قرارات صعبة اتخذتها الحكومة

قرارات صعبة اتخذتها الحكومة

المغرب اليوم -

قرارات صعبة اتخذتها الحكومة

بقلم :‎توفيق بوعشرين

يمكن للرأي العام أن يؤاخذ حكومة عبد الإله بنكيران لأنها لم تتخذ قرارات كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية كان من الممكن اتخاذها
لكن، في نظري، لا يمكن انتقاد القرارات الصعبة التي اتخذتها هذه الحكومة، ومن الإنصاف والموضوعية الاعتراف لها بذلك ومطالبتها بالمزيد، وإليكم بعض الأمثلة:
أولا: أول أمس وقعت الحكومة عقد برنامج مع المكتب الوطني للماء والكهرباء، بمقتضاه ستنقذ المكتب من الانهيار عن طريق رفع جزء من الدعم عن الكهرباء والماء للفئات الميسورة والطبقة الوسطى العليا، حيث ستساهم الزيادات القادمة في تمويل 30 في المائة من عقدة البرنامج الذي سيرفع مداخيل المكتب ويسد جزءا من عجزه، على أن تتكفل الدولة بدفع 70 في المائة الباقية حتى لا ترتفع فاتورة كهرباء وماء الفقراء، وحتى لا تكون هناك أي زيادة على ظهر هؤلاء المسحوقين. هذا معناه أن 4.5 ملايين أسرة لن تدفع شيئا في السنوات القادمة، وأن مليوني أسرة أخرى ستدفع جزءا من فاتورة إنقاذ المكتب، أي أنها ستستهلك الماء والكهرباء بثمنهما شبه الحقيقي، وأن الدعم العمومي لن يذهب إلا إلى جيب الفقراء. هذا معناه، ثانيا، أن مخصصات صندوق المقاصة ستنخفض، وأن المال العمومي سيذهب أكثر إلى الصحة والتعليم والبنيات الأساسية والتشغيل. هذه تسمى سياسة اجتماعية واقتصادا تضامنيا.
ثانيا: اتخذت الحكومة، قبل هذا، قرارا بالزيادة في المحروقات، واعتماد المقايسة لتقريب الفجوة بين الأسعار الحقيقية للمحروقات وأثمنة بيعها في السوق، وهذا وفر مليارات الدراهم كانت تذهب إلى جيوب الأغنياء والشركات والمصانع وكل من يستهلك المحروقات أكثر. لقد قفزت ميزانية المقاصة إلى أكثر من 50 مليار درهم في 2012، وكانت المالية العمومية على شفا الانهيار، وكانت الحكومات السابقة ترى هذا النزيف لكنها لا تقدر على توقيفه مخافة رد فعل غاضب من الشارع، والآن يتضح أن الحكومات السابقة كانت تبالغ في الخوف من الشارع، فالمواطن إذا اقتنع بأن الزيادة في صالح البلاد، وأن ما يخرج من جيبه يذهب إلى قطاعات أخرى حيوية، فهو يقبل أن يدفع مقابل صحة البلاد...
ثالثا: اتخذت الحكومة قرارا مهما يتمثل في الاقتطاع من أجور المضربين، وقررت ألا تؤدي أجور الموظفين الذين يضربون عن العمل احتجاجا على قرارات الحكومة، وهذا إجراء معمول به في كل الدول الديمقراطية، فالاقتطاع من أجور المضربين هو الذي يصنع الفرق بين الإضراب والعطلة المؤدى عنها... وهذا ما جعل الإضرابات في القطاع العام تنزل إلى أكثر من النصف، وأعاد شيئا من الروح إلى المرفق العام الذي أصيب بالشلل قبل مجيء هذه الحكومة، وهذا القرار لم يكن سهلا لأنه يمس الفئات الوسطى التي تصوت على الأحزاب المشاركة في الحكومة، وهذا معناه أن هذه الأخيرة ستخسر أصواتا معتبرة بسبب هذا النوع من القرارات، ومع ذلك لم يمنعها هذا الأمر من أن تتخذ مثل هذا القرار.
رابعا: اتخذت الحكومة قرار وقف التوظيف المباشر بدون مباراة، ووقف مهازل حكومة عباس الفاسي والحكومات التي سبقتها التي كانت تخضع لضغط المعطلين في الرباط، وتقوم بتوظيف من يصرخ أكثر ومن يعتصم في شارع محمد الخامس بالرباط، أما جيوش المعطلين في القرى والمدن البعيدة، الذين لا يتوفرون على ثمن تذكرة السفر إلى الرباط وثمن الإقامة شهورا من أجل التظاهر اليومي في الشارع، فما كان لهم إلا الصبر ورفع أكفهم إلى الله.
التوظيف المباشر بدون مباراة مس بمبدأ المساواة بين المواطنين، أولا، وهو إجراء غير عقلاني، ثانيا، وخضوع للابتزاز، ثالثا، بالإضافة إلى أنه يمس بهيبة الدولة، فمن حق المعطلين أن يحتجوا من أجل شفافية مباريات التوظيف، والإنهاء مع الزبونية والمحسوبية، ومن حق المعطلين أن يطالبوا بالزيادة في عدد مناصب الشغل في القانون المالي ضد تقاعس الحكومة عن سن سياسات تحفيزية في القطاعين العام والخاص من أجل إنعاش سوق الشغل. كل هذا من حقهم، أما المطالبة بفتح أبواب التشغيل المباشر بلا مباراة ولا تساوٍ للفرص أمام المواطنين، فهذا لا يجوز.
خامسا: قررت الحكومة تخفيض أسعار جزء من الأدوية، والتصدي للوبي الدواء ومختبراته والمصحات الخاصة وحدائقها الخلفية، وهذه أول مرة تخوض حكومة حربا ضد أحد أقوى اللوبيات التي تستعمل أسلحة كثيرة للدفاع عن مصالحها وحماية امتيازاتها غير المشروعة، حيث تباع أدوية كثيرة في المغرب بأسعار أغلى من نظيرتها في أوربا وآسيا ودول كثيرة دخل المواطن فيها أضعاف دخل المغربي، وهذا الوضع كان كل وزراء الصحة يعرفونه لكنهم كانوا يلتزمون الصمت خوفا أو طمعا في نيل حظ من هذه الكعكة التي يسيل لها اللعاب.
هذه القرارات الصعبة مكلفة، وقد تؤدي أحزاب الحكومة، وفي مقدمتها العدالة والتنمية، ثمنها في صندوق الاقتراع، وقد يتفهمها المواطن ويقتنع بها... لكنها قرارات مهمة لصحة البلاد واستقرارها وتوازن ماليتها العمومية وسمعتها في الخارج ولدى المؤسسات المالية. الأحزاب وظيفتها في الديمقراطيات الحديثة أن تحترق لتنير الطريق مثل الشمعة تماماً، والذي يريد أن يحافظ على شعبية حزبه على حساب المصلحة العامة فإنه يرتكب جريمة سياسية في حق البلاد. غدا أتحدث عن القرارات التي لم تتخذها الحكومة، وكان بيدها ذلك...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرارات صعبة اتخذتها الحكومة قرارات صعبة اتخذتها الحكومة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya