أمام مخاطر حقيقية لتمييع السياسة وجرها من الجد إلى اللعب، ومن الخبر إلى الإشاعة، ومن القرار العمومي إلى أخبار البيبل، ومن الخطاب المؤسس على أفكار واختيارات إلى قفشات على المسرح تذوب في كأس الرأي العام مثل السكر في انتظار قطعة أخرى…

باستثناء قرارات مهمة تهم تخفيض ميزانية الدعم عن المحروقات، وتخفيض أثمنة الدواء، وصرف منح للمطلقات والأرامل المعوزات، لا توجد أشياء مهمة على جدول عمل الحكومة منذ أسابيع، وكأنها في الربع ساعة الأخيرة من عمرها، وليس في منتصف أدق مرحلة من حياتها. يجب ألا تشل الانتخاباتُ آلة العمل الحكومي، ويجب ألا يوقف الضجيجُ العملَ. إن زمن الإصلاح قصير، والوقت أغلى شيء في السياسة، والعمل الذي لا تقوم به اليوم لا تستطيع أن تقوم به غداً…

المعارضة حكاية مضحكة، وأحزابها فقدت البوصلة تماماً، وعوض أن تركز على وظيفتها الرئيسة المتمثلة في مراقبة العمل الحكومي، واقتراح بدائل، وإقناع الرأي العام بأنها غداً ستكون أفضل من الأغلبية إن نالت الثقة، اختارت المعارضة الصراخ والضجيج والإثارة وخلط الأوراق، والتركيز على شخصية بنكيران عوض سياسته، والانشغال بلغة رئيس الحكومة عوض قراراته، وعندما فشل هذا الأسلوب في إقناع الناس، وظهرت استطلاعات الرأي في صالح الحكومة ورئيسها، اتجهت المعارضة إلى الاستقواء بالقصر، ومحاولة توريط الجالس على العرش في خلافات الأحزاب السياسية التي لا تنتهي، ويبدو أن المعارضة في حاجة ماسة إلى دروس تقوية في مادة القانون الدستوري لتفهم أن التحكيم الملكي له قواعد وأصول، وليس حلوى «لعب وكول» التي كنا نشتريها ونحن أطفال…

يقول مثل إفريقي قديم: «ليس ضروريا أن تقطع الشجرة لتسقط ثمارها».. هذا بالضبط ما تريده كتيبة المعارضة اليوم.. قطع شجرة الديمقراطية لإسقاط حكومة بنكيران. أيها السادة، أليس وسطكم رجل حكيم؟ ليس ضروريا أن تطلبوا الرعاية الملكية في الانتخابات المقبلة من أجل التغلب على أحزاب الأغلبية، وفي مقدمتها العدالة والتنمية، وليس ضروريا أن يتهم شباط بنكيران بأنه داعشي، وليس ضروريا أن يتهم لشكر رئيس الحكومة بأنه هتلر، ولا يليق بإلياس العمري أن يخاطب أم بنكيران ويطالبها بأن تعيد تربية ولدها… ليس ضروريا كل هذا البوليميك الذي يقوي بنكيران ولا يضعفه لأنه يعطيه كرات سهلة في الملعب الذي يستهويه…

هذه البلاد تتوفر على حظوظ كبيرة للنهوض، وتتمتع بطاقات كبيرة وخصائص طبيعية وثروات وطنية وموقع جغرافي تحسد عليه، لكن شيئا واحدا ينقصها.. نخب سياسية في المستوى. للأسف، وبفعل عوامل كثيرة، اختطف مجموعة من القراصنة سفينة السياسة المغربية وأفرغوها من محتوياتها ونهبوها، وها هم يتشاجرون على بيع أجزائها بالتقسيط في سوق المتلاشيات… انتهى الكلام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كلام في السياسة كلام في السياسة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya