عملة نادرة في المغرب

عملة نادرة في المغرب

المغرب اليوم -

عملة نادرة في المغرب

توفيق بوعشرين

هناك نكتة كان المغاربة يتداولونها في الثمانينات، تعبر عن بعد الحاكمين عن هموم المحكومين. تقول النكتة إن الملك الراحل الحسن الثاني كان في جولة بمراكش، فجاء شاب للسلام عليه، فسأله الملك: «أين تشتغل يا ولدي؟»، فرد الشاب المراكشي بسرعة: «في الميناء يا مولاي». فتعجب الملك من هذا الجواب، فسأل ثانية الشاب: «وهل في مراكش بحر حتى يكون فيها ميناء؟»، فأجاب الشاب ملكه: «وهل في مراكش عمل حتى يسأل عنه سيدنا؟»…

الشغل هو مفتاح الاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية وتوزيع الثروة وحفظ الكرامة وما يتبعها، وهذه العملة نادرة اليوم في المغرب، وإليكم الإحصائيات الخارجة من المندوبية السامية للتخطيط…

كل سنة يحتاج المغرب إلى أكثر من 180 ألف منصب شغل، أي أن 180 ألف شاب يطرقون باب العمل في القطاع العام أو الخاص.

ترى كم من واحد يُفتح أمامه هذا الباب؟ الرقم صغير وصادم.. لا يلج سوق الشغل سوى أقل من 40 ألف شاب سنويا، ويبقى 140 ألفا في عراء البطالة ينتظرون ويتألمون، ويشحذون، ويعيشون على مساعدات أقاربهم (معدل مناصب الشغل التي وجدت في الثلاث سنوات الأخيرة هو 39 ألف منصب شغل كل سنة)…

 لهذا شعر رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، بأن نقطة الضعف الكبيرة في حصيلة حكومته هي مناصب الشغل، لهذا عمد إلى وضع برنامج لإعادة تكوين 25 ألف شاب عاطل بمنحة 1000 درهم في الشهر من أجل تسهيل إدماجهم في سوق الشغل. المبادرة ليست كبيرة وليست جديدة، لكن المحاولة تفتح النقاش حول الطرق غير التقليدية في البحث عن فرص الشغل للشباب…

إن أغلب العاطلين، للأسف، يبحثون عن الشغل في الأماكن التي لا يوجد فيها. يبحثون عن الشغل في الإدارة، والإدارة مصابة بالتخمة، وتتمنى أن يأتيها من يخلصها من ثلث موظفيها، ومن يعيد انتشار الثلث الآخر، ومن يحفز الثلث الذي يشتغل. هذا هو حال الإدارة اليوم، التي نصرف على جيشها 140 مليار درهم سنويا دون أن نتلقى مقابل هذا المال خدمة جيدة من المرفق العام.

فرص الشغل توجد في القطاع الخاص لكن هذا القطاع بدوره يعيش مشاكل كثيرة، أولها الاحتكار، حيث تستأثر شركات محدودة بمجمل الصفقات العمومية، فتقسم الثروة بينها، ولا تدع للآخرين شيئا يعيشون منه، وثانيها الريع، حيث يحصل المحظوظون على المال دون مجهود ولا ضريبة ولا قيمة مضافة، ومن ثم لا يخلقون مناصب شغل قارة، وثالثها العشوائية، حيث ثلث الاقتصاد يعيش في القطاع غير المهيكل، وبالتالي لا يخضع للضريبة ولا للتحديث ولا للعصرنة ولا للتخطيط. رابع أعطاب القطاع الخاص يكمن في أنه يستثمر في العقار والاستيراد والتوزيع والاتصالات والأبناك… وكل هذه الأنشطة لا تخلق مناصب شغل كبيرة (انظروا إلى لائحة كبار الأغنياء في المغرب ستجدون جلهم من حيتان العقار، وهذه خاصية لا توجد إلا في البلدان المتخلفة، أما الدول المتقدمة فإن أغنياءها يخرجون من الصناعات ومن القطاعات التي تخلق قيمة مضافة).

لنأخذ سنة 2015، حيث يقول الخبراء إن نسبة النمو ستصل في أفضل الأحوال إلى 4.8 في المائة، وهي أعلى نسبة يمكن للنمو في هذه البلاد أن يصل إليها في الظرف الراهن. نصف هذه النسبة من النمو ترجع إلى القطاع الفلاحي، المرتبط بالسماء لا بالأرض، في حين أن البلاد محتاجة إلى نسبة 8 في المائة من النمو لمدة عشر سنوات لتستطيع أن تمتص جيوش العاطلين عن العمل الذين يدخلون السوق كل سنة.

مسؤولية الحكومة ليس أن ترفع من عدد الوظائف في الإدارة كل سنة.. مسؤولية الحكومة أن تهيئ مناخا اقتصاديا وماليا وضريبيا لإنعاش الشغل. الدولة تتوفر على سلاح التشريع ولا تستعمله، وتتوفر على ذخيرة الوعاء العقاري ولا تعطيه إلا للديناصورات الكبيرة، وتتوفر على أكبر ميزانية استثمار في المغرب (180 مليار درهم سنويا) لكنها لا تزيد الشحم إلا في ظهر المعلوف. الدولة تتوفر على إمكانات كبيرة لخلق وظائف جديدة لكن للأسف المبادرة معطلة والعقل السياسي مشغول بقضايا أقل أهمية…

اليوم مثلا وزارة العدل عاجزة عن استخلاص مئات آلاف من الغرامات التي تحكم بها المحاكم على مواطنين مغاربة، والرقم يفوق 10 ملايير درهم. كتاب الضبط في المحاكم المغربية اليوم عاجزون عن استخلاص هذه المبالغ لكثرتها، ولعدم تخصصهم في التحصيل، كما هم عاجزون حتى عن تنظيم أرشيف الأحكام والملفات في المحاكم التي تتعرض للتلف ولغزو الفئران.. ماذا سيجري لو خلقت الحكومة مهنة حرة مكلفة باستخلاص الغرامات من المحكوم عليهم، وأخذ عمولة من هذه الغرامات مقابل الخدمة؟ ستربح الدولة المليارات كل سنة، وستخلق عشرات الآلاف من مناصب الشغل، وستربح أموالا كثيرة من الضرائب التي سيؤديها أصحاب مهنة التحصيل عن نشاطهم، دون أن تضطر الحكومة إلى إثقال الميزانية العامة بكتلة أجور جديدة. طبعا مقترح مثل هذا ستواجهه الإدارة ونقابات كتاب الضبط في وزارة العدل بطرق ملتوية، وسيرى فيه الطرفان انتقاصا من سلطتهما ومسا بهيبتهما… وهكذا تظل يد الميت فوق ملف التشغيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عملة نادرة في المغرب عملة نادرة في المغرب



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya