عزاؤنا في الأحياء لا في الأموات

عزاؤنا في الأحياء لا في الأموات

المغرب اليوم -

عزاؤنا في الأحياء لا في الأموات

توفيق بو عشرين

 

السياسيون عندنا عموما بلا شعبية، وصورتهم عموما سيئة، وسمعتهم في غالب الأحيان ليست وردية، وقل ما يذكرهم الناس بالخير، سواء كانوا في الحكومة أو المعارضة، في اليمين أو اليسار أو الوسط، في الأحزاب أو الدولة.. هذه هي القاعدة وهناك استثناءات… أسباب هذا الوضع كثيرة، ومنها أن «سمكة واحدة تخنز الشواري»، فما بالك بأسماك كثيرة فاسدة وسط قلة غير متعفنة من أسماك تجد نفسها في غربة شديدة في بركة آسنة…

هذه هي القاعدة، أما بعض الاستثناء فهو ما رأيناه في شهر واحد في بوزنيقة والرباط، حيث حج مئات الآلاف من المواطنين، فقراء وأغنياء، لوداع أحمد الزايدي الذي غرق في بركة ماء في جماعة وادي الشراط، وعبد الله بها الذي مات في حادثة قطار في المكان نفسه… ما الذي جعل الآلاف من الناس الذين حضروا، والملايين الذين غابوا، يحزنون لوفاة سياسيين؛ الأول يساري في المعارضة والثاني إسلامي في الحكومة؟ ماذا حرك رحيل هذين الرجلين في دواخل المغاربة؟ هل الموت وحده من يصالح الناس مع السياسيين، أم إن القيم والأخلاق والسلوكيات التي عرف بها الراحلان هي التي جلبت لهما كل هذا التعاطف والتقدير والتحية والعرفان بالجميل؟

لا نكتب هنا للأموات، فهؤلاء في رحاب ربهم، نكتب لمن بقي من الأحياء لنقول لهم إن الشعب الطيب لا ينسى الأيادي البيضاء التي مرت من هنا، وإن الناس العاديين ربما لا يعبرون عن آرائهم ومواقفهم طوال السنة، لكنهم في لحظات معينة يخرجون المكنون في نفوسهم. الناس بهذا الحزن الكبير على الراحلين يقولون لمن بقي من السياسيين على قيد الحياة إن السياسة أخلاق، وإن الحياة ليست سلطة ومالا وجاها و«قوالب» و«تحرميات» وانتهازية… الحياة يمكن أن تكون نبلا وسعيا في الخير، وتضحية دون انتظار مقابل، وكفا دائماً عن إيذاء الناس، ومجاهدة مستمرة لترويض النفس الأمارة بالسوء…

 كان فقهاؤنا القدامى يقولون للسلاطين الظالمين، وما أكثرهم في تاريخنا، «بيننا وبينكم الجنائز»، أي أن الحكم بيننا وبينكم حضور الناس في جنازاتنا.. تلك اللحظة العاطفية المشحونة بالصدق والتأثر وألم الفراق، حيث تخرج المشاعر بلا «رتوش» ولا مصالح ولا حسابات معقدة ولا مجاملات ولا خوف…

تقول الحكاية العربية إن سياسيا جديدا دق باب سياسي قديم يشكو إليه ظلم الصحافة التي تكتب عن السياسيين الأكاذيب، فضحك السياسي المخضرم صاحب التجربة في كواليس الانحطاط السياسي، وقال لتلميذه: «يا صاحبي، اترك الصحافة تنشغل بكتابة الأكاذيب لكي لا تكتب عنا الحقائق، فحقائقنا أفظع من أكاذيبهم». ليست الألقاب هي التي تكسب الناس المجد، بل الناس هم الذين يكسبون الألقاب مجدا… هكذا تقول الحكمة القديمة، لكن من يسمعها… السياسيون في بلادنا، من كل لون وطيف وقبيلة وفكر وإيديولوجيا، غارقون في البحث عن الألقاب، ولا يهتم إلا القليلون منهم بالمجد، والمجد مسألة أخلاقية قبل أي شيء آخر، وهذه المسألة لا رقيب عليها إلا الإنسان نفسه، ولا ترمومتر لها إلا حكم الناس في آخر المشوار ساعة الحقيقة.. ساعة الموت…

حضرت جنازتي الراحلين، ورأيت بأم عيني علية القوم، من رجال ونساء السلطة والمال والنفوذ والوجاهة، جنبا إلى جنب مع الفقراء والبسطاء والعاطلين عن العمل ومن لا يملكون حتى قوت يومهم.. كل هؤلاء اجتمعوا في لحظة واحدة وأمام حقيقة واحدة وخلف نعش واحد في المقبرة وفي بيت العزاء وهم يرددون: «عزاؤنا واحد.. رحم الله السي أحمد. رحم الله السي عبد الله».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عزاؤنا في الأحياء لا في الأموات عزاؤنا في الأحياء لا في الأموات



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya